أكدت المعلمة المقدسية المُبعدة عن المسجد الأقصى خديجة خويص (أم أحمد) أن الرباط في المسجد الأقصى المبارك لم يكن يوماً مانعاً من أداء وظيفتها كأم ومعلمة وواجباتها تجاه زوجها وأبنائها.
وأشادت خويص الملقبة بـ”أم الأقصى”، في حوار مع “المجتمع”، بدعم دولة الكويت للقضية الفلسطينية، ودعت الكويت؛ حكومة وشعباً، التي لطالما أثلجت صدورنا بمواقفها المشرفة تجاه القدس والمسجد الأقصى بأن تثبت على مواقفها في رفض “التطبيع” بجميع أشكاله، ومواصلة دعم الشعب الفلسطيني بكل الطرق الممكنة والمتاحة والمتمثلة في تعزيز ثبات وصمود المقدسيين على أرضهم.
بداية، نريد تعريف خديجة خويص للقرّاء.
– خديجة خويص هي بنت الأقصى، وأم الأقصى، وهي أم الرجال وبنت الرجال وأخت الرجال، أنا امرأة مقدسية متزوجة، وعندي خمسة أبناء، وأكملت مرحلة الماجستير في التفسير من جامعة الخليل، وزوجي أستاذ ومحاضر في جامعة القدس، كانت دراستي الابتدائية والثانوية داخل المسجد الأقصى، وهذا ساهم في تشكيل شخصيتي، وجعلني أكثر التصاقاً وارتباطاً بالقدس وبقضية المسجد الأقصى المبارك.
كيف تفسرين كثرة اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى في الآونة الأخيرة؟
– الاقتحامات في حدة وازدياد منذ عام 2000م، ولكن في عام 2018م ربما زادت الاقتحامات والانتهاكات، بناء على قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» باعتبار القدس عاصمة للكيان الغاصب، هذا القرار جعل سلطات الاحتلال أكثر جرأة على مزيد من الاقتحامات والانتهاكات، ومزيد من التصعيد في كل المدينة المقدسة على جميع الأصعدة، ولكنها كانت تسابق الزمن وتحاول فرض واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك يتمثل في الاستيلاء على المنطقة الشرقية.
ماذا تعني كلمة «مرابطة»؟
– الرباط في المسجد الأقصى لم يكن يوماً مانعاً من أداء وظيفتي كأم ومعلمة وواجباتي تجاه زوجي وأبنائي، وهو عبادة دينية نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى بالتواجد على ثغرات تحتاجنا حتى لا ينفذ عدو الله إلى حياض المسلمين من هذه المنافذ، والرباط في المسجد الأقصى له معنى أدق، وهو التواجد بالمسجد الأقصى في الفترات التي تكون فيها الاقتحامات، فالتواجد من باب تكثير سواد المسلمين بالمسجد الأقصى أمام أفواج المقتحمين.
وكلمة “مرابط” في عُرف الكيان الغاصب معناه “الخارج على القانون”، ومن يقول على نفسه: إنه مرابط؛ معنى ذلك أنه يعترف أنه خارج على القانون، وأنه ينضوي ضمن تنظيم إرهابي؛ وبالتالي يتعرض للمحاكمة.
تمتلك النساء الفلسطينيات جرأة وشجاعة في مواجهة سلطات الاحتلال، ما سبب ذلك؟
– نحن نساء في بيوتنا، رجال خارجها، كما قالت زوجة هارون الرشيد رحمهما الله، هذه الرجولة التي اكتسبناها من الظروف التي وُضعنا فيها، فالذي دفعني وجعل مني هذه المرابطة العنيدة هو حاجة الأقصى للرجولة، وكون الأقصى جزءاً من عقيدتي أفديه بروحي ودمي وأبنائي وبكل ما أملك.
كيف تقضين أيامك وأنت مبعدة عن المسجد الأقصى؟
– الفترة التي نقضيها في المسجد لا تساوي شيئاً أمام الفترة التي نُبعد فيها عنه، وأنا حالياً مُبعدة حتى 22/2/2019م، حيث أُبعدت دفعة واحدة لمدة 6 أشهر، أُبعدت من المسجد الأقصى ومن الممرات المؤدية إليه، وهناك بعض النساء مبعدات لفترات معينة، ويُسمح لهن بالدخول بعد صلاة العصر، فأسماؤهن مسجلة على أبواب المسجد الأقصى ضمن قائمة أطلق عليها الاحتلال القائمة السوداء، وشملت أسماء أكثر من 50 امرأة، وكذلك بعض الرجال، حيث يُمنع دخولهم وقت الاقتحامات، وهناك أكثر من 20 شاباً مبعدون عن المسجد الأقصى.
هل تعرضت للاعتقال؟
– نعم تعرضت للاعتقال أكثر من 16 مرة، وكان يتم عن طريق مداهمة البيت، أو استدعاء للتحقيق، وبعدها يتم الاحتجاز.
هناك يهود متضامنون مع القضية الفلسطينية ضد الاحتلال، هل هذا صحيح؟
– اليهود المعترضون على المشروع الصهيوني لا يأتون إلى فلسطين، فجماعة «ناتور كارتر» موجودة خارج فلسطين، وهي بالتحديد في بريطانيا، قامت بتمزيق جواز سفرها «الإسرائيلي»، وبالتالي تقول: إنها ليست لها الحق بالتواجد في هذه الأرض التي يزعم اليهود بأنها أرضهم، وأرض الميعاد، بينما اليهودي مهما كان طيفه وفكره وتوجهه حتى ولو كان من منظمات السلام مثل حركة «السلام الآن» فهو يهودي، فأي يهودي موجود في فلسطين فهو محتل، بصرف النظر عن فكره وتوجهاته، والمتضامن الحقيقي والمحب للسلام عليه أن يرحل من بلادنا إلى المكان الذي جاء منه ويعلن اعتراضه على الاحتلال.
ما رأيكم في زيارة غير الفلسطينيين للأقصى؟
– نحن نرفض زيارة المسلمين من العرب وغيرهم للقدس والمسجد الأقصى؛ لأن الفتوى تنص على ذلك، والمفسدة المترتبة على الزيارة أكبر من المصلحة.
نقطة النظام لدينا هي الفتوى، وندور معها حيث دارت، والفتوى فيما يختص زيارة فلسطين لغير الفلسطينيين مبنية على مسألة المصلحة والمفسدة، ودرأ المفاسد أولى من جلب المصالح، ونحن ننظر في الموضوع، إذا كانت مصالحه المتحققة والمترتبة أعلى من المفاسد علينا أن نتبع المصلحة، أما إذا كانت المفاسد أكثر من المصلحة أو أن المفسدة الواقعة ترجح على تحقيق المصلحة، أياً كانت، فهنا علينا أن ندرأ هذه المفسدة.
كيف يدعمكم المسلمون؟
– الحاجة أم الاختراع، من يريد أن يخدم سيجد طرقاً أخرى، فالسيدة ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائتوه فصلوا فيه»، فقالت: يا رسول الله، أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه قال: «فليهد زيتاً يسرج في قناديله»، فإهداء الزيت يساوي الصلاة فيه، وإهداء الزيت لا يقتصر على عمارة المسجد الأقصى، ولا يقتصر على دعمه بالسجاد وتوفير الأسرجة، إنما كل مكان يُخدم منه المسجد الأقصى يجب أن ندعمه ونساعده، لأن دعم المقدسيين يصب بالنهاية في دعم وحماية المسجد الأقصى مما يحاك له من قبل المحتل الغاصب.
ما المقصود بـ»مصاطب» الأقصى؟
– في عام 2010م وبعده، قامت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني بقيادة الشيخ رائد صلاح، حفظه الله وفك أسره، بابتكار فكرة إعادة الدور الريادي للمسجد الأقصى، بإحياء الدور التعليمي، وعلى الأخص بإيجاد ما يسمى حلقات العلم أو مصاطب العلم في المسجد الأقصى، التي تكون عبارة عن مصاطب علم في الساحات وليس في المصليات المسقوفة، حتى نرسخ في أذهان الناس أن الأقصى هو كل السور، وأن الأقصى هو 144 دونماً، وقد وصل عدد المشتركين فيها إلى 1500 طالب وطالبة، والمصاطب هي حلقات علم تقوم بتدريس التفسير والسيرة والتجويد وحفظ القرآن الكريم والتربية وخدمة المجتمع.
وحينما ازداد العدد، وصار للمعلمات تأثير كبير، ومنهن خديجة خويص، وهنادي الحلواني، وأصبحت المصاطب عبارة عن صد للاقتحامات؛ قامت سلطات الاحتلال بحظر مصاطب العلم، فقررت في البداية إغلاقها وحظرها، ثم حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني وبالتالي أي نشاط كانت تقوم به الحركة.
الأوقاف الأردنية وصية على الأقصى، هل تقوم بعملها كما يراد أم هناك بعض التفاهمات مع الاحتلال؟
– نحن لا نرضى أن تكون السيادة على المسجد الأقصى لغير المملكة الأردنية الهاشمية، لكن سلطات الاحتلال هي التي تتحكم في فتح أبواب المسجد الأقصى، وإغلاقه، وهي التي تتحكم بعمل الحراسة، فالوصاية الأردنية أصبحت شبه شكلية، لأن الأردن ولا غيره لا يملكون حولاً ولا قوة للتصدي بما تقوم به سلطات الاحتلال.
وقام الاحتلال الصهيوني بتحجيم دور الحراس، فالحارس التابع للمملكة الأردنية فقط دوره يقف على الأبواب، وممنوع عليه أن يقف عند الاقتحام أقل من 30 متراً، ولا يستطيع أن يمنع مستوطناً عن الاقتحام.
ومنظومة الأوقاف الموجودة في القدس والتابعة للمملكة الأردنية غير مرضي عنها تماماً للمقدسيين، لأنها لا تقوم بواجبها كما ينبغي، ولكننا لا نستطيع إلا أن نكون يداً واحدة مع الأوقاف في مقاومة الكيان المغتصب.
ما دور السلطة الفلسطينية؟
– السلطة الفلسطينية تقوم بخدمة الاحتلال، فهي سلطة التنسيق الأمني، وليس لها أي دور في وضعنا الحالي بالقدس، أو المسجد الأقصى، فالقدس تحت الاحتلال الصهيوني، غير أنها تحيك الدسائس للإيقاع برجال الأقصى ونسائهم في براثن سلطات الاحتلال.
ما المقصود بـ»مقلوبة» الأقصى؟
– أنا لا أستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى كمعلمة، أو مرابطة، ولا أستطيع التواجد فيه بحلقة تعليمية، أو ذكر، إذن كيف نجمع الناس؟
أول طعام أكلناه في ساحات الأقصى بشهر رمضان كان طعام “المقلوبة”، وكانت أول مقلوبة تقلب على باب السلسلة التي أعدتها الأخت هنادي الحلواني، في البداية كانت عبارة عن محاولة أن نقوم بتجربة شيء جديد، لكي يجمع الناس، بعد ذلك صارت المقلوبة وسيلة للجذب الحقيقي للناس، وربما المقدسي لم يدرك الفائدة الهائلة لما نقوم به داخل المسجد الأقصى واستغرب هذا الأمر، فعملنا الأساسي من وجهة نظر المقدسيين هو الرباط والتعليم، ولكن سلطات الاحتلال أدركت أن مقلوبة هنادي الحلواني، وخديجة خويص داخل الأقصى لها هدف باطن ومغاير عن الشيء الظاهر، التي لا تزيد عن كونها الأكل والشرب، وأدركت السلطات الصهيونية أن الهدف من وراء طعام المقلوبة إعمار المسجد الأقصى بالمصلين، وصارت المقلوبة بالذات رمزاً من الرموز المرتبطة بالمسجد الأقصى، ولا يُذكر رمضان إلا بمقلوبة خديجة، وهنادي.
بماذا تأملون من موقف الكويت في مجلس الأمن تجاه قضية القدس؟
– كانت الكويت من الداعمين الأساسيين للشعب الفلسطيني، فأنا أسكن بجانب مستشفى المقاصد، وهذا المستشفى يشهد لدولة الكويت بالدعم المادي الذي ساعده في الثبات والصمود من أن يسقط ويصبح تابعاً لوزارة الصحة الصهيونية، وهذا المشهد كنت أراه في المستشفى أمام عيني، فكيف بالمشاهد والمواقف الأخرى، التي لم أشهدها ولم أرها.
وللكويت موقف مشهود في مقاومة “التطبيع”، وهذا الموقف يثلج صدورنا حينما نرى على التلفاز رئيس مجلس الأمة الكويتي يقف أمام أي تصريح صهيوني يدعو للتطبيع، ويجابه أي محاولة للتقرب من الكيان الصهيوني أو التطبيع معه، خصوصاً في هذا الوقت المحاط بجو يتهافت على التطبيع، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً، أو إعلامياً أو رياضياً.
ما رسالتك للشعب الكويتي؟
– رسالتي للشعب الكويتي أن يبقى ثابتاً على موقفه في مقاومة «التطبيع»، وقد تميز وحكومته الراشدة في المحافظة على هذا الحاجز المتين الذي نتمنى ألا يُخترق.
ما رسالتك لأهل القدس؟
– رسالتي للمقدسيين: حافظوا على الأقصى قبل أن يضيع منكم، وتفقّدوه حتى لا تفقدوه، ورسالتي لهم أيضاً: اثبتوا، فصاحب الحق لن يضيعه الله وهو منتصر لا محالة، حتى وإن تأخر.