تقدم رجل لوزارة الأوقاف بطلب لتعيينه إماماً، فلما جلس أمام لجنة الاختبار، سألوه في الفقه الحنبلي فقط، فقال: أنا شافعي.
فقالوا: إذن عد وادرس كتاب «دليل الطالب» ثم ارجع إلينا لنختبرك! ولا يوجد تفسير لذلك سوى أمرين: فرض المذهب الحنبلي على أئمة الوزارة الجدد، أو ضعف أعضاء لجنة الاختبار في المذاهب الأخرى، وذلك يعني أن كل أعضاء اللجنة حنابلة.
لا يختلف اثنان على قوة مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، فهو تلميذ الإمام الشافعي النجيب، وفقيه عصره وفريد زمانه، لكنني أتكلم عن فكر إداري لا يصلح فيه التفرد بالرأي أو الفكر أو المذهب، في بلد منفتح متعدد الاتجاهات، فضلاً عن فرضه في مؤسسة حكومية.
وسبق أن نبهت إلى أسلوب «التوحد» الذي تمارسه وزارة الأوقاف منذ أكثر من 15 سنة، والآخذ بالازدياد، رغم أن تاريخ الكويت زاخر بعشرات العلماء والمشايخ الأفاضل منذ أكثر من قرن، على مختلف المذاهب والأفكار، ولم يسبق لأحد من قياديي الوزارة أن فرض رأياً أو فكراً أو مذهباً بشكل مباشر أو غير مباشر، في حين أن المذهب السائد مؤخراً هو المذهب الحنبلي، والفكر السائد معروف، سبق أن أشرت إليه في مقال سابق “الشيخ محمد بن عبدالوهاب كويتي”، وهو فكر مستورد لا يتناسب مع الفكر الكويتي المستنير المنفتح على الآخر.
ومما يلفت النظر أن العديد من المشايخ والأئمة في الكويت -من ذات المدرسة- يستندون في فتاواهم ودروسهم إلى مشايخ محددين من خارج الكويت (مقدرين ومحترمين)، في حين أن «الموسوعة الفقهية» تعد أكبر وأشمل موسوعة على مستوى العالم الإسلامي، وتستوعب جميع المذاهب، وأعدها علماء أجلاء على مستوى رفيع من العلم الشرعي، ونادراً ما أسمع جملة «جاء في الموسوعة الفقهية»، حتى في قناة «إثراء» و«إذاعة القرآن الكريم».
وإذا تكلم أحدهم في مسألة فقهية ما ذكر آراء العلماء، واختتمها بكلمة «والصحيح»، التي تعني لغة أن ما سبقه غير صحيح، في حين أن قول «والأصح» أو «أنا أميل إلى..» أسلم، لكن المتكلم -مع كل الاحترام- لم يصل بعد إلى مرحلة الترجيح، والأفضل أن يرجح قول الجمهور والموسوعة الفقهية.
أنا أعلم أن هناك انقسامات فكرية شديدة، وأقدر الأثر التربوي الذي تلقوه عبر سنوات طويلة، وأستشعر التبعية اللاشعورية للمدرسة الخارجية، والحرج الشديد من السلبيات التي تحصل هنا وهناك، وأثمن تقدير (لا تقديس) العلماء المعنيين، ولكن ثقوا بأنها مرحلة، فلا تجعلوا الوزارة متنفساً لها، ولا المساجد سبيلاً إليها، واتركوا بصمة إيجابية للمجتمع كله، لا لمجتمعكم وفكركم فقط، فالكويت للجميع، والدين للجميع.
وأسأل الله لي ولكم الهداية والمغفرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (رواه البخاري ومسلم).
___________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.