في مشهد غير مالوف بالنسبة للمرأة الصومالية المكبلة بسطوة التقاليد، تتحدى فتيات تلك الأعراف، ويتسلحن بالكاميرات، في محاولة لاقتحام عالم ظل حكرا على الرجال في بلادهم.
تقول خضرة أحمد بيد للأناضول إنها ومجموعة من السيدات أنشأن مؤسسة للإنتاج الإعلامي بعد تخرجهن في أكاديمية الصومال للإعلام الرقمي (خاصة) لتوفير فرص عمل لفتيات عانين البطالة من خلال الكاميرا، بعد أن لمسن أن عائلات كثيرة محافظة تفضل مصورات في مناسباتها الخاصة بالنساء.
وتضيف “خضرة” وهي رئيسة مؤسسة بطان للإنتاج الإعلامي:” تفتقر المرأة الصومالية إلى الكثير من الحقوق للانخراط في أسواق العمل بسبب تقاليد المجتمع الصومالي، ومن خلال هذه الكاميرا نسعى لاسترداد حقنا في العمل ونزاحم الرجال في الميادين رغم نظرة المجتمع الصومالي السلبية تجاه المصورات”.
وعن شغفها بالتصوير، تلفت “خضرة” أنها تعشق تلك الهواية منذ طفولتها، وكانت حريصة على حضور حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية لمشاهدة المصورين وهم يمارسون عملهم، ثم كانت تتابع الصور التي يلتقطها المصورون واختيارهم زوايا بعينها عبر موقع “يوتيوب”، حتى أتيحت لها الفرصة لصقل موهبتها وتعلم أسرار الكاميرا فالتحقت بأكاديمية الصومال للإعلام الرقمي.
وتختلف دوافع اقتحام الصوماليات عالم التصوير، فبعضهن عشقن هذه المهنة منذ الصغر، فيما تفضل أخريات الكاميرا كفرصة عمل تعويضا لسنوات البطالة بينما تختار صحفيات أخريات الكاميرا لإكمال جزء من مهنتهن ليصبحوا صحفيات شاملات.
عائشة نور طالبة في أكاديمية الصومال للإعلام الرقمي تقول للأناضول إن ميولها لعالم التصوير ارتبط بحياتها منذ الصغر؛ حيث كانت تتطلع إلى أن تكون محترفة في مجال التصوير بعد التفرغ من الحقل النظري والتطبيقي في هذه الأكاديمية.
بيد أن ثمة صعوبات واجهت “عائشة”، لاسيما من قبل أسرتها ومحيطها عند اقدامها على تعلم مهارات التصوير حيث تعلمت من دون علم أفراد الأسرة، الذين كانوا على قناعة أن مهنة التصوير تخالف الشرائع والعادات التقليدية للمجتمع.
لكن بمرور الوقت بدأت أسرة “عائشة” في تقبل مهنتها، بل شجعتها على عدم الاكتراث بانتقادات الآخرين، ما فتح أمامها المجال لمواصلة المسيرة، بغية تحقيق أمنيتها في أن تصبح مصورة محترفة مستقبلاً.
**تحديات لا تنتهي
لاتخلو حياة هؤلاء الفتيات من المشاكل والتحديات عند ممارسة مهنتهن في تصوير المناسبات وحفلات الزفاف، حيث ينظر الكثير إليهن بعين الريبة فيما يشكك آخرون في مهاراتهن في التصوير.
تقول كوثر عبدالله محمد للأناضول :”واجهنا العديد من الصعوبات بدعوى أننا فتيات ولا نجيد هذه المهنة، لكن مع اصرارنا على مواصلة مهنتنا بدأت التحديات تتلاشى يوما بعد آخر حتى بدأنا النزول للشارع والتقاط الصور والفيديوهات”.
وتضيف “كنا ندرك بأن التحديات ستكون أكبر في عالم التصوير، خاصة عندما تكون المرأة هي المصور في هذا المجتمع التقليدي الذي يتخوف ولايحبذ التصوير إلا عند المناسبات”.
وحول التحديات المتكررة التي تتعرض لها تلك الفتيات، تقول كوثر :” نحن كمصورات لايمكننا تصوير مناسبات النكاح (عقد القران )التي تضم الرجال فقط، فضلاً عن عدم ثقة الكثيرين في مهاراتنا في التصوير عند حفلات الزفاف والمواليد والمناسبات، إلى جانب محاولة بعض المصورين الرجال التقليل من قدراتنا ومهاراتنا في هذا المجال”.
وتستدرك قائلة “لكن وبعد مجهوداتنا في تطوير هذا المجال واستخدامنا كاميرات ذات جودة عالية، وبرامج متنوعة لإنتاج أفلامنا بدأ الكثيرون يستوعبون مهاراتنا ويتقبلون حرفيتنا مما أكسبنا زبائن كثيرة حيث صرنا نستقبل الطلبات يوميا”.
**عالم يتسع للمرأة
يقول عبدالرحمن صلاد المدير التنفيذي لأكاديمية الصومال للإعلام الرقمي للأناضول إن إيجاد كوكبة إعلامية محترفة في مجال التصوير تعزز جودة الإعلاميين الصوماليين حيث تتوسع فرص العمل في البلاد نتيجة توسع الشبكات والقنوات الإعلامية.
ويشدد على أهمية قيام المرأة بدورها في مجال التصوير، مشيرا إلى بحث الكثير من الأسر المحافظة عن كوادر نسوية محترفة في هذا المجال لتوثيق حفلات الزفاف تفاديا لاختلاط الجنسين، وهو مايسمح للمرأة باحتراف هذه المهنة، وفق قوله.
وتحرص بعض الأسر المحافظة على عدم حدوث اختلاط بين الجنسين أثناء حفلات الأعراس والمناسبات، ومن هذا المنطلق وجدت المرأة موطأ قدم لها في مجال التصوير بالصومال.
وتخرج أكاديمية الصومال للإعلام الرقمي مجموعة من الفتيات تدربن على التعامل بحرفية مع الكاميرا، ورغم أن الأكاديمية مفتوحة للجميع إلا أنها تشجع الجنس اللطيف لاحتراف مهنة التصوير بمستوياتها ومهاراتها المختلفة.
وبحسب الفتيات فإنهن نجحن في كسر الصورة النمطية المتعلقة بقصر مجال التصوير على الرجال، بحيث أصبح توثيق حفلات الزفاف والمناسبات من قبل فتيات صوماليات ظاهرة سائدة في العاصمة مقديشو بعد أن كانت خجولة فيما مضى.