يُعرّف «الأمن المائي» بأنه «القدرة الدائمة المستمرة في الحاضر والمستقبل على توفير الماء غير الملوث الصالح للاستخدامات الإنسانية اللازمة للحياة».
وتعد اتفاقية «كيوتو» واحدة من أشهر وأهم الاتفاقيات التي عقدت في ملف الأمن المائي، حيث تلزم الدول المتقدمة بخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون؛ إذ إن استمرار انبعاثات الغازات الحارة بمعدلاتها الحالية قد يؤدي في النهاية إلى الجفاف، والفيضانات، وارتفاع مستوى البحار، وفناء الآلاف من الكائنات الحية بحلول عام 2100م.
بيئة، واقتصاد، وسياسة.. تلك الثلاثية وبالترتيب تمثل أفضل تعبير عن حقيقة الوضع الحالي فيما يتعلق بالالتزام بتنفيذ بنود اتفاقية «كيوتو»، حيث إن الهدف الأساسي من الاتفاقية يتمثل في حماية البيئة، ومن ثم التنوع الحيوي بكوكب الأرض، إلا أن رجالات الاقتصاد ينحّون البيئة جانباً حينما يكون الأمر متعلقاً بعائدات اقتصادية آنية، دون الأخذ في الاعتبار الوضع المستقبلي للمعطيات البيئية، رغم وجود العديد من الدراسات العلمية بل والمؤشرات التي تؤكد أن التدهور البيئي ليس ضرباً من التخيل أو التنبؤ.
يقع الوطن العربي في منطقة الحزام الجاف وشبه الجاف، ويبلغ عدد سكانه حوالي 5% من سكان العالم، بينما تبلغ الموارد المتجددة في المياه أقل من 1% من المياه في العالم، ومعدل هطول الأمطار يميل إلى ما بين 50 و450 ملم سنوياً، وتبلغ المناطق القاحلة في العالم العربي حوالي 80% من إجمالي مساحته.
بشكل عام، تنتج الأخطار الخارجية عن مجموعة من العوامل: الأحواض المائية الجوفية المتداخلة، الاشتراك بمجاري الأنهار، المعاهدات وحقوق الدول المتشاطئة ودول المنبع وحاجتها وحقوقها، التغير المناخي الناتج عن فعل الإنسان الخارجي؛ أي الناتج عن فعل الدول الصناعية الكبرى، فمصر والسودان ودول أعالي النيل، والعراق مع تركيا وإيران، وسورية مع تركيا وفلسطين المحتلة، والأردن مع فلسطين المحتلة، هناك علاقة متداخلة بين هذه الدول بسبب مسألة المياه، بالإضافة إلى القضايا الأخرى المؤثرة فيها، وبشكل خاص القضايا السياسية المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني.
وتجدر الإشارة إلى أن أهم نهرين يتدفقان إلى قلب الوطن العربي –نهر النيل في مصر والسودان، والفرات في سورية والعراق- يصبان فيه لكنهما لا ينبعان منه وهو ما يعرضهما لمخاطر.
يضاف إلى كل ذلك عامل الجفاف الإقليمي الذي يأتي في دورات مناخية؛ فيؤدي إلى تهديد ليس لمجرى النهر وحده ولكن للأحواض المغذية أيضاً.
نهر النيل من الأنهار الدولية، ويقطع مسافة تبلغ 6700 كم، وتشارك في حوضه 10 دول، هي: إثيوبيا، إريتريا، كينيا، أوغندا، تنزانيا، رواندا، بروندي، الكونغو الديمقراطية، السودان، مصر.
دأبت مصر على محاولة تبني إدارة قضايا المياه في إطار سياسي مع دول حوض النيل خصوصاً في الستينيات؛ حيث بنت كثيراً من جسور العلاقات الودية؛ للمساهمة في حل كثير من المشكلات، وساعدها في ذلك دورها في عملية استقلال كثير من البلاد الأفريقية، وترى مصر أن مواردها الحالية تعتبر محدودة للغاية بالقياس باحتياجاتها البشرية والتنموية.
تعد إدارة مياه حوض النيل محدداً للتعاون الإقليمي في مجال الأحواض المائية المشتركة والعابرة للحدود؛ حيث إن مبادرة حوض النيل تهدف إلى دعم أواصر التعاون الإقليمي بين هذه الدول وحل المشكلات المتعلقة بالخلاف حول سد النهضة في إثيوبيا، وقد شملت اتفاقية سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان تنفيذ توصيات لجنة الخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع بغرض الاتفاق على الخطوط الإرشادية.
الأطماع الصهيونية بالنيل
يمكن تلخيص الأطماع الصهيونية في نهر النيل فيما يلي:
– مياهه أقرب من مياه تركيا، وتصل بالانسياب من منابعه المرتفعة حيث يمكن أن يصل إلى أم الرشراش (إيلات) والنقب أو حتى مدن الشاطئ، وذلك بضخ بسيط لا يحتاج إلى طاقة كبيرة مكلفة.
– توصيل مياهه أرخص وأقل كلفة من تحلية مياه البحر.
– غير معرض للجفاف على المدى المنظور.
– دول منابعه متعددة، ويمكن أن تشكل مدخلاً إلى أفريقيا، ووسيلة للضغط على مصر بطرق مختلفة، وكذلك السودان، وسوقاً للمنتجات الصهيونية.
أما ما يتعلق بمصر، فتتلخص الأطماع في تهديد مصادرها المائية النيلية، التي تشكل شريان حياتها باستغلال عاملين مهمين، هما:
– بُعد المنابع.
– تعدد دول المنابع.
والأخطار على الأمن المائي واضحة فيما ذُكر؛ لأن مصر تشكل حالياً أكثر من 55% من سكان المنطقة (مصر وسورية الطبيعية وبلاد الشام والعراق).
تركيا والأمن المائي
تنبع من تركيا أنهار دجلة والفرات وقويق، ويصب في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا نهر العاصي، لكنه لا يشكل نفس وزن دجلة والفرات، في حين أن الفرات هو النهر الرئيس لسورية، وعليه يقع سد الفرات وبحيرة الأسد التي تعتبر مصدراً من أهم مصادر الطاقة في سورية، وخزاناً مائياً من أهم الخزانات للزراعة ومياه الشرب.
أما دجلة الذي يخترق العراق كاملاً، فإنه أيضاً يمر لمسافة 45 كيلومتراً تقريباً شمال شرق سورية قرب تلاقي الحدود الثلاثية (حدود العراق وسورية وتركيا)، بعد أن ينبع ويجري لمسافة تزيد على 400 كيلومتر في تركيا.
وبالنسبة إلى الأبعاد السياسية والقانونية لمشكلة المياه في حوض نهري الفرات ودجلة، فإن الجانب القانوني يحفل بمجموعة من المعاهدات والاتفاقيات بين دول حوض الفرات ودجلة.
أما الجولان، فكما يقولون عن مصر بأنها هبة النيل، فإن جنوب بلاد الشام الطبيعية هو هبة الجولان.
الجولان يعني أنهار الحاصباني وبانياس والوزان والدان والأردن واليرموك وبحيرة طبريا، وتمتاز هضبة الجولان بغزارة أمطارها، ولهذا فالجولان غني بالمياه الجوفية والينابيع والآبار.
الأردن وندرة المياه
أما في الأردن، فإن متوسط نصيب الفرد السنوي لا يزيد على 100 متر مكعب من المياه المتجددة، وهو معدل متدنٍّ للغاية، ويشير إلى وقوع الأردن تحت خط الأمن المائي بل قرب القاع.
وقد أوصى تقرير علمي دولي متخصص بدراسة ومراجعة منهجيات تصنيف «ندرة» المياه في الأردن، بأن يكون التركيز النهائي في عملية التصنيف على رواية قصة تحديات الأردن، بدلاً من إيجاد مقياس مثالي لتحديد نضاله.
وحذر التقرير الذي أعدته مبادرة إدارة المياه في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، تحت عنوان «مراجعة منهجيات تصنيف ندرة المياه»، من احتمال خلق أزمة تتزايد بشكل واسع وغير متوازٍ على النطاق العالمي، إثر المزيج الحاصل بين ازدياد محدودية مصادر الأردن وعزمه المستمر لتزويد ملاذ آمن للهاربين من العنف (المقصود تحمل الأردن لتبعات الأزمات السياسية في المناطق المجاورة).
وزاد التقرير أنه على الرغم من ضعف أمن المياه في المنطقة بأكملها، فإن وضع الأردن الفريد يمكن أن يكون مفهوماً فقط، عبر نظرة شاملة لتحدياته الحالية والمستقبلية، خاصة المتعلقة بالضغط الهائل في النمو السكاني للأردن ومحدودية المصادر.
وأبرز التقرير مكانة الأردن الذي وصفه بأنه «يكافح في مواجهة مجموعة التحديات الفريدة»، مبيناً أن الأردن لا يفتقر فقط إلى الموارد المالية لمواجهة نقص المياه، إنما يتحمل الكثير من الصراعات الإقليمية المحيطة، ورأى أن الطريقة الفعالة للتعامل مع قضية ندرة المياه في الأردن هي التواصل مع الجهات المانحة والوكالات على حد سواء عبر تحقيق العدالة، وذلك بسبب تعقيد ظروف تلك الندرة في الأردن؛ حيث يوجد فيه 10 أحواض مائية جوفية مستنزفة مائياً، والحكومة تستعد لتنفيذ مشروع مائي وطني يوفر 150 مليون م3 سنوياً من تحلية المياه.
الماء يطفئ النار، والتعاون الإقليمي في مجال الأحواض المائية المشتركة والعابرة للحدود ضرورة ملحة، وغياب علاقات تفاهم مع تركيا يهدد الأمن المائي تهديداً حياتياً لا يمكن التقليل من أهميته، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن يتم اللجوء للتحكيم لحل المشكلات، بدون ازدواجية معايير، كما يمكن وضع إستراتيجيات للمستقبل، بهدف التبادل التجاري وفتح السوق أمام منتجاتها.
أيضاً يجب تعاون المجتمع الدولي لخفض الانبعاثات الحرارية وإجراءات الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث إن العالم أمام خطر كوارث مناخية متزامنة.
كما ينبغي تأهيل أنظمة الإنذار المبكر للحماية من الفيضانات؛ حيث إن المنطقة معرضة للأخطار المناخية كالفيضانات الوميضية.
________________
(*) خبير في شؤون المياه.