أخذت الأزمة السياسية التي تعصف بحزب نداء تونس منذ تأسيسه سنة 2012 منعرجاً خطيراً بعد إعلان مجموعة من قياداته، يوم 17 فبراير، عن تجميد صلاحيات الهيئة السياسية للحزب التي يترأسها نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي، وتفويض صلاحيات التسيير للجنة الإعداد للمؤتمر الانتخابي المقرر (في حال انعقاده) في مارس القادم، وهو ما رفضته قيادات ندائية أخرى.
صراعات لا تنتهي
اشتد الصراع داخل حزب نداء تونس بعد عقد مجموعة من القيادات ندوة صحفية أطلقت على نفسها مجموعة “لم الشمل 2″، أعلنت فيها تجميد صلاحيات الهيئة السياسية لحزب نداء تونس، وهو ما اعتبره أنصار حافظ قائد السبسي داخل الحزب تمرداً جديداً، ينبئ بانفصال جديد وتمزق جديد داخل بقايا حزب احترق كقصر من ورق.
وقال القيادي بحركة نداء تونس، ناجي جلول: إن هذا القرار الذي أعلنه أعضاء المكتب التنفيذي، والمجلس الوطني لحركة نداء تونس المتمثل في تجميد صلاحيات الهيئة السياسية للحركة غير رسمي، مضيفاً أنه لن يكون نافذاً وساري المفعول.
وشدد في تصريحات على أن الهيئة السياسية لحركة نداء تونس التي يرأسها نجل الرئيس السبسي هي الهيكل الرسمي الذي يسيّر الحزب، مضيفاً أن الشخصيات التي أعلنت تجميد هيئة نداء تونس غادرت منذ مدة هياكل هذا الحزب.
بيد أن القيادي بحزب نداء تونس، منذر بالحاج علي، أكد أن أعضاء المكتب التنفيذي، والمجلس الوطني لحركة نداء تونس اجتمعوا يوم الأحد 17 فبراير، وقرروا دعم لجنة إعداد المؤتمر وتفويضها كامل الصلاحيّات لتسيير الحركة إلى حدود افتتاح المؤتمر الانتخابي، وشدّد على انتهاء الصلاحيّات القانونية للهيئة السياسية للحركة، المنبثقة عن مؤتمر سوسة؛ هيكلاً وتسييراً، منذ 17 يوليو 2016.
وتابع: هناك قيادات من حزب نداء تونس أطلقوا مبادرة جديدة تحت “لم الشمل 2″، تنص على أن جميع قرارات الإقصاء والتجميد والاستبعاد التي اتخذها المدير التنفيذي لنداء تونس، حافظ قائد السبسي، باطلة ومعدومة قانوناً، استناداً إلى القانون وإلى أخلاقيّات العمل السياسي.
واقترح مطلقو هذه المبادرة مقترحين تكوين لجنة تعنى بالاتصال بالمغادرين والغاضبين بهدف إرجاعهم إلى الحركة في إطار لمّ الشّمل، بحسب بالحاج علي.
معضلة نداء
ويقول مراقبون: إن معضلة نداء تونس هي أن فرداً أو مجموعة أفراد لهم صفة القيادة دون تفويض حقيقي من القواعد يتخذون مواقف ذاتية، ثم يحاولون فرضها على البقية، وهو ما نجم عنه استقالات جماعية، وانشقاقات لم تنته منذ تأسيس الحزب، الذي يتوقع البعض ألا يصل سالماً إلى موعد الانتخابات نهاية العام الجاري، أو يصله في درجة من الإنهاك المأساوي المثير للرثاء والشفقة لشدة بؤس القائمين عليه سياسياً.
كما أن الخلافات التي تعصف بنداء تونس، قد شهدت كماً هائلاً من الاتهامات المتبادلة بين قياداته، فقد اتهم منذر بالحاج علي ناجي جلول بكونه يجهل أسس النظام الداخلي لحزب نداء تونس، خاصة وأنه أعلن ترشحه للأمانة العامة للحزب دون علم منه بكون القانون الأساسي والنظام الداخلي لنداء تونس لا يوجد بهما منصب أمين عام، داعياً إياه إلى التكوّن في الشأن القانوني، وشدد على أن القرارات التي تم الإعلان عنها بدأت تُنفّذ منذ انتهاء اجتماع اليوم.
إفراز الاستبداد
وما لا يجهله التونسيون هو أن قيادات نداء تونس، تربت في أحضان نظامين مستبدين دكتاتوريين لم يتعودا على حل الخلافات بالحوار والاحتكام إلى الآليات، وإنما دكتاتور يوجه وقطيع يطيع، وهو ما أفصح عنه القيادي في حركة نداء تونس بوجمعة الرميلي الذي أشار إلى التعثرات التي يواجهها الحزب في تنظيم مؤتمره سببها تعطيلات في العمل على مستوى الهياكل وكذلك لخلافات في وجهات النظر بين القيادات حول إمكانية تسبب المؤتمر في المزيد من التقسيم بين الندائيين من عدمه.
وأقر في تصريح لوكالة “تونس أفريقيا للأنباء” بوقت سابق بوجود عملية تعطيل صلب قيادة الحزب، وبأن هناك من يتخوف من نتائج المؤتمر وإمكانية تسببه في المزيد من الانقسامات، خاصة وأن البلاد مقدمة على انتخابات تشريعية ورئاسية نهاية السنة الحالية، وتشتيت الحزب قد يؤثر سلباً على مشاركته في هذه الاستحقاقات.
وأشار في هذا الصدد إلى وجود من يرى أنه ساهم في الحفاظ على الحزب، وأن له موقعاً وحقوقاً فيه لا يريد التخلي عنها (حافظ قايد السبسي)، ويعتقد أن الانتخابات قد تسلبه تلك المكاسب، وأن هناك من لا يريد أن يكون منصبه داخل الحزب محل منافسة.
وقد انحاز الرميلي إلى الطرف المقابل، معتبراً المكاسب لا تكون فردية، إما حزبية أو وطنية أو لا تكون، وأردف: إذا كانت القيادة واثقة من أن حصيلتها داخل الحزب إيجابية فلا يوجد مبرر للخوف من مؤتمر انتخابي يخضع لقواعد الديمقراطية، أما إذا كانت لديها مشكلات ستحاسب ولن تتحصل على أصوات من داخل الحزب.
تحذير من الانحرافات
من جهتها، حذرت لجنة تنظيم مؤتمر نداء تونس مما وصفته بالانحرافات، وقرّرت توجيه رسالة للرئيس المؤسس للحزب الباجي قايد السبسي، تضمّنت تحذيرات من انحرافات قد تحول دون تنظيم المؤتمر بالصيغة المعلنة عنها وهي “ديمقراطي انتخابي”، ولفتت اللجنة في رسالتها، تسربت لوسائل الإعلام إلى غياب إرادة من القيادة الحالية لإنجاز المؤتمر الانتخابي الأول للحزب.
وشدّدت على رفض إفراغ اللجنة من صلاحياتها وتحويلها إلى لجنة فنية، مطالبة باحترام التشارك الكامل في كل تفاصيل إعداد المؤتمر مرحلة بمرحلة بين اللجنة وقيادة الحزب وتوفير ضمانات لتحقيق هذه التشاركية.
كما دعا المكتب التنفيذي للحزب إلى تشكيل هيئة تسييرية جديدة تُكلّف باتخاذ المواقف السياسية للحزب إلى حين انعقاد مؤتمره القادم، وتكون تركيبتها مشتركة ومتوازنة بين الهيئتين التأسيسية والسياسية والمكتب التنفيذي، داعياً الرئيس المؤسس للحركة الباجي قايد السبسي إلى اختيار رئيس لها.
عودة موجة الاتهامات
وتعصف موجة الاتهامات بصفو الحزب الذي لم يعرف الصفو منذ تأسيسه، فقد اتهــم النائب عن حركة نداء تونس عبدالعزيز القطي يوم 14 فبراير القيادي رضا بالحاج وأطرافاً أخرى بالتشويش وخلق الفتنة والهدم داخل النداء، وقال عبدالعزيز القطي في حوار إذاعي: رضا بالحاج وأشخاص آخرون يحاولون الركوب على الحدث والتشويش على المسار، ولا يزال الرد والرد على الرد ونشر الغسيل هو طبيعة العلاقة بين قيادات نداء.