كـ”لوحة فنية” هبّت الجماهير الفلسطينيين نحو الحدود الشرقية لقطاع غزة، من أجل إحياء (مليونية الأرض والعودة)، في الذكرى الثالثة والأربعين ليوم الأرض الفلسطينية، ومرور الذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار.
“المجتمع” تروي عناوين وألوان تلك اللوحة التي تجسدت بمشاركة جميع فئات الشعب الفلسطيني (أطفال وشيوخ وشبان ونساء) في خيام العودة المنتشرة على بُعد قرابة 700 متر من السياج الفاصل لحدود قطاع غزة، الذي تمترس خلفه العشرات من جنود جيش الاحتلال “الإسرائيلي”.
لم يأبه المشاركون الغزيون لتهديدات الجيش “الإسرائيلي” بقنصهم من جهة، وبرودة الطقس من جهة أخرى، في سبيل التأكيد على حقهم في العودة لأراضيهم المحتلة عام 1948م، وفك قيود الحصار “الإسرائيلي” المفروض على القطاع منذ أكثر من 12 سنة.
فهناك الحاج أبو شريف عايش (68 عاماً) نصب وتد بيت الشعر على مدخل مخيم (ملكة) على الحدود الشرقية لمدينة غزة بمساعدة أبناءه، في رسالة واضحة على تمسكه بالتراث الفلسطيني الذي أخذه عن أجداده.
عايش الذي تنحدر أصوله من بلدة “بربرة” المحتلة، توجه إلى مليونية الأرض والعودة منذ الصباح الباكر إحياءً لذكرى يوم الأرض على طريقته الخاصة، فيقول في ذلك، “الخيمة رمز للجوء وهي دليل على أن القضية الفلسطينية حاضرة في الذاكرة وسنورثها لأحفادنا”.
مع حلول وقت الظهيرة تجمع عددٌ من الشبان حول خيمته، وأخذ بعضهم يحتسي القهوة وآخرين يلتقطون صوراً بجانب بيت الشعر، كونه شدّ انتباههم، لما له أهمية في قلوب عشرات الفلسطينيين.
إلى الأمام منه، كانت تجلس الحاجة فاطمة عبيد، مع رفيقاتها لإعداد “خبز الصاج” لإطعام المشاركين في مليونية العودة، غير آبهة لبرودة الطقس والأجواء المغبرة.
فأشعلت عبيد النيران بورق الكرتون والعيدان أسفل موقد “الصاج”، فيما راحت إحدى رفيقاتها لإعداد “العجينة” وسط تجمهر عددٍ من المشاركين حولهن.
وسط انشغالها كانت تردد “قررت المشاركة في مليونية العودة بإعداد الصاج للتأكيد على حق العودة إلى بلدتي بئر السبع ولإحياء التراث الفلسطيني الذي ورثناه عن أجدادنا وآبائنا”.
في الزاوية الأخرى كانت تعمل الطواقم الطبية التي نصبت الخيمة الخاصة بها منذ الصباح، كخلية النحل، حيث تعمد على نقل المصابين الذين تستهدفهم قناصة جيش الاحتلال.
فخلال وجودك وسط الميدان، تسمع أصوات سيارات الإسعاف خلال دخولها مخيم “ملكة” وخروجها، تنقل المصابين من وإلى مستشفيات القطاع.
أما المسعفون المنتشرون بين جموع المتظاهرين، عيونهم ترقب وتلحظ أي مشارك تقنصه أسلحة الجيش “الإسرائيلي”، من أجل تقديم الخدمات الطبية العاجلة لهم، ونقله للخيمة الطبية، ومن ثم للمستشفى إن استدعى الأمر ذلك.
أصحاب الحق
إلى الأمام من خيام العودة شرق غزة، كان يتقدم الحاج محمد التلباني (71 عاماً) يتقدم أكثر فأكثر، إلى أن وصل لمسافة تبعد حوالي 500 متر عن السياج الفاصل مع الاحتلال.
يُحدق التلباني بنظره نحو الأراضي المحتلة التي يكسوها لون المزروعات الخضراء، وقلبه ينفطر على الدخول لها، كون أن الاحتلال اغتصبها وطرد سكانها الأصليين عنوّة.
الحاج السبعيني لم يفقد الأمل بالعودة لبلدته الأصلية “بئر السبع” الأمر الذي دفعه للمشاركة في مسيرات العودة، “أنا أُشارك في مسيرة العودة كل جمعة منذ انطلاقها، تأكيداً على حقي في العودة لبلدتي المحتلة”.
المشهد الآخر الذي لم يغب أيضاً عن مشهد مليونية العودة، هو مشاركة العشرات من جرحى المسيرات منذ انطلاقها قبل عام، فهذا الجريح محمد أبو حبل تمكّن من الوصول إلى مخيم العودة سيراً على “عكازين طبيين”، بعد تعب وعناء طويلين.
وقطع الجريح أبو حبل (27 عامًا) مسافة قدرها بنحو 4 كيلومترات، حتى وصل مخيم العودة، ويتقدم أكثر، غير آبه للرصاص الحي وقنابل الغاز التي يُطلقها الجيش “الإسرائيلي” صوب المشاركين السلميين.
ويقول أبو حبل الذي أُصيب في أكتوبر الماضي خلال مشاركته في المسيرات: إن مشاركتي في مليونية الأرض والعودة للتأكيد على حق العودة إلى ديار الآباء والأجداد”.
فيما لم تغب أيضاً مشاركة الأطفال في مليونية العودة، حيث كانت الطفلة لين عوض (8 أعوام) ترتدي الثوب الفلاحي الفلسطيني وتُمسك بيدها مفتاح العودة الذي ورثه والدها عن جده.
علامات الحماسة بدت واضحة لدى الأطفال، رغم عدم درايتهم بطبيعة ومكونات الأراضي المحتلة، لكّن كثرة سماعهم عنها كان الدافع الأساسي وراء لهفتهم وشوقهم للعودة للديار الفلسطينية المحتلة.
تلك المشاهد التي كانت حاضرة بين جموع آلاف المواطنين الذين تجمهروا أمام السياج الفاصل على حدود غزة الشرقية، غير مكترثين لتهديد الجيش “الإسرائيلي”، في رسالة عز وقوة للعالم أجمع، بحقهم في العودة لأراضيهم المحتلة ورفع الحصار المفروض على القطاع.