عرف العرب منذ القديم الدور الكبير للرحالة، باعتبارهم عيناً للتاريخ ترى ما لم يكن بالإمكان توثيقه قبل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة.
وتعد الخرائط الأوروبية القديمة أحد المصادر المهمة للاستدلال على معالم نشأة الكويت وتأسيسها، وهي كذلك مصدر من مصادر المعرفة الموثوقة عالميا.
ويظهر كتاب “دور الرحالة الغربيين في توثيق تاريخ الكويت”، الذي فاز بالمركز الأول في جائزة الشيخ عبد الله المبارك للإبداع العلمي 2016-2017؛ أهمية الكويت وموقعها الإستراتيجي منذ القدم، والكتاب من إعداد الباحث في وزارة الآثار المصرية محمد عبدالرزاق.
ويتضمن الكتاب أربعة أبواب تتناول نشأة الكويت والتسمية والحدود من خلال كتابات الرحالة الأوروبيين، وخصص الباحث الباب الثاني للحياة الاقتصادية لمدينة الكويت.
وتناول الباب الثالث الحياة الاجتماعية لمدينة الكويت من خلال كتابات الرحالة الأجانب، وتحدث الباب الرابع عن مدينة الكويت وحكامها، وتلته خاتمة البحث، ثم مجموعة من اللوحات والأشكال والصور التي تحكي بدايات الكويت.
أسماء الكويت الثلاثة
وبينت الخرائط الأوروبية موقع الكويت بالأسماء الثلاثة التي عرفت بها تباعاً على مر التاريخ، وهي كاظمة والقرين ثم الكويت، وذلك وفقاً لما كان متداولاً في مرحلة وضع كل خريطة، بحسب الكتاب الذي تطرق أيضاً إلى جانب آخر من تاريخ الكويت هو كيان الكويت السياسي والاجتماعي.
ويبرز تشكل كيان الكويت في كتابات الرحالة الغربيين، ومنهم الرحالة بكنجهام الذي أشار عام 1816 إلى أن الكويت احتفظت دوماً باستقلالها، في حين خضع كثير من مناطق الخليج الأخرى للحكم الأجنبي.
كما ورد ذكر الرحالة ستوكلر في الكتاب، وهو الذي قضى في الكويت بعض الوقت عام 1831، الذي أكد في سجلاته أن زعامة الكويت كانت لشيخها الذي لم يكن في حاجة إلى الاحتفاظ بجيش دائم لعدله وسماحته وشيوع الأمن في بلده.
وأفاد الكتاب بأنه من المعلوم أن الخرائط القديمة تدعم علمياً الوثائق القديمة لأي بحث أو دراسة، بل وتشكل -في حد ذاتها- وثيقة يعتمد عليها في الاستدلال على زمن قيام الكيان السياسي وموقعه وبعض الحالات على حدوده الجغرافية أو السياسية، كما هي الحال في الكتابة عن نشأة الكويت، خاصة عندما تكون المادة التاريخية المكتوبة قبل عام 1645، وقد خلت على الإطلاق من أي إشارة إلى منطقة الكويت إلا ما يظهر على الخرائط القديمة من أسماء قليلة.
الوجود الحضري قبل الدولة
وأضاف أنه منذ القدم، وقبل أن تتأسس الكويت كدولة، كان لها وجود حضري، إذ كانت كاظمة محطة للقوافل القادمة من بلاد فارس وما بين النهرين إلى شرقي الجزيرة العربية وداخلها.
وأورد الكتاب أن “جزيرة فيلكا” كانت ميناء للسفن التجارية القادمة من منطقة ما بين رأس الخليج وبقية الأجزاء الجنوبية منه في طريقها إلى عُمان والهند وشرقي أفريقيا، فكان لهاتين المنطقتين أسهمهما وأهميتهما قبل ظهور الكويت كدولة ذات سيادة في أوائل القرن 17 الميلادي.
وأوضح أن أولى الخرائط التي تشكل قيمة مضافة ودليلاً ملموساً على تاريخ نشأة الكويت هي تلك التي رسمت باليد وظهرت في البرتغال، ومن أقدمها الخريطة الملاحية التي رسمها لازارو لويس عام 1563.
وذكر أن تلك الخرائط البرتغالية استخدمت تسميتين فيما يتعلق بالكويت؛ الأولى جزيرة “الياده أكوادا”، وتعني جزيرة البئر، وهي تشير إلى المنطقة الواقعة في مواجهة الساحل، والأخرى عبارة عن جزيرتي “دوس بوركوس”، وهما أشبه بصخرتين نائيتين مع الإشارة إلى أنه توجد على هذه الخرائط علامات ملاحية على مقربة من هاتين الجزيرتين، مما يؤكد وصول السفن إلى هذا الموقع في ذلك الوقت.
وأشار إلى أن أول خريطة أوروبية ذكرت موقع الكويت باسمها الحالي هي خريطة “نيبور 31” عام 1765، التي ذكر فيها لأول مرة في أوروبا أن “مدينة القرين” يسميها المحليون “الكويت”، كما نشر كارستن نيبور كتاباً خاصاً وصف فيه شبه جزيرة العرب، واحتوى مادة تتعلق بالكويت، وجاء في خريطة الجهراء ذكر لجزيرتي “بوبيان” و”فيلكا”.
أصول الكويت
أما الرحالة سلوت، فقد ذكر في كتابه “أصول الكويت” أن خارطة نيكولاس سانسون المنشورة عام 1652 تعد أول خريطة يظهر فيها اسم “كاظمة”، ولم يكن موقعها محدداً تماماً، إذ رسمت بعيداً عن الشاطئ، وهناك حد سياسي واضح في هذه الخريطة يفصل بينها وبين البصرة.
وأضاف أن هناك طبعة أخرى من خارطة سانسون ظهرت عام 1654، صحح فيها موقع “كاظمة”، إذ اقترب من الساحل، مشيراً إلى أن أول خريطة هولندية ظهرت فيها “كاظمة” كميناء رئيس على الساحل رسمها الكارتوغرافي إسحاق تيريون عام 1732.
وبين الكتاب أن الكويت ظهرت بعد ذلك في عدد من الخرائط الأوروبية، ومنها خريطة الأخوين أوتنز، وخرائط الناشر الألماني هومان، وكلها صدرت عام 1737.
وأوضح أنه في خرائط الكارتوغرافي الفرنسي بون، الذي نشر مجموعة من الخرائط عن الخليج بين عامي 1760 و1780، ظهرت فيها “كاظمة” وتقابلها “جزيرة فيلكا”، مشيراً إلى أنه مع أواخر القرن 17 بدأ اسم “كاظمة” يفقد أهميته كميناء عرفت به هذه المنطقة في القرون السابقة، وبدأ يحل محله موقع آخر قريب منه هو “القرين”، وهو الاسم الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنشأة دولة الكويت الحديثة، ولم يحدد المؤرخون على وجه الدقة تاريخ ظهور هذه المدينة.
وأشار إلى أن خرائط الرحالة الإنجليزي وليام بالجريف قد ميزت “الكويت” بلون مستقل تماماً عن الوحدات السياسية الأخرى في المنطقة، والمتمثلة في الدولة العثمانية التي تمتد شمالاً ونجد جنوباً، وتبدو حدود الكويت الشمالية مشتملة على جزيرتي “وربة” و”بوبيان”، والجانب الغربي الجنوبي من شط العرب.
_______________
المصدر: “الجزيرة. نت”.