من المواضع التي ندر فيها الإسهام الفكري الإسلامي ما يتعلق بكتابات الطفولة، فالكتابات الإسلامية قليلة وغير ناضجة، وتتسم أيضًا بعدم القدرة على الاستمرار، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يعيد باب الأمل في استعادة “قلم الطفولة الإسلامي” مرة أخرى في البعث والتجديد في التناول لمنهج السيرة النبوية للأطفال، والذي كتبه الأستاذ أحمد خلف تحت عنوان “ماذا تعرف عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في أحدث إصدار مؤسسة سفير 2018.
تعليم السيرة للأطفال
تحتاج السيرة النبوية الموجهة للأطفال إلى أسلوب مبسط غير وعظي جاذب وشيق يغطي كافة الجوانب لصاحب السيرة ذاتها، وعلى الأقل تغطية كليات هذه السيرة، وقد طرح الكتاب حوالي (29) موضوعًا في صورة مبسطة شغلت حوالي (32) صفحة من القطع الكبير، الكتابة واضحة تساعد الطفل على تتبعها، والصفحات ملونة مزودة بالصور الجاذبة، والمرحلة العمرية التي تناسب اللغة المكتوبة تبدأ من 12 سنة تقريبًا.
ويعنون الكتاب بهذا السؤال الاستفهامي (ماذا تعرف عن النبي؟) وهو هنا أسلوب للتشويق لموضوع الاستفهام وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقدح لذهن الطفل فيما يعرف أو فيما سمع من قبل وجذب لما في الكتاب فيرغب الطفل/القارئ لمعرفة ربما تكون مجهولة لديه أو تثبيت لما يعرف أو إضافة له. وكأن الكاتب يريد أن يقول (هل أدلكم على النبي؟ وعلى صفاته وأفعاله وأحواله ونشاطه ورسالته وكل ما يتعلق بحياته).
وتقسم موضوعات الكتاب الـ(29) إلى ثمانية أقسام رئيسة كما يمكن استخلاصها وهي: الأول: ما قبل البعثة، والثاني: ما بعد البعثة، والثالث: فترة جهاده صلى الله عليه وسلم، والرابع: فتح مكة، والخامس: شمائل النبي، والسادس: معجزاته، والسابع: بلاغته، والثامن: وفاته.
ما قبل البعثة حتى فتح مكة
في هذا القسم تناول الكتاب عدة موضوعات هي: قبل الميلاد وتضمن أحوال العالم قبل بعثة النبي وأنواع الديانات الوثنية والوضعية وديانة العرب والمسيحية واليهودية وأحوالهما في شبه الجزيرة العربية، ويوضح في جانب من ذلك المشهد بقوله “..فيما كان معظما لعرب يعبدون الأصنام، وكانوا يؤمنون بالخرافات والأفكار الفاسدة، وكانت تقوم بينهم الحروب لأتفه الأسباب تمتد لسنوات طويلة، وانتشر بينهم وأد البنات، أي دفنهن وهن أحياء، لأنهم كانوا يعتبرون أن البنت تلحق العار بأهلها كما انتشرت بينهم عادات ومعتقدات سيئة مختلفة، وبالرغم من ذلك كانت تنتشر بينهم بعض الخصال الطيبة كالكرم والشجاعة وعزة النفس والوفاء بالعهد”.
كما تتضمن أيضًا نسب النبي – صلى الله عليه وسلم- وعائلته، ثم عرج على طفولته وتميزها وتوسطها كذلك بين عائلات قريش وطبيعة أطفالها. ثم استطرد تحت عنوان “مكانة النبي ففي قومه” موضحا علو هذه المكانة التي شغلها النبي بقيمه وأخلاقه وأمانته وصدقه بين قومه وثقتهم فيه لهذه الأخلاق، وعمله بالتجارة، ورغبة السيدة خديجة في جعل النبي يقوم على تجارتها لما سمعت عنه من أمانته وصدقه وكرم أخلاقه.
مرحلة الوحي وتداعياته
أظهر الكتاب أن مسؤولية الوحي التي تلقاها النبي –صلى الله عليه وسلم- لم تكن مسؤولية هداية قومه وشبه الجزيرة العربية وفقط ولكنها كانت مسؤولية هداية الكون كله، وتحدث عن سرية الدعوة وضرورتها في مكة والمعاناة التي عاناها المسلمين في سبيل حمل رسالة الإسلام إلى العالم من هذه البقعة حتى أذن النبي للمؤمنين بالهجرة إلى المدينة، وهذه المرحلة الجديدة في حياة الإسلام دخل فيها المسلمون والإسلام طور جديد وهو بناء المجتمع والأمة المتباينة الأعراق والأجناس وحتى الأديان المختلفة التي انضوت تحت مفهوم الأمة في المدينة.
وتضمن أيضا تنظيم المجتمع المدني من قبل النبي والتأهل العسكري والدبلوماسي في الإسلام، وبداية مرحلة السفراء والمبلغين، ثم عرج على فتح مكة والدروس والعبر فيها، وكيف امتلك النبي القوة والتسامح في ذات الوقت، والذي كان طريقا دخل الناس فيه إلى دين الله أفواجًا.
شمائل النبي
من أهم ما اتسمت به هذه الطريقة في تعليم السيرة للناشئة هو هذه المساحة الواسعة التي أفردتها للشمائل النبوية والتي تنوعت في دوائر النبوة بدءًا من بيته ومع زوجاته، وكيف كان سلوكه ودوره في البيت رغم عظم مسؤوليات الدعوة والوحي، ثم دائرة الأبوة وتقديم نموذج مغاير لما كان سائدًا في هذه البيئة الجافة نحو الأبناء -في أغلبها- من المشاعر ومن الحياة الوجدانية، وتقديم نموذج للعطف والحنان والحب الفريد لأبنائه: مارية وإبراهيم، والزهراء، وكذلك أحفاده الحسن والحسين حتى اللعب معهما ومداعبتهما وهو في هذه المكانة العالية. ثم دائرة الصحابة ومسؤوليته تجاههم والقيام بهذه المسؤولية حتى إطعامهم.
النبي معلمًا ومربيًا
يدخل بنا الكتاب إلى رحلة جديدة في حياة النبوة يوضح فيها دور النبي معلمًا ومربيًا لأمته، ويبتدئها بقوله صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت معلمًا” والتي يلخص فيها مسؤوليته النبوية تجاه الإنسان عمومًا والأمة المسلمة خصوصًا، ويوضح الكتاب بعض طرق ووسائل التعليم التي كان ينتهجها النبي مع صحابته منها: طريقة الأسئلة، وضرب الأمثال، والقدوة.
كما أبرز الكتاب منظومة لقيم النبي المعلم والمربي أهمها: الرحمة، الشعور بالمسؤولية، الإخلاص، وأهم صفاته صلى الله عليه وسلم ومنها: الشجاعة، التسامح، الأمانة، التواضع، كما أفرد الكتاب مساحة للأخلاق السلبية التي نهى عنها النبي ومنها: الغيبة والنميمة، والحقد والحسد، والكذب، وإيذاء الناس.
معجزات النبي ووفاته
اختتم الكتاب الإجابة على التساؤل الذي بدأه “ماذا تعرف عن النبي؟” بمعجزاته الخالدة والثابتة، وهي: معجزة القرآن الكريم الخالدة وتحديه العرب رغم فصاحتهم وبلاغتهم، وكيف تضمن أخبارًا لم يكن يعرفها العرب ولا النبي وهي أخبار الأمم السابقة، ومتضمناته الأخلاقية والتشريعية الهادية للإنسان. كما أشار –أيضًا- إلى معجزات أخرى ثابتة وهي معجزة الإسراء والمعراج وانشقاق القمر. ثم اختتم بإثبات طبيعة النبي البشرية وجريان السنة الكونية عليه مثل باقي البشر وهي سنة “الموت”.
وخاتمة فكرة الكتاب مهمة وهي تعليم السيرة للنشء، والطرح كذلك مميز وهادف، إلا أن هذا الأمر من أجل ضمان فاعليته واستمراره يحتاج إلى نقاش موسع مع التربويين والمختصين بالعلوم النفسية للوصول خارطة في تعلم سيرة الصحابة والتابعين والراشدين وأهل البيت باعتبارهم مدارس على امتداد النبوة والوحي.