لم تكن مذبحة نيوزيلندا تجاه الأبرياء وهم في المساجد الأولى، ولن تكون الأخيرة، فالتاريخ القديم والمعاصر مليء بمثل هذه المذابح تجاه المسلمين وغيرهم، لكن بحسب القراءة التاريخية والمعاصرة، نجد أن الاعتداءات على المسلمين هي الأكثر بفارق كبير جداً عن اعتداء المسلمين على غيرهم، وهم الأكثر تعرضاً للمذابح من غيرهم.
ونذكر مذبحة النرويج عام 2011م، التي راح ضحيتها 77 شاباً وشابة من مختلف الأعراق والديانات، من قبل المتطرف اليميني أندرس بريفيك، الذي استسلم طواعية، ليعلن هدفه من هذه العملية.. القضاء على الوافدين بشكل عام، والمسلمين بشكل خاص.
ويعلن نفسه امتداداً لـ”فرسان الهيكل” المعادي للإسلام، ويمكنكم مشاهدة التفاصيل في فيلم “JULY 22”.
إلا أن المسلمين لم يردوا عليهم، بل قدموا أنفسهم مواطنين صالحين في بلادهم الغربية التي آوتهم، ولذلك شواهد كثيرة، دعت الأمير شارلز لزيارة دار الرعاية الإسلامية في لندن أكثر من مرة، لتقديم العزاء تارة، ولشكرهم على إنقاذ البريطانيين من عدة حرائق (انظر: مقال إمام مسجد ينقذ أسرة بريطانية من الحريق).
ورغم أن المجرم الأسترالي برينتون تارانت الذي قتل بدم بارد ومصور 50 قتيلاً وعشرات الجرحى في مسجدين في نيوزيلندا، قد أعلن في وقت سابق عن عزمه قتل مسلمين عبر موقعه الإلكتروني، ولم تحتط السلطات الأمنية لها، إلا أن المسلمين لم ينساقوا وراء الاستفزازات، لضمان استقرار البلاد.
وهذا ما دعا رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن للحضور للتعزية مع الاعتذار، التي أكدت أن هناك تزايداً عالمياً في خطاب اليمين العنيف، وأن حكومتها تدرسه، وطلبت من وكالات الاستخبارات جمع معلومات أكثر عنهم.
لقد أصبح لدى المسلمين خبرة من هذه الأحداث المتكررة من أقصى الأرض لأقصاها، ومن شمالها لجنوبها، بأن وراء ذلك عصابات صهيونية متطرفة، تتخفى بأسماء وهمية، فالمدنيون العزل الأبرياء يقتلون يومياً بالمئات في ماينمار (الروهنجيا)، وتركستان الشرقية (الأويجور)، والشام وفلسطين ومالي.. وغيرها، على أيدي المتطرفين تارة، وجيوش خارجية تارة أخرى.
لذا.. كان قرارهم ضبط النفس، خصوصاً مع من لا يعتبر ذلك إرهاباً ولا إجراماً، كما تظهر في تصريحاتهم وبياناتهم.
الإشكالية الأكبر عدم التعامل سياسياً وإعلامياً مع قتل المسلمين تحديداً، مثل قتل غيرهم، ووفرت تلك السلبية قناعة لدى الشعوب بأن الأمر عادي، وما تصدر بعض الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة عدة حكومات غربية إلا مؤشر على ذلك، فالإعلام الغربي يصنع ثقافة لدى الشعوب تجعله يقبل القتل.
الإرهاب مادة عالمية، تستخدمها عصابات دولية بقتل آلاف البشر باسم محاربة الإرهاب، ويتهم بها الضعفاء حتى لو ذبحوا خروف العيد.
لن تقف حركات “فرسان الهيكل” عن التوقف في تصفية المسلمين، يساندهم في ذلك الصهيونية العالمية، وانظروا إلى إشارة المجرم عند حضوره المحكمة لنعلم إصراره، وكلهم واثقون بعدم الإعدام وفق القرارات الدولية، ويعيش بعضهم في سجون راقية، لكن علينا أن نوعي أبناءنا للحذر منهم، والتحرك عبر المؤسسات الرسمية لمكافحتهم، علَّ وعسى أن يخف خطرهم.
ورحم الله شهداء المسجدين.
__________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.