ناقش عدد من المسؤولين الفلسطينيين الحكوميين والحقوقيين، اليوم الأربعاء، الأزمات الخدماتية والإنسانية المحدقة بقطاع غزة.
جاء ذلك خلال ندوة نظّمتها مؤسسة “الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)”، في قاعة المؤتمرات بمقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة غزة.
وطرح المسؤولون، خلال الندوة، مقترحات وصفوها بالطارئة لمعالجة تلك الأزمات التي يعاني منها القطاع؛ والتي قالوا إنها بفعل الحصار والانقسام الفلسطيني الداخلي.
وتفرض إسرائيل حصارًا على سكان غزة منذ نجاح حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية، في يناير/كانون الثاني 2006، وشدّدته منتصف يونيو/ حزيران 2007 مع بداية الانقسام بين الحركتين والذي لم تفلح العديد من الوساطات والاتفاقيات في إنهائه.
وبفعل الحصار والانقسام، تقول بيانات أممية نشرت العام الماضي، إن قرابة 80% من الفلسطينيين في القطاع يعيشون على المساعدات الإنسانية.
وارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة في الربع الأول من 2018 إلى 53 بالمائة، فيما تخطت معدلات البطالة الـ80 بالمائة، وفق بيانات المركز الفلسطيني للإحصاء (حكومي)، واللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية).
ووفق تقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن ما يقرب من 70 بالمائة من سكان قطاع غزة، “يعانون من انعدام الأمن الغذائي”.
**القطاع الصحي
أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة، قال خلال الندوة إن القطاع الصحي من أكثر القطاعات التي تأثر بشكل سلبي بالانقسام الفلسطيني الداخلي، والحصار الإسرائيلي المفروض للعام الـ(12) على التوالي.
وأضاف:” كل ما تأثر به القطاع الصحي سواء نقص أدوية، أو مستهلكات طبية، أو نقص في الكوادر البشرية، متعلق بالحصار أو الانقسام”.
وأشار إلى أن الحصار أوجد حالة “عجز شديدة في المستلزمات والخدمات الصحية، لا يمكن لأي نظام صحي في العالم أن يتحمّله”.
ووصلت نسبة العجز في الأدوية والمستهلكات الطبية بمخازن الوزارة إلى 45%، وفق القدرة.
ويحتاج القطاع الصحي بغزة إلى أدوية ومستهلكات طبية بقيمة 40 مليون دولار يجب أن تقدّمها الحكومة الفلسطينية، كما قال.
والعام الماضي، قدّمت الحكومة ما قيمته 13 مليون دولار فقط للقطاع الصحي، لكن الوزارة بغزة نجحت في توفير 19 مليون دولار من خلال المؤسسات الشريكة لها.
وبيّن القدرة أن إجراءات الحكومة الفلسطينية في رام الله، تهدد عمل القطاع الصحي في غزة.
وقال في ذلك الصدد:” هناك حديث عن اعتزام الحكومة إقالة وتسريح نحو 4500 من الكادر الطبي بغزة، بينهم ألف طبيب؛ أي بنسبة 42% من موظفي الصحة بغزة”.
ولم يصدر عن الحكومة الفلسطينية أي قرار بخصوص إنهاء خدمات موظفين عاملين في القطاع الصحي بغزة، حتى اللحظة.
ويعمل في مرافق ومراكز ومستشفيات وزارة الصحة الفلسطينية نحو 10 آلاف موظف، كما قال القدرة.
وقال المتحدث باسم الوزارة إنه في حال نفّذت الحكومة تلك الخطوة، فذلك يعني “تقلص عدد مراكز الرعاية الأولية المنتشرة في محافظات القطاع من 53 مركزا إلى 19 فقط، مع تقديم الحد الأدنى من الخدمة”.
وذكر القدرة أنه للمرة الأولى “لم تستجب المؤسسات الدولية لأزمة الوقود، التي تعاني منها مستشفيات قطاع غزة”.
واستكمل قائلاً:” كما أنه لا يوجد أي حاضنة سياسية للأزمة، لذلك نحن في الوزارة قررنا قبل أسبوع أننا لن نتباكى على أزمة الوقود”.
كما قررت الوزارة، السير في خطة استراتيجية، لمحاولة فكفكة أزمة الوقود أولها “عدم رفع الصوت في الأزمة بعد اليوم”.
وعن الخطوة الثانية، قال القدرة:” موائمة خطوط الكهرباء بالتعاون مع شركة التوزيع، حيث تم تقليص ساعات انقطاع التيار الكهربائي في المستشفيات لاستثمار ما تبقى من منحة الوقود (الدولية) التي كانت مقدّمة لمستشفيات الوزارة”.
وأوضح القدرة أن وزارته قدّمت للمراكز الحقوقية والفصائل الفلسطينية، مبادرة باسم “المبادرة الوطنية لخروج القطاع الصحي من براثن الحصار والانقسام”.
كما قدّمت الوزارة في وقت سابق مبادرة أممية لـ”خروج القطاع الصحي من براثن الحصار، على أن تتحمل المؤسسات الدولية حضانة القطاع الصحي”.
وطالب القدرة بـ”ضرورة تحييد القطاع الصحي والمستشفيات، بعيدا عن أي لعبة سياسية”.
**المجتمع المدني
أمجد الشوّا، مدير شبكة المنظّمات الأهلية بغزة (تضم المنظمات غير الحكومية)، قال خلال مشاركته في الندوة، إن الانقسام الداخلي أثّر أيضا على الجاليات الفلسطينية في الخارج.
وتابع في ذلك الصدد:” في السابق، آلاف الوفود كانت تزور فلسطين، وآلاف الفعاليات التضامنية كانت تنظّم عبر العالم؛ اليوم وضعنا في الأجندة الدولية نتمنى أن تذكر قضيتنا”.
وبيّن الشوّاأن منظمات المجتمع المدني بغزة، تأثرت بشكل كبير بالتحريض الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الخارج.
ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي كان قد أصدر قرارا “يقضي بعدم دعم منظمات المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية”.
وبفعل القرار، تعرّضت المنظّمات لتدقيق جائر تحت بند “منظمة مشتبه بها” (داعمة لحركات المقاومة) إلى جانب إغلاق حسابات بنكية، ما أوصل نسبة العجز في المؤسسات الأهلية إلى نحو 70%، على حدّ قوله.
وفي حال استمرار الوضع الحالي، فإن الشوّايتوقع أن يشهد عام 2019 اختفاء لعدد من مؤسسات المجتمع المدني.
وأكد الشوّاعلى أن المواطن الفلسطيني بات يدفع ثمن الحصار والانقسام من “حياته وحقوقه الأساسية، وليس من رفاهيته”.
وعن الحلول الطارئة للخروج من هذه الأزمة، قال الشوّا:” في ظل انعدام حلول استراتيجية للانقسام السياسي، والحصار والاحتلال والعدوان، فإن أي حلول اسعافية لن تجدي نفعا”.
**قطاع الطاقة
وتحدث خلال الندوة، أحمد أبو العمرين، عضو مجلس إدارة شركة توزيع الكهرباء بقطاع غزة، موضحا أن أزمة الطاقة التي يعاني منها قطاع غزة مرتبطة بشكل أساسي بوجود “الاحتلال وظهرت قبل بدء الانقسام الفلسطيني”.
لكن بعد مرور 12 عاما على الانقسام الداخلي، و24 عاما على تأسيس السلطة الفلسطينية، فإن قطاع غزة، يمر بأسوأ أحوال الطاقة من ناحية “محدودية المصادر تزامنا مع تزايد الاستهلاك”، بحسب أبو العمرين.
وتصل نسبة العجز في توليد الطاقة الكهربائية، رغم وجود المنحة القطرية للوقود الممنوح لمحطة التوليد الوحيدة بغزة، إلى 65%.
وأشار أبو العمرين إلى أن توسيع محطة توليد الكهرباء، وزيادة مصادر الطاقة “بحاجة إلى موافقة دولية”.
ودعا إلى ضرورة “تحييد الملفات الخدماتية والإنسانية عن المجال السياسي”.
**قطاع المياه
من جانبه، يشير منذر شبلاق، رئيس “مصلحة مياه بلديات الساحل”، إلى أن المصلحة بدأت منذ 2010 بتنفيذ “برنامج طموح”، وذلك “لتغيير واقع المياه بغزة، وحل مشكلة البيئة بشقيها مياه الشرب، ومياه الصرف الصحي”.
ولفت إلى أن مصلحة مياه بلديات الساحل، حاولت إيجاد مصادر بديلة للمياه عن الخزان الجوفي؛ الذي لم تعد مياهه صالحة للاستخدام المباشر.
كما سعت المصلحة لإيجاد حلول لـ”عدم وجود نظام صرف صحي متكامل لمعالجة المياه العادمة والتي كانت تضخ بالبحر مباشرة”.
وأشار إلى إنشاء ثلاث محطات لتحلية المياه، إلى جانب تنفيذ مشاريع إنشاء ثلاث محطات أخرى لمعالجة مياه الصرف الصحي.
**بلدية غزة
عبد الرحيم أبو القمبز، رئيس دائرة الطوارئ في بلدية غزة، قال خلال مشاركته في الندوة، إن البلدية تقدم أكثر من 20 خدمة، تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
ومن أبرزها الخدمات المتعلّقة بـ”النظافة وجمع وترحيل ومعالجة النفايات الصلبة”، كما قال.
وبحسب أبو القمبز، فإن موظفي البلدية يرحّلون يومياً نحو700 طن من النفايات، إلى المجمعات المركزية رغم نقص المعدات والمركبات اللازمة.
وأشار إلى أن عمّال النظافة يجمعون النفايات عبر وسائل بدائية “عربة تجرها حيوانات”، نتيجة الحصار المفروض على القطاع.
ومنذ عام 2008، تمنع السلطات الإسرائيلية إدخال الشاحنات المخصصة لجمع وترحيل النفايات إلى القطاع، على حدّ قوله.
كما تقدّم البلدية خدمة توزيع المياه على السكان، إذ بلغ عدد آبار المياه عام 2008 نحو 35 بئراً، في حين ارتفع العدد اليوم ليصل إلى 75 بئراً.
ولفت أبو القمبز إلى أن “البلدية تعمل بمبالغ زهيدة ووفق خطط طوارئ للمحافظة على الخدمات في غزة من الانهيار”.
وقال:” حُرمنا في السنوات الماضية من السباحة في البحر، لأنه نسبة التلوث زادت، بفعل ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة فيه، لكن بتعاون مع مصلحة مياه الساحل سيتم تشغيل محطات معالجة الصرف الصحي وسيكون البحر آمن للسباحة العام الجاري”.
**المرأة الفلسطينية
ريم فرينة، مديرة جمعية عائشة لحماية المرأة والطفل بغزة، تقول خلال مشاركتها في الندوة، إن العامين الأخيريْن، شهدا زيادة في أعداد النساء الأرامل والمطلّقات والمتسوّلات.
وتابعة قائلة:” هناك زيادة كبيرة في أعداد الأطفال المشرّدين والمتسولين، خلال العامين السابقين، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
وبيّنت أن النساء الفلسطينيات بغزة “يتعرضن للعنف والقتل والابتزاز بشكل يومي، دون وجود قوانين رادعة أو سياسيات بسبب الانقسام”.
وأوضحت أن “عشرات النساء الفلسطينيات بغزة هن بحاجة إلى حماية”.
وتابعت:” ما يعزز صمود الشعب بغزة هو صمود النساء؛ مثلا أزمة الكهرباء أكثر الفئات المتضررة منها هن النساء، وكذلك الأزمة الصحية”.
وأشارت فرينة إلى أن المنظمات الأهلية بغزة باتت تقدّم “الحد الأدنى من الخدمات، بسبب انخفاض أو انعدام التمويل”.