دعا الشيخ محمد إسماعيل، أمين عام مجلس الأئمة والدعاة والعلماء في بريطانيا، والمستشار التربوي والمرشد الديني في جامعة شيفيلد، شبابَ المسلمين إلى الدخول في عالم السياسة، حتى يتمكنوا من توصيل آرائهم واحتياجاتهم بشكل أسرع، ولأن ذلك يوسع من مكاسب المسلمين بشكل عام.
وأكد الشيخ إسماعيل، في حواره مع «المجتمع»، أن المسلمين تقلدوا مناصب عديدة في الدولة، على مستوى الإدارات الوسطى والعليا، والمحافظات والوزارات، وأنهم حازوا على ثقة الملكة والدولة بشكل كبير جداً؛ «فلا تكاد ترى مؤسسة في البلاد إلا وفيها مسلمون، فتجدهم يعملون في السياسة وفي الجيش والأمن والصحة.. وغير ذلك»، حسب قوله.
هل ترى أن أوضاع المسلمين مستقرة في بريطانيا؟
– وصل المسلمون في بريطانيا -بحمد الله- إلى الجيل الرابع، وبدأنا مرحلة الاستقرار الاجتماعي بعد معاناة طويلة عاشها الأجداد، وأخذ الاندماج وضعه الطبيعي، وتساوى الجميع في تلقي الخدمات والفرص والمعاملة، وتصدر مسلمو بريطانيا حملات رفض التطرف والإرهاب، وأجمعوا على أن بريطانيا بلدهم، وهم يخدمونها ويحمونها، ويشاركون في كل مجالات الحياة من مختلف الخلفيات والعرقيات والمذاهب، معتمدين أصول المحبة والاحترام للجميع، ورفض مبادئ الكراهية والعنصرية، وهذه هي مبادئ الإنسانية التي تعتمدها بريطانيا.
وتحسن الدولة المعاملة مع المسلمين، ويكفي أنها استضافتهم منذ سنوات عدة وما زالت، وتكفل لهم حرية التعبير، ويعامَلون كمواطنين بشكل رسمي.
وتقلد المسلمون مناصب عديدة في الدولة، على مستوى الإدارات الوسطى والعليا، والمحافظات والوزارات، وحازوا على ثقة الملكة والدولة بشكل كبير جداً؛ فلا تكاد ترى مؤسسة في البلاد إلا وفيها مسلمون، فتجدهم يعملون في السياسة وفي الجيش والأمن والصحة.. وغير ذلك.
وقد هيأت لهم الدولة سبل العبادة، فلا تجد مرفقاً كبيراً إلا وفيه مصلى، بدءاً من المطار، ومروراً بالمستشفيات والجامعات وبعض الدوائر الرسمية والأسواق الكبيرة، ووفرت أئمة في معسكرات الجيش، وسمحت ببناء المراكز الإسلامية والمصليات والمساجد، لدرجة أن الأذان يُرفع خارج المسجد في بعض مناطق المسلمين بعد موافقة البلدية.
كما تراعي الدولة المسلمين في شهر رمضان المبارك، وتحترم مشاعرهم، وتقدر ظروفهم، وكذلك في العيدين.
وقد أثبت مسلمو بريطانيا -بحمد الله- أنهم متمسكون برسالة الأمن والخير، وقاطعوا وطردوا كل من يريد الفتنة والشر والانشقاق في المجتمع، وهم قلة قليلة لا تُذكر مقارنة بأعداد وإنجازات المسلمين في بريطانيا.
ونتيجة لهذه المظاهر الجميلة من المسلمين، والأخلاق الطيبة والوفاء الإسلامي والتزام العهود والأمانة، فقد غرست محبة المسلمين في قلوب عامة الناس، وصار الإسلام أكثر قبولاً من غيره، وتسمى مدينة شيفيلد -التي أقطنها- “عاصمة المسلمين الجدد” لكثرة الداخلين في الإسلام فيها، حيث يقدر عددهم بـ10% من السكان.
وفي هذا السياق، أؤكد أننا لا ينبغي أن نقف أمام بعض الأخطاء والتجاوزات من بعض الناس في الإساءة للمسلمين، فهم قلة ولا يمثلون الملكة ولا الحكومة، وبالمقابل ينبغي عدم تضخيم ممارسات بعض المسلمين السلبية التي ممكن أن يقوم بها جميع الأجناس والأعراق والأديان، فنحن لا نقر الخطأ أياً كان مصدره.
وبنظرة شمولية، فأوضاع المسلمين مستقرة، ونتوقع لهم مستقبلاً مزدهراً بإذن الله تعالى.
هل ساعدت طبيعة عملك في خدمة الدعوة والمسلمين؟
– أحمد الله الذي وفقني لخدمة دينه، وخدمة المسلمين والإنسانية، ولولا توفيق الله لما كنت في هذا المكان وهذه المناصب الخدمية والشرفية، وأحمد الله أن أسلم على يدي عدد كبير من الشباب الأوروبيين، منهم الطلبة والأصدقاء والزملاء ومسؤولون ومن عامة الناس.
وساهم عملي كإمام ومسؤول عن مركز إسلامي في خدمة الناس بمختلف أطيافهم، وتقديم المحاضرات الشرعية، والدعوة إلى الإسلام، إضافة لعضويتي في أكثر من جمعية خيرية.
هل لكم دور في تقريب وجهات النظر بين المسؤولين والمسلمين؟
– نعم، فلطبيعة مهنتي كأستاذ جامعي ومستشار في الأمن وموظف في حماية الأولاد ومفتش في المدارس والعمل مع الجاليات المختلفة، إضافة إلى عملي كإمام وخطيب، تعززت ثقة المسؤولين بي، وساهمت بتقريب وجهات النظر بين المسؤولين والمسلمين، وشاركت –بطلب منهم- بحل العديد من المشكلات التي تحصل مع المسلمين.
وأقمنا العديد من الملتقيات وورش العمل لتقريب وجهات النظر، وشرح الفكر الإسلامي من ناحية دينية وعقدية، وتبيان شعائر الإسلام، وتقديم صورة الإسلام الصحيحة، وسعينا لإقامة علاقة وثيقة بين المسلمين ومؤسسات الدولة، ونتعامل معهم بكل شفافية ووضوح وصدق.. كل ذلك ساهم في إيجاد تفاهم صحيح انتفع به المسلمون.
ولا أبالغ إن قلت: إن المسؤولين البريطانيين -وبالأخص الأمن والبلدية- يشكروننا دوماً عند افتتاح أي مسجد مهما صغر، وأينما كان مكانه؛ حيث تقل المشكلات، ويرتفع مستوى الأمن، خصوصاً إذا كان مكان المسجد “باراً” سابقاً، كما أن المسجد يوفر أنشطة مفيدة للشباب تشغل وقت فراغهم بما هو مفيد، لذا تجدهم يحرصون على حضور حفل الافتتاح.
ألا ترى أن المسلمين لم يعطوا التعليم حقه تجاه أولادهم؟
– لدينا ما يقارب 170 مدرسة للمسلمين مسجلة لدى الدوائر الرسمية، معتمدة ومعترف بها، وهي تنفذ المناهج الرسمية بشكلها العام، مع إضافة لمسات قيمية وأخلاقية وتربوية ودينية، تميز المناهج الإسلامية، وهناك 30 معهداً عالياً لتدريب الأئمة والدعاة، وأقامت الحكومة لجنة خاصة لمقارنة المناهج وتقييمها بشكل دوري، وللتعاون بين هذه المعاهد والجامعات الرسمية، وأنا عضو في هذه اللجنة.
وهناك آلاف المدارس القرآنية المسائية تعمل طوال الأسبوع، إضافة لنهار يومي السبت والأحد، ومعظم أبناء المسلمين يحضرونها؛ ليدرسوا فيها القرآن الكريم واللغة العربية والتربية الإسلامية، وتعد هذه المدارس العمود الفقري لحماية شخصية أولاد المسلمين، لكن مع الأسف الشديد ليس لها مناهج مناسبة، وتفتقد الدعم المالي.
وهناك حاجة ملحة لتدريب المعلمين والمعلمات وتأهيلهم للعمل في المدارس النظامية لتقديم الجوانب المصاحبة للمناهج المدرسية، كالتربية والقيم والأخلاق، إضافة إلى تعليم القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، حيث يوجد قصور كبير في هذا الاتجاه، مع وجود بوادر قليلة من بعض المدارس التي اهتمت بذلك، ونأمل باستمرار حركة تشجيع إصلاح المناهج وتدريب المعلمين في المدارس من قبل منظمات تعليمية متخصصة، ومن الدوائر الرسمية التي ستكون نافعة إن شاء الله تعالى.
وكل هذه المشاريع (المدارس وحلقات القرآن وتدريب المعلمين) تحتاج دعماً مالياً مستمراً حتى لا يتوقف العمل.
بمَ تنصح الشباب المسلم في بريطانيا؟
– يجب على شباب المسلمين الدخول في عالم السياسة، فهذا سيختصر وصول الآراء والاحتياجات بشكل أسرع، ويوسع من مكاسب المسلمين بشكل عام.
وأدعوهم لإعمال العقل وعدم الشطط، وتجنب التطرف، والتمسك بالوسطية، والاندماج مع المجتمع، وخدمة الناس، والمبادرة بالأعمال التطوعية، ودخول لجان المساجد، والحذر من الوقوع في خلافات مع المسلمين في القضايا الشرعية، وعدم التفرقة أو التكفير، واحترام الجاليات والأديان والمذاهب الأخرى، وتقديم خدمات لمؤسسات الدولة، وتذكروا أن المسلمين يوفون بعهدهم إذا عاهدوا.
هل من كلمة أخيرة؟
– في الختام أتقدم بالشكر الجزيل لدولة الكويت على ما تقدمه من مساعدات في كل مكان بالعالم من دعم وعطاء، تنوع في مجالاته الإغاثية والإستراتيجية والنوعية، ولا غرابة أن يكون سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح قائداً إنسانياً، والكويت مركزاً إنسانياً عالمياً، فلسموه كل الشكر والتقدير، ولحكومة الكويت الشكر لاهتمامها بدعم المشاريع الخيرية، ونحن في بريطانيا تصلنا الخيرات من المؤسسات الحكومية الكويتية والجمعيات الخيرية ومن أهل الخير في الكويت لدعم المراكز الإسلامية والمساجد والمدارس.
وأشكر د. خالد المذكور، رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، على تفضله لزيارتنا أكثر من مرة على نفقته الخاصة، وإلقاء الخطب والدروس والمحاضرات، والشكر موصول إلى د. مطلق القراوي، وكيل العلاقات الخارجية بوزارة الأوقاف الكويتية سابقاً، الذي ساعد بعض المراكز بتوفير الدعم وتقديم التعاون المتواصل للمسلمين ببريطانيا في مشاريع مختلفة.