حملت مظاهرات الجمعتين الماضيتين ضد ترشح الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، مشاهد إنسانية ولقطات طريفة كثيرة.
على غرار محافظات عديدة، شهدت العاصمة الجزائر، خلال الجمعيتين، احتجاجات شارك فيها مئات آلاف من الجزائريين، رجالا ونساء وشيوخا وصغارا، قبل انتخابات 18 أبريل المقبل.
أعلن بوتفليقة (81 عاماً)، في 10 فبراير الماضي، اعتزامه إعادة الترشح، تلبية “لمناشدات أنصاره”.
ومنذ ذلك التاريخ، تشهد الجزائر حراكاً شعبياً يدعو إلى تراجع بوتفليقة عن الترشح، بمشاركة شرائح مهنية عديدة، بينهم محامون، صحفيون، وأطباء وطلاب.
إسعاف وتنظيف
وسط إجراءات أمنية مشددة حافظت الاحتجاجات على طابعها السلمي، وردد المحتجون هتافات ورفعوا شعارات ضد “الولاية الخامسة” لبوتفليقة، الذي يحكم منذ عام 1999، ويعاني من متاعب صحية منذ سنوات.
لم تقتصر المشاركة في الاحتجاجات على الشباب، بل شارك فيها كبار السن وأطفال ونساء حوامل وعجائز وشيوخ ومثقفون وفنانون ونشطاء سياسيون.
بعيدا عن الشعارات والهتافات تجلت صور ومشاهد إنسانية صنعها محتجون، بحسب ما رصدته الأناضول.
أسعف شابان من المحتجين شرطياً مصاباً، وحمل شباب آخرون أكياس قمامة ونظفوا الشوارع من أي شيء خلفه المحتجون.
وزين علم الجزائر الشوارع والحشود، فتوشحت به نساء وشباب وأطفال ورضع، كتعبير منهم عن السلم وحب الوطن.
كما لاحظت الأناضول التزام المحتجين الصمت عند مرورهم أمام مستشفيات العاصمة، احتراماً للمرضى والعاملين فيها.
ومن شرفة منزلها في شارع “ديدوش مراد” وسط العاصمة وزعت سيدة قارورات مياه على محتجين، فيما وزع رجل عليهم أكواب قهوة.
الفوفوزيلا
رافقت المشاهد الإنسانية في الاحتجاجات لقطات طريفة، كاستعمال محتجين “الفوفوزيلا”، وهي ألة نفخ موسيقية تستخدم للتشجيع في ملاعب كرة القدم الإفريقية.
في حين عبرت نساء وعجائز عن سلمية الحراك الشعبي ضد “الولاية الخامسة” بالرقص والغناء، مع أهازيج الشباب.
وشوهد شخص يحتج في شوارع العاصمة مع زوجته، ويقود عربة صغيرة مكتوب عليها “سلة للنفايات”، ويحث بقية المحتجين على عدم رمي القمامة على الأرض.
وفي محافظة بجاية (شرق) تداول نشطاء صورا لرجل مسن يتظاهر منفردا على ظهر حمار، حاملا علم الجزائر وصور لشاب يضع قارورة مياه فارغة في جيبه بدل رميها، ومعها تعليق “يستحيل أن يمارس شخصا بهذا التصرف العنف في المظاهرات”.
وفي شارع “حسيبة بن بوعلي” بقلب العاصمة شوهد أشخاص يقيمون حزاماً بشرياً، للحيلولة دون احتكاك محتجين مع عناصر مكافحة الشغب.
وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات، عبر فيديوهات ومنشورات، إلى الاحتجاج بصورة سلمية، وتجنب أي احتكاك مع رجال الأمن، وعدم تخريب أي ممتلكات عامة أو خاصة.
وعي مدني وسياسي
قال الكاتب محمد بن جبار، مشارك في الاحتجاجات، إن “الشعب الجزائري كان حضاريا وحافظ على الممتلكات والأشخاص”.
وأضاف بن جبار للأناضول أن “سلمية التظاهر وصوره الإنسانية دليل على أنّ الشعب يعلم بالمناورات التي يمكن أن تُقدم عليها السلطة، لتعكير الأجواء والتضليل الإعلامي”.
وشدد على أنّ الجزائريين استفادوا من تجربة الشعوب العربية المسماة بثورات الربيع العربي، والتي بدأت في تونس أواخر عام 2010، وأطاحت بالأنظمة الحاكمة في عدد من الدول العربية.
وتابع أنّ “الأجواء الاحتفالية والإنسانية والحضارية التي صنعها المواطنون طوال المظاهرات كذّبت ادعاءات السلطة بالتخويف من الإرهاب والفوضى العارمة”.
بدوره، رأى الإعلامي رياض وطار أنّ “السلوك الحضاري والإنساني الذي تحلى به المواطن الجزائري، خلال احتجاجات الجمعتين الأولى (22 فبراير الماضي) والثانية (1 مارس الجاري) يدل على نضجه السياسي ووعيه المدني”.
وأردف وطار للأناضول أنّ “هذا الوعي يخالف ما حاولت أطراف الترويج له بقولها إنّ الجزائري عنيف وغير متحضر ولا يعرف المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة”.
وزاد بقوله: “مهما كانت الظروف نتمنى أن يظل الجزائري متحلياً بالسلوك نفسه الذي شرفه أمام العالم، لدرجة أنّ محللين سياسيين فرنسيين ثمّنوا سلوك المتظاهر الجزائري وقارنوه بسلوك ما يعرف باحتجاجات السترات السفراء (ضد سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون).
كتاب جديد
وفقاً للمدون والكاتب الجزائري، الطيب صياد، فإن “أكثر المتفائلين لم يكن، خلال الأيام العشرة الماضية، يتوقع ما شاهدناه في الجمعتين الماضيتين”.
وأردف صياد لـ”الأناضول”: “لم نفتح صفحة جديدة، بل فتحنا كتاباً جديداً يشارك في تأليفه الشعب الجزائري العظيم بأطيافه المتنوعة ومناطقه المترامية الأطراف”.
واستطرد قائلاً: “وإن كان تعريف مفهوم الحضارة هو بناء المجتمع على القيم الإنسانية العليا، فإن ما أنجزه الجزائريون خلال الجمعتين الأخيرتين هو تطبيق عملي حقيقي لمفهوم الحضارة”.
وأضاف: “شاركت في الاحتجاجات ورأيت التناغم الكبير بين المتظاهرين وعناصر الأمن.. كنت أظن أنّ تلك المشاهد من محض الرومانسية الديمقراطية، لكنها شكلت الوعي السياسي للمواطن الجزائري”.
وتنتهي الأحد، 3 مارس الجاري، مهلة تقديم الترشيحات لانتخابات الرئاسة أمام المجلس الدستوري، وهو أعلى هيئة في القضاء الإداري بالجزائر.
وأعلنت حملة بوتفليقة الانتخابية، في وقت سابق، أن الأخير سيودع ملف ترشحه أمام المجلس الدستوري، الأحد.
ويتواجد بوتفليقة، منذ 7 أيام في مستشفى سويسري، لـ”إجراء فحوصات روتينية لمدة قصيرة”، بحسب الرئاسة الجزائرية.