بدعوة رسمية من المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس بسويسرا شارك راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في الدورة التاسعة والأربعين للمنتدى التي كانت على مدى يومين هما 22 و23 يناير الجاري، وشارك في عدد من الندوات واللقاءات مع عدد من المسؤولين والشخصيات السياسية والفكرية والاقتصادية، حيث إن منتدى دافوس ليس منتدى اقتصادياً فحسب، بل هو منتدى سياسي وثقافي واقتصادي.
وتأتي هذه الدعوة ضمن قائمة كبار الضيوف المدعوة رسمياً التي يتحمل المنتدى تكاليف مشاركة أعضائها، وذلك تقديراً لتونس وللمكانة التي يحظى بها رئيس الحركة في المحافل الدولية، خلافاً لكل ما تسعى إلى ترويجه بعض الأطراف من أن الحضور كان بمساعٍ شخصية وبدفع نفقات خيالية، والحركة لا تستغرب حملة التشكيك التي دأبت أطراف فاقدة للموضوعية والمصداقية على الترويج لها بمناسبة ودون مناسبة، كما جاء على لسان قيادات الحركة ومنهم الناطق الرسمي عماد الخميري، الذي أكد بدوره أن رئيس الحركة كان ضمن قائمة خاصة بكبار الضيوف يتحمل نفقاتها المنتدى.
نحو 3 آلاف مشارك
وككل عام، شارك نحو 3 آلاف شخص من رجال الأعمال والمفكرين والرؤساء، ورؤساء الحكومات، أو من يمثلها، من مختلف دول العالم، وتناولوا مختلف القضايا الدولية، على مدار أربعة أيام بالبلدة الجبلية السويسرية الصغيرة دافوس تحت شعار “نحو مستقبل مشترك في عالم ممزق”.
وتعد قمة المنتدى الاقتصادي العالمي أفضل فرصة للقاء الرؤساء التنفيذيين، ومحافظي البنوك المركزية، ورجال المال في وول ستريت، والمنظمين المؤثرين، وأهم السياسيين، بالإضافة لوسائل الإعلام، وتزامنت هذه الدورة مع أوضاع اقتصادية واجتماعية يعيشها العالم، بيد أن وطأتها كانت شديدة على الدول الفقيرة والنامية، حيث ذكر تقرير جديد لمنظمة “أوكسفام” الإغاثية، نشرته “يورو نيوز” أن عدد أصحاب المليارات تضاعف منذ حدوث الأزمة المالية العالمية، وشهدت هذه الفترة ولادة ملياردير جديد كل يومين، في الوقت الذي يدفع فيه الأفراد الأثرياء والشركات معدلات ضرائب أدنى ممّا كانت عليه في العقود الماضية.
وسلط التقرير الصادر بعنوان “الصالح العام أم الثروات الفرديّة؟” الضوء على الفجوة المتزايدة بين الأغنياء و الفقراء، ورأى أن ثروات أصحاب المليارات زادت بنسبة 12% عام 2018م، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار يومياً، فيما تراجعت ثروة الناس الأكثر فقراً، إذ انخفضت ثروات 3 مليارات و800 مليون إنسان يشكلون نصف تعداد البشرية الأقل دخلاً بنسبة11%.
وأكد التقرير أنه لو دفع 1% الأكثر ثراءً بالعالم ضريبة إضافية على ثرواتهم بنسبة فقط 0.5% لساهم ذلك في جمع مبلغ كافٍ وزيادة لتعليم 262 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس ولتأمين الرعاية الصحيّة اللازمة لإنقاذ 3 ملايين و300 ألف شخص من الموت، وفي تصنيفات أكبر أثرياء العالم زاد جيف بيزوس، رئيس شركة أمازون، ثروته إلى 112 مليار دولار العام الفائت، هذا إلى جانب أن المديرين التنفيذيين تبلغ رواتبهم 300 ضعف الموظفين العاديين.
الغنوشي يحذّر
في هذا السياق، حذّر رئيس حركة النهضة من الضغوطات التي تمارسها الجهات المانحة وعلى رأسها صندق القد الدولي على الحكومة التونسية، وهو ما من شأنه تهديد استقرار البلاد.
ويأتي هذا التصريح كما وصفته كبرى وسائل الإعلام، ومنها تقرير “بلومبيرج”، أن هذا التصريح يأتي وسط حالة من الإحباط المتصاعد التي تخيم على البلد الصغير في شمال أفريقيا حيث تحاول الحكومة خفض الإنفاق الحكومي في محاولة لانعاش النمو تنفيذاً لبرنامج اقتصادي مدعوم من صندوق النقد الدولي، وهو ما تزامن مع ضغوطات نقابية للترفيع في الأجور.
وأضاف الغنوشي أنه يجب على صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية المانحة الأخذ بالاعتبار حساسية الوضع الانتقالي الذي تمر به تونس، فضغوطاتهم يمكن أن تولّد الانفجار، مشيراً إلى أن وزراء من حزبه يشاركون كأعضاء ووزراء في الحكومة، لكن رغم ذلك فإنه غير مقتنع بضرورة الزيادة في الضغوطات أكثر من اللازم.
وحول الإضراب العام الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 17 يناير وتهديده بالتصعيد، اعتبر رئيس حركة النهضة أن الإضراب كان هادئاً رغم المخاوف من خروج الأمور عن السيطرة، وهذا دليل على التزام تونس بالديمقراطية، وهو أمر نادر في المنطقة حيث يقع قمع المعارضة والتحركات النقابية بالقوة، واستبعد الغنوشي ترشحه للانتخابات الرئاسية، مؤكداً أن حزبه سيدفع بعد انتخابات 2019م إلى انتهاج درب التوافق السياسي بين مختلف الفرقاء.
مكاسب تونسية
إلى جانب الشخصيات السياسية والثقافية الاعتبارية، مثل الغنوشي، شارك في دافوس وفد حكومي برئاسة يوسف الشاهد وهناك حققت تونس عديد المكاسب، ومن ذلك إعلان رئيس البنك الأفريقي للتنمية إثر ندوة، تحت عنوان “تحديد أجندة أفريقيا في ظل السياق العالمي”، عن زيارة لتونس في مارس القادم لافتتاح المقر الإقليمي لبنك دول شمال أفريقيا، واستعداد البنك لإقامة عديد الاستثمارات في تونس.
كما أعلنت هولندا دعماً لتونس بقيمة 50 مليون يورو خلال عام 2019م و250 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، لتمويل مشاريع فلاحية وغيرها، وهو ما أكده وزير الاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري، وكان العذاري قد التقى رئيس البنك الياباني للتعاون الدولي، ورئيسة البنك العالمي، ووزيرة التعاون الدولي الهولندية، واستعرض معهم فرص الاستثمار في تونس، ويتم حالياً عرض المشاريع على الجانب الياباني.
وشارك الغنوشي في ندوة بعنوان “توقعات أمن الشرق الأوسط” كجزء من فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، وتناولت الندوة الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وتوقعات تطورها في المرحلة القادمة.
وقال الغنوشي: تعيش تونس انتقالاً ديمقراطياً انطلق سنة 2011؛ هذه التجربة الانتقالية نجحت في تحقيق عدّة مكاسب وفشلت في تحقيق جملة من الأهداف، فالغاية منها كانت هزيمة الدكتاتورية ومخلفاتها، لذلك نحن نعتبر الإصلاح السياسي مفتاحاً لكل الإصلاحات الأخرى، وقد تمكنت تونس من تحقيق خطوات مهمّة في تقنين حرية التعبير والمساواة بين الجنسين، وهي تسير في الاتجاه الصحيح، لكن لا تزال عدّة ملفات عالقة بعد، ففي الوقت الذي كانت فيه البلاد تحتفي بالذكرى الثامنة للثورة كانت هناك دعوة للإضراب العام رُفعت خلاله بعض الشعارات والمطالب السياسية والاقتصادية لقطاع الموظفين.
وبين الغنوشي أن العالم العربي ما زال يمثل نقطة سوداء، فالحرية ما زالت جريمة وحقوق الإنسان غير معترف بها؛ لذلك وجدت “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى وهي طريق خاطئ في ظل سياسات القمع، لكن العالم العربي في طريقه إلى الالتحاق بركب الحضارة وبالأمم والشعوب الديمقراطية والحرة رغم وجود عدة عراقيل ومن بينها الإرهاب التي لا يمكن تجاوزها إلاّ ببناء الديمقراطية الصلبة التي تحترم الحريات وحقوق الإنسان.