يحمل أبريل كثيراً من نسمات الحزن والجراح لفراق عدد كبير من علماء ومصلحي هذه الأمة، ووقوع كثير من الحوادث التي أزهقت أرواحاً ونفوساً بشرية؛ مثل مجزرة دير ياسين، ومعركة القسطل، ورحيل الشاعر محمد إقبال، والشهيد عبدالقادر الحسيني، والمجاهد محمد محمود الزبيري، والسفير عمر بهاء الدين الأميري، والشهيد عبدالعزيز الرنتيسي، وبطل حرب عام 1948م والقنال أبو الفتوح عفيفي، والشاعر عبدالرحمن بارود، والمربي عبدالعزيز المطوع، وصاحب البذل والعطاء نادر النوري، فرحم الله الجميع.
عبدالعزيز العلي المطوع اسم لا يجهله أحد، بل سطر بحروف من نور أعماله في قائمة طويلة من العمل الخيري والدعوي والإصلاحي والنهضوي، لا يكاد جيل من الأجيال العربية أو غيرهم من المسلمين يجهل عبدالعزيز المطوع، أو أخاه عبدالله المطوع (أبو بدر)، اللذين رحلا بعدما أصبحا أيقونة للعمل الخيري بالكويت وخارجها.
ولد عبدالعزيز بن علي بن عبدالوهاب المطوع القناعي عام 1328هـ الموافق أكتوبر 1910م، وهو من قبيلة السهول بالكويت، ونشأ في أجواء عائلية ملتزمة، وكان التدين هو الطابع الذي يغلب على أسرته، وحرص والده على تربيته على الأخلاق الحميدة والقيم الإسلامية العظيمة، كما كان يغرس فيه معنى الالتزام وحب الطاعة، وكان يصطحبه إلى المسجد وخاصة صلاة الفجر مع أشقائه، فأحدث ذلك أثراً كبيراً على محور شخصيته وحياته.
تعلم في المدرسة الأحمدية، واشتهر بذكائه الحاد وفطنته، ورافق عدداً كبيراً من رجالات الكويت الذين بنوا نهضة البلاد بمختلف مجالاتها أمثال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وكان سباقاً لفعل الخيرات في السر والعلن، وأنفق الكثير في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها (بيت الزكاة الكويتي: محسنون من بلدي، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 2001م، 1422هـ، ص 97–102).
يعد الشيخ عبدالعزيز المطوع أول من أرسى فكر حسن البنا في ربوع الكويت، فبعدما التقى به عام 1947م تأثر بمنهجه الشامل لفهم الإسلام، وبدأ غرس هذه البذرة مع الأقربين والأصدقاء في الكويت.
طرق المطوع كل أبواب الخير، فقام بالتعاون مع المحسن عبدالعزيز يوسف المزيني بتأسيس «جمعية الإرشاد» التي تم افتتاحها في عهد الشيخ عبدالله السالم، يرحمه الله، أمير دولة الكويت، وقد حققت الجمعية نجاحاً عظيماً في مجالات الدعوة والإرشاد والتعليم.
كما قام بعد حرب عام 1967م بتأسيس لجنة أسماها «اللجنة الإسلامية لمساعدة الفلسطينيين وأسر الشهداء»، وقام بعمارة المساجد، ومساعدة الفقراء وعلاجهم، ورعاية المسنين، وإغاثة المنكوبين، حتى إن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وجه إليه الشكر على مساهماته الخيرية، وقلّده خلَفُه محمد حسني مبارك وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وذلك في 4 أكتوبر 1982م، وفي 15 مارس 1988م.
تميز بالنبوغ وعمق الإدراك، وعمل على تأليف عدد من الكتب العلمية، منها «الرأس والبنكرياس»، و«خواطر باحث».
وظل العم عبدالعزيز المطوع، يرحمه الله، كذلك حتى أقعده المرض، وتوفي في 17 من ذي القعدة 1416هـ، الموافق 7 أبريل 1996م (عبدالعزيز المطوع: مجلة «المجتمع»، الكويت، العدد 1196 – 16 أبريل 1996م/ 28 ذو القعدة 1416هـ).
ما زالت دماء الشهداء رغم مرور السنين تضيء للمجاهدين والمظلومين مصابيح الدجي في سراديب الليل المدلهم.
ولد عبدالعزيز علي عبدالحفيظ الرنتيسي بقرية يبنا بقضاء الرملة بفلسطين، في 23 أكتوبر 1947م، التي تقع إلى الشرق من مدينة يافا، وقرب عسقلان، ولم يمر العام حتى طردت العصابات الصهيونية أسرته إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين حيث غذّته أمه بروح الجهاد، كما ألحقته وهو في السادسة من عمره بمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، واضطر للعمل أيضاً لمعاونة الأسرة، وظل يترعرع عاماً تلو الآخر وهو يرى دماء شعبه تروي شجر الزيتون وطرقات فلسطين، وتجرع الشاب المرارات والحسرات، واختزنها في نفسه الثائرة، إلا أنه استطاع أن يحقق حلمه في التفوق ويتخرج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972م، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، وهو المكان الذي أشعل في قلبه جذوة الاهتمام بالعمل الإسلامي، فعاد إلى غزة وهو محمّل بالفكرة الإسلامية، فسعى يبحث عمن يحمل معه هَمَّ دينه ووطنه حتى وجدهم، فترأس الحركة الإسلامية في محافظة خانيونس (إياد محيي الدين أمين: الاغتيالات السياسية في العصر الحديث، عرباً وعجماً حسب الحروف الأبجدية، طـ1، دار زهران للنشر والتوزيع، الأردن، 1437هـ/ 2016م، صـ71- 74).
وكان مشهد طرده من بيته ووطنه حاضراً دائماً في مخيلته، مما كان له أبلغ الأثر في تشكيل المقاومة ضد المحتل، فشارك الشيخ أحمد ياسين وآخرين في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ديسمبر 1987م، التي وصف هذه اللحظة بقوله: «قررنا المشاركة بفاعلية في الانتفاضة، وكنا سبعة؛ الشيخ أحمد ياسين، وعبدالفتاح دخان، ومحمد شمعة، وإبراهيم اليازوري، وصلاح شحادة، وعيسى النشار، وأنا، وقد اخترنا اسماً للعمل الحركي هو حركة المقاومة الإسلامية ثم جاء الاختصار إلى حماس».
أضحى رقماً صعباً في المعادلة ضد المحتل؛ الأمر الذي كلّفه سنين من حياته في سجون الظلم الصهيونية، بل كان على رأس من نفي إلى مرج الزهور بلبنان عام 1992م.
حاول المحتل الصهيوني اغتياله أكثر من مرة، حتى أضحى ينتظر الموت كل لحظة، معبراً عن ذلك بقوله: «الموت آتٍ سواء بالسكتة القلبية أو بالأباتشي، وأنا أفضّل الأباتشي»، ومعلناً المعنى الحقيقي للحياة الكريمة بقوله، حينما سأله صحفي عن صراعات داخل «حماس» حول القيادة: «نحن لا نتنافس على القيادة.. بل نتنافس على الشهادة».
بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، يرحمه الله، اختير الرنتيسي قائداً لحركة «حماس» بغزة، في 23/3/2004م، مما جعل الصهاينة يعجّلون باغتياله في 27 صفر 1425هـ الموافق 17 أبريل 2004م عندما استهدفت سيارته في شارع الجلاء بمدينة غزة بثلاثة صواريخ، أدت إلى استشهاده واثنين من مرافقيه (حسن محمد أحمد، حسني محمد أحمد: شهداء على بوابة الأقصى، طـ1، مركز الإعلام العربي للأبحاث والمعلومات والنشر، 2007م، ص 43).
العمل الخيري نشاط يقوم به بعض الأفراد أو الجمعيات بهدف رفع المعاناة عن الفقراء والمتضررين، ولقد نجحت فيه شخصيات ومؤسسات كويتية حتى أصبحت الدولة الرائدة في هذا المجال.
وكان الشيخ نادر عبدالعزيز محمد النوري واحداً من هؤلاء الذين تسابقوا للولوج في هذا الباب، وحفروا اسمهم في سجلات هذا العمل.
ولد عام 1954م في أسرة محافظة بمنطقة كيفان بالكويت، ودرس في مدرسة الخليل بن أحمد ليتلقى تعليمه الابتدائي، وحصل على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة الكويت عام 1977م، وحصل على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية عام 1984م.
كان لتربيته في بيت عمد إلى الاهتمام بالمجال الخيري أثره في نفسه، حيث ظل يشب على حب الخير للغير، حتى إنه صال وجال في كثير من البلدان، حيث طالت يده الحانية كثيراً من الأفئدة والعيون الباكية في بلدان شتى، منها الصين واليابان والهند وإندونيسيا وباكستان والفلبين وماليزيا وأستراليا وروسيا وألبانيا والبوسنة والهرسك واليمن وإثيوبيا ونيجيريا والصومال والسودان وإرتيريا والمكسيك.. ومع هذا العمل الكبير لم ينسَ أبداً قضية فلسطين والمسجد الأقصى (إسراء البدر: الشيخ نادر عبدالعزيز النوري.. رجل الخير الكويتي، ).
يعد الشيخ نادر النوري، يرحمه الله، من مؤسسي الحركة الإسلامية في الكويت، فقد تربى في أحضان جمعية الإصلاح الاجتماعي، حيث حمل الفكرة فكان سفيراً لها وسط الناس أينما حل.
اختير رئيس مجلس إدارة جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية، كما كان مديراً عاماً في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، ورئيس لجنة فلسطين الخيرية.
ورغم رحيله وهو في سن 60 عاماً، فإن نشاطاته وأعماله فاقت التصور، وقد شيعته دعوات الآلاف الذين عايشوه عن قرب، وتعلموا على يديه، وتعرفوا على خصاله الطيبة وسماته النيرة، حيث رحل مساء الأربعاء 16 جمادى الآخرة 1435هـ، الموافق 16 أبريل 2014م (عمر العبسو: الشيخ الداعية نادر عبدالعزيز النوري.. من مؤسسي الحركة الإسلامية في الكويت، رابطة أدباء الشام، ).