من أكثر المشكلات العقدية والإيمانية القديمة الجديدة في التعاطي المنهجي معها مشكلة “العلاقة بين الإيمان والأخذ بالأسباب” وعدم ضبط النسب بينهما.
ومنشأ المشكلة في واقعنا هو التطرف وغياب التوازن في الفهم والممارسة معاً لهذه القضية، حيث تلتبس الأمور وتتداخل جراء الاستدلال العشوائي للنصوص فيها.
ويتمثل هذا التطرف الخفي في صورتين:
الأولى: صورة الفهم الديني المتطرف لموضوع الإيمان وأهميته وموقعه وتأثيره على حساب الأسباب.
فمثلاً في قوله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139}) (آل عمران) ينظر إليها أن الإيمان هو الشرط الوحيد والأعظم للنصر والعلو وعدم الحزن والهوان، متناسين النسبة المطلوبة للأخذ معه بالأسباب.
ومن ذلك تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {7}) (محمد) بأن نصرة الله تكمن في طاعته واتقاء محارمه ونصرة دينه دون اعتبار للأخذ بالأسباب.
والثانية: الفهم المادي المتطرف لموضوع الأسباب على حساب الإيمان، فيظن أن الأخذ بالأسباب هو ملاك الأمر كله، وتحسب الأمور وفق القوانين المادية ومعايير القلة والكثرة فقط دون اعتبار للعامل الإيماني وأثره، وأن عوامل القوة المادية وحدها هي الكفيلة بأن تحقق لك ما تريد من إنجاز.
وكلا الطرفين يستعين بآيات وأحاديث تسعفه فيما يذهب إليه من رأي دون النظر للمشهد الكلي للنصوص جميعها في القضية التي تقول لنا: إن الإنجاز في الحياة يتطلب الموازنة الدقيقة لمعادلة الإيمان والأسباب، وأن كليهما من الدين.
إن طغيان الشعور الإيماني دون حد طغيان غير ناضج وتحميل للدين مفاهيم لم يقصدها ومن ثم قرارات سيكون لها تبعاتها الثقيلة.
وطغيان الأخذ بالأسباب دون حد طغيان مادي يلغي أو يصغر أثر الإيمان والمدد الرباني وإغراق في معادلات الواقع ومن ثم أيضاً قرارات لها تبعاتها الثقيلة أيضاً.
إن من أهم دوائر الاجتهاد في زماننا ومن أعظم أدوار المفكرين والفقهاء والمفتين والمربين والموجهين ضبط هذه المعادلة وبيان حالة التوازن الشرعي لتحقيق الإنجاز في الحياة على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول، وإن مهمة البيان والضبط هذه الآن هي من أهم الضرورات الفكرية والشرعية والميدانية التي ستجنب الكثير من المجازفات والمغامرات الجريئة أو التخوفات والتحوطات الموهومة على حد سواء.