بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم، أرسله الله سبحانه ليُخَلِّصَ الناس من ذُلِّ العبودية للناس إلى عِزِّ عبودية الله وحده، ومن ضيق وكْر الطغيان إلى صفاء وحلاوة الإيمان، وبعد:
أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالتوحيد والإخلاص، فقال له (قُل الله أعبُدُ مُخلِصْا لَهُ دينِي) (سورة الزمر آية 14).
أي: إن عبادتي خالصة لله تعالى وحده، لا يشوبها شرك، ولا رياء، ولا غيرهما؛ نعم إن إخلاص العبادة والنية من أهم الأمور والمقاصد، إذْ بدونها لا ينفع العمل، وكما قيل: “قل لمن لا يخلص: لا تتعب”، لأن العمل لا يتقبله الله إلا بشرطين:
1- موافقة الكتاب والسُّنة.
2- يكون خالصاً لله وحده لا شريك له.
فالإخلاص: هو تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين.
فلا يزيد عمله بمدح المادحين، ولا ينقص عمله بذم الذامين، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أَجْسامِكُم ولا إلى صُوَرِكُم، ولكن يَنْظُرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم”.
فانظر يا أخي الداعي:
كيف أن موضوع “الإخلاص” هو أحد أعمدة كل عمل نعمله في سبيل الله عز وجل، فإن كان خالصاً فسترى بركته وانتشاره وقبوله في الأرض، وذلك لأنه قُبِلَ في السماء فكُتِبَ له البركة في الأرض، أما الأعمال التي يُرائي فيها الداعية الناس، أو يريد أن تكون لنفسه فيها نصيب من مدح أو تسليط أضواء، فإنه ينزل على هذه الأعمال بسبب سوء نيته من عدم البركة والتوفيق، أو ربما تُوَفَّق في الظاهر لكن لا يكون لها التأثير المستمر في قلوب الناس، الذي هو بسبب “الإخلاص” وبركته.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أَخْوفَ ما أخافُ عَليكُم الشِّرك الأصغر قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة: إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كُنتُم تُراءُون في الدنيا فانظروا هل تَجِدُون عندهم جزاء”.
فنسأل الله العافية من داء “الرِّياء” الذي يتسلل إلى القلب بخفية دون أن يشعر به صاحبه، ونختم بهذه المقولة الرائعة: “المخلص لربه كالماشي على الرمال الناعمة لا تسمع خطواته، لكن ترى آثارها”.
ونسأله سبحانه أن يجعلنا من المخلصين المتقين، وممن قال فيهم: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (الزمر: 11).
والحمد لله رب العالمين.