وسط أكوام من النفايات قرب مخيم للنازحين في شمال غرب سورية، يقلّب الفتى سبع الجاسم النفايات بواسطة قضيب حديدي بحثاً عن مواد بلاستيكيّة يمكنه بيعها والمساهمة في تأمين قوت عائلته التي تعيش ظروفاً صعبة.
ويقول سبع (15 عاماً) مرتديا ثياباً متسخة لوكالة “فرانس برس”: أقوم بجمع كيسين من البلاستيك يومياً وأبيعهما لأتمكّن من شراء الخبز لعائلته المؤلفة من تسعة أطفال مع والديهم.
ويقصد هذا الفتى مكب القمامة الواقع قرب قرية كفرلوسين في محافظة إدلب مع اثنين من أشقّائه وشقيقته، ما يخولهم يومياً جني ألف ليرة سورية، ما يعادل دولارين. كما تقصد نساء وأطفال المكب ذاته بحثاً عن خردة أو مواد بلاستيكية لبيعها، فيما تبحث أغنام بين النفايات عما يسدّ جوعها.
ويوضح سبع النحيل البنية، “نشتري الخبز والبطاطا والخضار والبندورة” قبل أن يتابع ببراءة “ليس لدينا مالاً لشراء اللحم”.
ومع وصول حافلة جديدة محملة بالقمامة، يسارع النساء والأطفال في الموقع للبحث بين الأكياس، غير آبهين لسحابة الغبار المنبعثة جراء إفراغ الحمولة. وتحتوي هذه الأكياس على بقايا طعام وحفاضات متسخة وعلبا معدنية وعبوات مواد تنظيف وأكياس.
ويرتدي أغلب الأطفال أحذية بلاستيكية. ويضع موفورو الحظ منهم قفازات بينما يستخدم معظمهم قضيباً معدنياً ملتوي الرأس لمساعدتهم في عملية البحث.
أشعر بالقهر
وترزح الشريحة الأكبر من سكان سورية تحت خطر الفقر، في ظل النزاع الدامي الذي يشهده هذا البلد منذ العام 2011، وقد تسبب خلال نحو ثماني سنوات بمقتل أكثر من 360 ألف شخص ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان.
وتضم محافظة إدلب وحدها، والواقعة بشكل شبه كامل تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم من النازحين من مناطق أخرى، ويعتاش غالبيتهم من مساعدات غذائية تقدمها الأمم المتحدة ومنظمات محلية، بالكاد تكفي لسد رمقهم.
ومن بين هؤلاء النازحين عائلة الجاسم التي فرّت من المعارك في محافظة حماة (وسط) المجاورة، لتستقر داخل خيمة مصنوعة من الأغطية البلاستيكية المثبتة بحبال وحجارة، في مخيم عشوائي قرب كفر لوسين تجمعت في أنحائه مستنقعات المياه بفعل تساقط الأمطار.
داخل الخيمة، يفترش أفراد العائلة الأرض المغطاة بسجاد وفرش حول مدفأة على الحطب. وفي ناحية منها، يستلقي الابن البكر مرتدياً قميصاً صيفياً، وفوقه غطاء شتوي أحمر اللون لا يخفي رجله المثبتة بسيخ حديدي جراء قصف جوي نجا منه.
ويقول رب الأسرة جاسم الجاسم (53 عاماً) الذي كان يعمل كمزارع بحسرة “عندما يذهب أولادي إلى مكب القمامة، أجد نفسي صغيراً ومقهوراً جداً” لكنه لا يجد خياراً آخر بعدما بات عاجزا عن العمل جراء عملية في القلب خضع لها مؤخراً وأثّرت على حركته.
ويؤكد الرجل ذو اللحية البيضاء وعلى رأسه كوفية حمراء وبيضاء، أنه لا يتمنى لأولاده أن “يذهبوا إلى المكبّ لأن القمامة أوساخ وأمراض وروائح كريهة”، ويأمل لهم “مستقبلاً جميلاً وأن يتعلموا” لكنه يوضح في الوقت ذاته “إذا لم يعملوا سنجوع”.
انعدام الأمن الغذائي
نتيجة الارتفاع الهائل في الأسعار وخسارة السكان لمصادر دخلهم، تعاني سورية من “انعدام الأمن الغذائي”، وفق ما أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة في شهر ديسمبر.
ويعاني 6.5 مليون شخص من عدم القدرة على تأمين حاجاتهم الغذائية، وفق المنظمة.
بعدما ينتهي من مهمته اليومية، يبيع الفتى سبع ما يجمعه لجاره مرهف حجازي الذي ينقل الأكياس إلى بلدة الأتارب المجاورة حيث تجري عملية إعادة تدويرها.
ويقول حجازي (25 عاماً)، النازح بدوره من محافظة حمص (وسط) وهو أب لرضيع يبلغ سبعة أشهر، إن “سعر النحاس هو الأغلى لكن البلاستيك والنايلون هما ما يمكن للأطفال إيجاده” خصوصاً أنه “الأكثر وفرة في المنطقة”.
ويضيف الرجل الذي يشتري يومياً ما يجمعه عشرة أشخاص، غالبيتهم من الأطفال، “تنبعث من القمامة الروائح الكريهة والأمراض، لولا الحاجة لما اضطر أحد للعمل فيها”.