يرتبط ذهنياً اسم «الفايكنغ» بالدول الإسكندنافية؛ النرويج والسويد والدانمارك وفنلندا وآيسلندا، وكل ما نعرفه عنهم -لغير المختصين- ما نقل إلينا شفوياً أو عبر مقالات ومعلومات مجتزأة، وتاريخ مبتور هنا وهناك، ولكنهم بالنهاية حضارة بحرية واقتصادية فرضت نفسها على أوروبا فترة من الزمن، ووصلوا إلى كندا وأمريكا الشمالية والشمال الأفريقي بجدارة.
عرف رجال «الفايكنغ» بالقوة والمهارة بنفس الوقت، فمن استطاع أن يعيش في الشمال الأوروبي لأكثر من 2000 سنة، حيث الثلوج والبرد القارس، والغابات والوحوش الضارية، والمحيط الأطلسي الهادر، جدير بأن يقود العالم فترة من الزمن، فقد اشتهروا بمهارة صناعة السفن بأشكالها الرائعة، ومنحوتاتها الخشبية الجميلة، فسادوا البحار قوة وقدرة، وكانوا تجاراً متميزين، نقلوا في سفنهم الكبيرة البضائع لمعظم دول أوروبا، كما عُرفوا بالموانئ الضخمة، فلا أساطيل ولا تجارة بحرية ناجحة بلا موانئ كبيرة.
إضافة إلى قدراتهم الجسدية الضخمة والقوية، فكانوا محاربين أشداء بما تعني الكلمة، سيطروا خلالها على البر والبحر، لذلك أطلقوا عليهم «الفايكنغ»؛ أي ملوك البحار.
كانوا وثنيين، ثم تحولوا إلى المسيحية البروتستانتية، ثم المدرسة اللوثرية.
ونظراً لاختلاف المذاهب المسيحية وصراعاتها، يقال: إن بعض رعاة الكنيسة الأوروبية اتهموا “الفايكنغ” آنذاك بأنهم مجرمون وقراصنة، وقتلة وأكلة لحوم البشر، وهو ما لم يثبت تاريخياً، سوى ما ذكر من حروب بينهم وبين الدول الأخرى لأجل السيطرة، وهذا يحتاج لبحث علمي دقيق.
ومن لطائف الأمور أن المسلمين وصلوا إلى الدول الإسكندنافية منذ القدم، ذكرتها عدة روايات تاريخية، لعل أشهرها طلب ملك “الفايكنغ” من الخليفة العباسي إرسال جيش لمساعدته في مواجهة العدوان الوحشي من بعض العصابات، فأرسل له «ابن فضلان» الذي كان سفيراً وعالماً وطبيباً ومحارباً بنفس الوقت، لما يتمتع به من خبرات وعلم غزير، ووثق رحلته فيلم «المحارب الثالث عشر».
وصدر مؤخراً كتاب أكاديمي بعنوان «الإسلام في السويد خلال 1300 عام»، ذكر فيه التاريخ القديم والحديث للمسلمين وتطور العلاقات والتواجد في السويد منذ عصر الخلافة العباسية والأندلس إلى يومنا هذا، حيث تطور عدد المسلمين إلى قرابة مليون مسلم، وتحدث فيه عن المساجد والمؤسسات الإسلامية وتنوعها، والأدوار التي تقوم بها، والشعائر والطقوس والأعياد والاحتفالات.
وذكر المؤلف Simon Sorgenfrei في المقدمة رواية لطيفة بعنوان «الثعبان الأحمر» حول بحار سويدي في زمن “الفايكنغ” يلقب بالثعبان الأحمر، تم أسره مع المجموعة التي كانت معه في السفينة من قبل أمير قرطبة المنصور، وانفرد به المنصور وقال له: في ديننا الإسلام الله هو إله واحد أبدي، ومحمد رسول الله، وأنتم مع عدة آلهة، وسنقوم بالحرب على مدينة سانتياغو دي كومبوستيلا، وأريد منك أنت وجنودك أن تشهروا إسلامكم لتحاربوا معي.
توجه الثعبان إلى جنوده وقال لهم: يقول المنصور: إنه يجب أن نؤمن بربه، المنصور لديه رب واحد اسمه الله، وهو يكره الآلهة الأخرى، وباعتقادي أن إلهه قوي في هذه البلاد، وآلهتنا ضعاف ما دمنا بعيدين عن وطننا، سيكون وضعنا أفضل إن فعلنا ما هو متعارف عليه هنا، وليس من الحكمة أن نفعل ما لا يرضاه المنصور.
فقبلوا ودخلوا الإسلام، وأصبحوا جنوداً في جيشه، وشاركوا في فتوحات الأندلس.
فمن هو يا ترى “فايكنغ” العصر الحديث؟!
هي الأيام كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان
_____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.