ملفان تبادليان سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والرئيس المصري وعبدالفتاح السيسي لوضعهما نصب أعينهما في لقائهما الخامس منذ تولي ترمب الرئاسة، أمس الثلاثاء 9 أبريل 2019م؛ ما دفع محللين ونواب كونجرس وحقوقيين للتساؤل عن العلاقة بين الملفين، ولماذا يساعد ترمب أصلاً هذا “الدكتاتور المصري” على ترسيخ قوته؟ كما أسموه، وما الذي سيحصل عليه ترمب من السيسي مقابل إعطائه الضوء الأخضر لتأبيده في السلطة عبر التعديلات الدستورية؟
ما دفع المراقبين للحديث عن سعي ترمب للحصول على مباركة السيسي وتحديد دوره في خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط، المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن” كمقابل لإعطائه الضوء الأخضر لتمرير التعديلات الدستورية التي تؤبد السيسي في السلطة وتنهي استقلال القضاء وتشرعن سيطرة الجيش على الحياة السياسية، هو طبيعة الزيارة التي بدت كاستدعاء من ترمب للسيسي، وقبل أيام من تمرير استفتاء التعديلات الدستورية.
بل إن المحاكمة العلنية التي قام بها 7 أعضاء كونجرس برعاية 12 منظمة حقوقية دولية ومصرية في واشنطن، بالتوازي مع اجتماع السيسي بترمب، ناقشت ما قال مشاركون “أهداف الرحلة التي تم ترتيبها على عجل”.
البيانان اللذان أعلنهما البيت الأبيض والرئاسة المصرية عن طبيعة الملفات التي ستناقش لا يعكسان حقيقة ما يجري في الغرف المغلقة وما يقال، فالمعلن كلام عام عن مناقشة التعاون العسكري والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، والتكامل الاقتصادي الإقليمي ودور مصر الطويل الأمد كمحور أساسي للاستقرار الإقليمي، دون مزيد من التفاصيل.
ولكن المؤكد، بحسب الخبراء والمحللين الأمريكيين، وصحف عالمية، أن ترمب سيعرض المخطط النهائي لـ”صفقة القرن” على السيسي وسط أنباء عن تنازل مصري غير معلن عن أجزاء من سيناء، وكذا الأردن والسعودية عن أجزاء من أراضيها، بينما “تل أبيب” هي التي ستربح كل هذه الأوراق.
وأنه مقابل هذا الدور الذي سيمارسه السيسي فيما يخص “صفقة القرن” (منه السعي لتحجيم غزة مقابل تحسين حياة الفلسطينيين هناك بمشاريع اقتصادية في غزة وسيناء، والضغط على المقاومة لنزع سلاحها)، سوف يتغاضى الرئيس الأمريكي عن فتح ملفات حقوق الإنسان والقمع الوحشي الذي يمارسه السيسي في مصر، ويعطي الضوء الأخضر للتعديلات الدستورية التي تبقي السيسي في الرئاسة حتى عام 2034م قبل أن يقوم بتجديد رئاسته مرات أخرى.
ويعول ترمب علي السيسي في إتمام “الصفقة”، بعدما أصبح شريكاً إستراتيجياً لدولة الاحتلال الصهيونية، وحليفاً يتبادل المصالح مع نتنياهو، وترمب، ويقود دولاً خليجية وعربية للتطبيع المجاني، وبعدما قام بهدم وإخلاء الشريط الحدودي بين مصر وفلسطين المحتلة عام 1948م من سكانه وهجره لضمان أمن دولة الاحتلال.
ويربط مساعدوه بين خدمات السيسي وتنفيذه لرغبات واشنطن وملف المساعدات العسكرية الأمريكية (1.3 مليار دولار سنوياً) الذي استخدمته مؤخراً وتستخدمه دوماً الولايات المتحدة كورقة ضغط على مصر.
توقيت استدعاء السيسي مهم للطرفين
ويبدو أن استعجال واستدعاء السيسي للحضور إلى واشنطن لبحث “صفقة القرن” مقابل التعديلات الدستورية (لم يكن اللقاء على أجندة ترمب الدولية ولم يعلن عنها قبلها بوقت كاف) مرتبط بالتوقيت في الحالتين، حيث سينشغل ترمب بعد 6 أشهر في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وسيمرر السيسي التعديلات الدستورية قبل نهاية الشهر الجاري، قبل موسم الإجازات والأعياد ودخول شهر رمضان.
لهذا يقول د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: ليس من قبيل الصدفة تزامن زيارة السيسي لأمريكا مع الانتخابات “الإسرائيلية”، وانفجار الأوضاع في ليبيا والسودان، وإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية، ويفسر هذا بأن الشهور الست القادمة هي الفترة الوحيدة التي يمكن لترمب أن يحاول فيها فرض “صفقة القرن”، وهو ما يراهن عليه نتنياهو.
أما لماذا 6 أشهر، فيوضح نافعة –بحسب رده على ذلك على حسابه على “تويتر”– “لأن ترمب سيصبح بعدها مشغولاً بالانتخابات الرئاسية، حيث تبدأ الانتخابات التمهيدية في نوفمبر هذا العام وتتواصل حتى يوم توجه المواطنين إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر 2020م” (https://twitter.com/hassanafaa/status/1115490537845547008)
أما أهمية التوقيت بالنسبة للسيسي، فهو الرغبة في الانتهاء من ملف سيطرته –بعصا الجيش– على الحياة السياسية وإنهاء أي معارضة له، وتدمر الآليات التي تمكن شعبه أن يخضعه للمحاسبة، بما فيها إلغاء أي محاسبة قضائية له، واعتباره أن هذا هو أنسب توقيت في ظل وجود إدارة أمريكية متساهلة معه، وقبل انتخابات الرئاسة الأمريكية التي قد يخسر فيها ترمب ويأتي غيره رئيس ديمقراطي مثل أوباما يحاسبه على انتهاكات حقوق الإنسان، واستثمار تشرذم وتفتت المعارضة المصرية بسبب القمع المستمر.
وقد نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن الرئيس الأمريكي ربما يمهد الطريق أمام السيسي للبقاء في السلطة، وأن ما سيتم بحثه ليس ملف حقوق الإنسان، وإنما تطور قضية المجتمع المدني في مصر، وكذا ملف الأقلية المسيحية، بسبب مخاوف سابقة لمايك بنس، نائب الرئيس.
ووزعت الخارجية المصرية على الصحفيين الأمريكيين ونواب الكونجرس وممثلي الوفود المختلفة التي التقت السيسي أو أعضاء الوفد المرافق له، تقارير “إيجابية” عن ملفين داخليين رئيسين آخرين؛ الأول هو مستقبل العمل الأهلي في مصر الذي طرحه تقرير الخارجية الأمريكية السلبي عن مصر الصادر الشهر الماضي وبسببه جمدت واشنطن عام 2017م نحو 290 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر لمدة 13 شهراً.
والملف الثاني خاص بالتعاون الاقتصادي وتغول بيزنس الجيش على مصالح المستثمرين المحليين والأجانب في مجالات متعددة.
لماذا نساعد الدكتاتور المصري؟
واستقبلت وسائل الإعلام الأمريكية ونواب كونجرس ومنظمات حقوقية أمريكية (هيومن رايتس وواتش) السيسي بشن هجوم واسع ضده وانتقادات طالت ملف حقوق الإنسان والقمع وسعي السيسي لـ”دسترة” قمعه وتأبيده في السلطة بالتعديلات الدستورية التي سيجري الاستفتاء الصوري عليها هذا الشهر.
وتساءلت ميشيل دن، الباحثة في معهد كارنيجي في تحليل نشرته بموقع “بولتيكو”: لماذا يساعد ترمب الدكتاتور المصري على ترسيخ قوته؟ وما الذي سيحصل عليه ترمب من السيسي مقابل إعطائه الضوء الأخضر لتأبيده في السلطة؟
وفندت دن ما يقال عن فائدة السيسي لأمريكا، مؤكدة أنه فشل في كل الملفات بداية من حفظ الأمن في سيناء حيث لا يزال المسلحون يرتعون هناك، وحتى حماية الأقباط والحفاظ على المصالح الأمريكية وتسببه بمشكلات أخرى بتربية “داعشيين” جدد في سجونه، بفعل القمع والتعذيب الوحشي.
وشددت على أن أي تأييد أمريكي له سيستخدمه السيسي في ترسيخ قبضته على السلطة وإظهار أنه يتمتع بدعم ترمب ويحمل أي منتقدين محتملين له في الجيش أو في أي مكان آخر على التراجع.. وأنه بلا فائدة لأمريكا.
وكتبت إيمي أوديات تنتقد أوضاع السجون المصرية في مجلة “فورين بوليسي”، وتقول: إنها أصبحت أماكن تجنيد لـ”الدولة الإسلامية” (داعش) بسبب قمع وتعذيب السيسي للمعتقلين، وإن ظروف السجناء المروعة تؤدي إلى تسريع عملية التجنيد، وتنقل عن باحثي العفو الدولية أن فترة اغتصاب السيسي للسلطة في مصر هي الأسوأ على حقوق الإنسان، وتعد واحدة من أسوأ الفترات من حيث القمع والاعتقالات التعسفية.
وذكرت الكاتبة الأمريكية أنه يمكن اعتقال الناس في مصر دون أي سبب على الإطلاق، سواء نشطاء أو سياسيين أو ممثلين أو مواطنين عاديين.
وقالت: إن الحكومة تعترف بأن قدرة السجون المصرية على الاستيعاب تزيد بنسبة 160% عن طاقتها الفعلية بسبب الاعتقالات العشوائية رغم بناء 18 سجناً جديداً، وأنه وفقاً لتقديرات “الملخص العالمي للسجون” الأمريكي World Prison Brief هناك حوالي 106 آلاف مصري مسجون، منهم 90 ألف سجين بسجون مصر، سواء كانوا سياسيين أم لا، و16 ألفاً آخرين في أمكان الاحتجاز غير الرسمية بأقسام الشرطة!
خطابات من نواب الكونجرس ضد السيسي
وقد بعث 17 نائباً بمجلس الشيوخ الأمريكي خطاباً موجهاً لوزير الخارجية الأمريكي يوبخون فيه السيسي، وتركز الخطاب حول ثلاث نقاط، هي: انتقاد “سلق” عملية التعديلات الدستورية الكارثية، والوضع السيئ لحقوق الإنسان، واعتقال مصر لعدد من المواطنين الأمريكيين، وصفقة 20 طائرة “سوخوي”، وارتماء السيسي في أحضان روسيا، وإعادة تقييم المساعدات العسكرية المقدمة لمصر.
أيضاً بعث 4 نواب آخرين في الكونجرس بخطاب مباشر شديد اللهجة للسيسي يحتجون فيه على انتهاكه لحقوق الإنسان في مصر وتعذيبه المصريين وتحويل مصر لدكتاتورية خشنة قاسية.
وتحت عنوان “ترمب يتباحث مع دكتاتوره المفضل (السيسي)، قالت مجلة “فورين بوليسي”: إنه رغم امتداح الرئيس الأمريكي للسيسي واعترافه أنه “رجل استبدادي مدعوم من الجيش ولكنه أيضًا زعيم مسلم يحارب التطرف الإسلامي ويدافع عن الحقوق المتساوية للأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين في مصر”، فإن مثل هذا المديح في غير محله.
وركز المقال على ما يعانيه المسيحيون في مصر من عنف واضطهاد كمواطنين “درجة ثانية”، ومنعهم من الترقية للوظائف العليا، وينقل عن صموئيل تادروس، الباحث بمعهد هدسون، قوله: كيف يتم استبعاد الأقباط من جهاز المخابرات المصري وأمن الدولة، ونسبتهم المئوية في القوات المسلحة وقوات الشرطة بنسبة 1%؟
أيضاً تحت عنوان “السيسي لديه جمال خاشقجي الخاص به”، كتب ستيفن كوك في “فورين بوليسي” عن حادثة قتل الجيش المصري مواطنة أمريكية في هجوم الواحات 2015م بقصف بطائرات أباتشي الأمريكية وعدم حصولها على التعويضات اللازمة، ودعا ترمب لإجبار حلفائه على احترام مسؤولية الأسلحة التي تقدمها واشنطن لهم وألا يقتلوا بإجرامية كما فعل السيسي مع المواطنة الأمريكية.
“رايتس ووتش”: الملف الأسود لقمع المصريين
وهاجمت منظمات حقوقية السيسي بعنف، وحذرت الأمريكيين منه، وقالت: إنهم يجب أن يتعرفوا بدقة على ملفه الأسود لقمع المصريين، ودعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لمراجعة سجل حقوق الإنسان في مصر، مؤكدة أن السيسي يريد من وراء زيارته الحالية لواشنطن أن يوفر له الرئيس ترمب غطاءً سياسيًا خلال هذه الفترة الحرجة.
وأكدت أن السيسي يهدف إلى توسيع السيطرة العسكرية بشكل كبير على المؤسسات المدنية، بما في ذلك القضاء، عبر التعديلات الدستورية.
وتوقعت ألا يناقش ترمب السيسي في حقوق الإنسان “بسبب مصالح مشتركة”؛ ولذلك دعت نواب الكونجرس للتكلم وفضح انتهاكات السيسي القمعية خاصة السناتور الأمريكي كوري بوكر، والسناتور روبرت مينينديز، عضوي لجنة العلاقات الخارجية، اللذين يدعمان الحريات.
أيضاً كتبت المسؤولة بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” ساره مرجون في صحيفة “ديلي نيوز” تقول للمسؤولين الأمريكيين: “عليكم فهم النظام الذي يباركه ترمب في مصر”، مشيرة إلى أن “التعديلات الدستورية ستعزز الحكم الاستبدادي في مصر، وستزيد السيطرة العسكرية على الحكومة وتقوّض استقلالية القضاء بشكل هائل”.
وأكدت أنه عقب انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً، وعد بتحقيق الاستقرار والأمن والديمقراطية، لكن ما حصل على امتداد السنوات الست الماضية كان العكس تماماً.
وأوضحت أن حكومة السيسي شنت حملة وحشية متصاعدة باتت تغذي مشاعر الغضب والاستياء وصعّدت قوات الأمن أساليب الترهيب والعنف ضدّ جميع الأطياف السياسية، وتعرّض الإخوان المسلمون، وجماعات المعارضة السياسية، والمدونون، والصحفيون، والمفكرون الناقدون، والنشطاء السلميون إلى الاعتقال والاحتجاز والتعذيب، وفي بعض الأحيان تم ببساطة إخفاؤهم.
وشرح محمد سلطان في مقال نشره بصحيفة “واشنطن بوست”، كيف قضى السيسي على ما تبقى من قضاء مستقل في مصر، وكيف تسعى تعديلاته اللادستورية لدسترة هذه التبعية في سياق خطته لتمزيق أي مؤسسات مستقلة تخضعه للمساءلة، سواء كانت تابعة للدولة أو شعبية أو حقوقية.
وشدد على أن أحكام القضاء سياسية وتصدر بمباركة سلطة السيسي بعدما شكل دوائر خاصة لمحاكمة معارضيه بعد رفض عشرات القضاة محاكمة خصوم السيسي، وكيف عين (السيسي) شقيقه أحمد نائباً لرئيس محكمة النقض كي تمرر الأحكام المشددة.