قُتل عشرات الأشخاص وأصيب العشرات بجروح في اشتباكات على حافة العاصمة الليبية الساحلية طرابلس بعد أن أمر أمير الحرب خليفة حفتر قواته بأخذ المدينة من الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في 4 أبريل، الهجوم شنه حفتر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، وقد دفع ليبيا إلى شفا الحرب الأهلية.
أعلنت الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها في 7 أبريل أنها تشن هجومًا مضادًا أطلقت عليه “عملية بركان الغضب”.
في 8 أبريل، أغلقت غارة جوية شنها حفتر المطار الوحيد الذي يعمل في طرابلس، وقالت وزارة الصحة في الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها: إن 27 شخصاً على الأقل، بينهم مدنيون، قتلوا منذ بدء الهجوم، وقال المكتب الإعلامي لجيش حفتر: إن 22 من قواتهم قتلوا في نفس الفترة، وقد دعت الأمم المتحدة دون جدوى إلى هدنة وقامت القوى الدولية بإجلاء موظفيها.
يأتي العنف المتصاعد -الذي تم إطلاقه بجرأة خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس إلى طرابلس- قبل أقل من أسبوعين من مؤتمر مخطط له يهدف إلى التوفيق بين الفصائل المسلحة العديدة في ليبيا وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد التي يمزقها عدم الاستقرار السياسي والعنف منذ مقتل معمر القذافي عام 2011.
إليك ما يجب معرفته حول الصراع:
من هو خليفة حفتر؟
وصفته “سي إن إن” بأنه “براجماتي جداً”، وكان حفتر البالغ من العمر 75 عامًا ضابطاً مشاركاً في الانقلاب الذي أوصل القذافي إلى السلطة في عام 1969 لكنه فارق الدكتاتور في أواخر الثمانينيات، ونفى نفسه إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الجنسية الأمريكية، لكنه عاد إلى ليبيا في الوقت المناسب للمشاركة في الحرب الأهلية المدعومة من “الناتو” عام 2011 التي أنهت حكم القذافي الذي دام 42 عامًا.
وقد برز في ليبيا مرة أخرى عام 2014، عندما انتقد فشل المؤتمر الوطني العام الذي كان وقته آنذاك “GNC” في الحماية من صعود الجماعات المتمردة وبدأ حملة عسكرية ضد المليشيات الإسلامية التي تسمى “عملية الكرامة”.
من معقلها في شرق البلاد، قامت “مليشيا حفتر” جيش التحرير الوطني -الذي يضم مجموعة من المليشيات المتحالفة بشكل غير رسمي- بطرد المليشيات الإسلامية في نهاية المطاف من مدينة بنغازي، المدينة الثانية في ليبيا والمناطق المحيطة بها، وفي وقت مبكر من هذا العام، اجتاح الجيش الوطني الليبي حقول النفط الجنوبية في ليبيا، والآن يحيط فعلياً بطرابلس من على ساحل البحر المتوسط.
مــــاذا يريد حفتر؟
ينصب حفتر نفسه حامياً للوطن ويرى عدوانه هدفه الأمن، ولذلك تعهدت “مليشياته” (الجيش الوطني الليبي) بتطهير ليبيا من الجماعات الإرهابية قبل أن تتقدم قواته إلى طرابلس من الجنوب والغرب، حسب زعمه، لكن خصومه يقولون: إنه يحاول إعادة ليبيا إلى الحكم الاستبدادي على غرار حكم القذافي أو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يُقال: إنه أحد مؤيديه الرئيسين.
صراع من أجل الغنائم
ورغم إعلان حفتر الحرب على الإسلاميين، فإنه يتمتع بدعم فصائل سلفية ليبية محافظة، نفذت الشريعة الإسلامية في بعض المناطق التي يسيطر عليها، ويقول الخبير في شؤون ليبيا فريدريك وهري، مؤلف كتاب “ذا بيرنينج شورز” (الشواطئ المحترقة): الصراع هو في الأساس صراع من أجل غنائم البلادً، وقناع الأيديولوجية الذي ربما كان تقسيمًا واحدًا في الماضي قد تلاشى وأصبح الآن مجرد صراع من أجل الاقتصاد الخالص والقوة.
لماذا تقدم إلى طرابلس الآن؟
ينظر بعض المحللين إلى تقدم حفتر على أنه محاولة لتغيير الحقائق على أرض الواقع قبل المؤتمر الوطني المزمع عقده في الأمم المتحدة في 14 أبريل الذي أعلن عنه في مارس، وكان المؤتمر سيُناقش توحيد الفصائل ومن ثم وضع الجدول الزمني للانتخابات التي طال انتظارها، وبعد يومين من إعلان حفتر تقدمه قالت الأمم المتحدة: إنها ستستمر.
ولكن قد يكون هناك أيضًا دافع مالي لما أقدم عليه حفتر بعد أن استفحلت الأزمة المصرفية في شرق ليبيا وتضررت احتياطيات النقد الأجنبي بشكل خاص، يقول وهري: إن جيش حفتر عبارة عن مجموعة من المجموعات المصلحية التي انخرطت في حملته من أجل أجنداتها الخاصة، لذلك مضطر إلى عدم التوقف عن الحركة، والكثير من زخم حفتر يرجع إلي المدفوعات النقدية وعليه أن يحافظ على ذلك بطريقة ما.
من هم المؤيدون الدوليون لحفتر؟
رسمياً، قليلون ومتنافرون، وقد غضت كل الدول الكبرى الطرف عن حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة، ورئيس الوزراء فايز السراج، ولكن في الواقع، كان البعض يجرون محادثات متوازية مع مختلف الجهات الفاعلة التي مكّنت هؤلاء الممثلين من تجاهل العملية القانونية والمضي في العملية العسكرية، كما تقول إلهام سعودي، المؤسس المشارك لمنظمة “محامون من أجل العدالة” غير الحكومية التي تتخذ من لندن مقراً لها (LFJL).
وتشمل تلك الدول مصر والإمارات العربية المتحدة، اللتين تريدان كبح نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وروسيا التي عالجت الجنود الجرحى: وقيل: إنها طبعت أموالاً لصالح حفتر، وفرنسا التي تعتبره مفتاحًا لاستقرار ليبيا وإبطاء تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وإيطاليا التي تريد أيضًا منع الهجرة عبر ليبيا، وقد اختلفت مع فرنسا بسبب دعمها الضمني لحفتر، يقول جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجموعة الدولية للأزمات: وهما شكلياً مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، لكنهما (إيطاليا وفرنسا) على طرفي نقيض في موقفيهما.
وقد دعمت الولايات المتحدة الجماعات المسلحة التي تقاتل “داعش” و”القاعدة”، ومن بينها تلك المتحالفة مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، وقد أدان وزير الخارجية مايك بومبيو تقدم حفتر ودعا القوات إلى العودة إلى مواقعها السابقة، لكن ليبيا ليست أولوية قصوى بالنسبة لأمريكا، يضيف هيلترمان.
كيف كان رد فعل بقية العالم على الهجوم؟
التقى جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، بحفتر شخصياً في 5 أبريل، لكن يبدو أنه فشل في إقناعه بوقف تقدمه، وقال: إنه غادر البلاد بقلب كئيب وقلق عميق من احتمال اندلاع الصراع، “ما زلت آمل أن يكون من الممكن تجنب المواجهة الدموية في طرابلس وما حولها”.
وقد حاولت الولايات المتحدة إقرار بيان لمجلس الأمن يدين حفتر، لكن روسيا رفضته، وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس، وأفادت الأنباء أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اتصل برئيس الوزراء الليبي فايز السراج المدعوم من الأمم المتحدة لمناقشة الأمر، وقال وزير خارجيته: إنه “لا يوجد حل عسكري” للأزمة.
لكن لم تهدد أي دولة بفرض عقوبات أو تحركت لتأكيد شرعية الحكومة المدعومة دولياً في طرابلس، ولذلك، فسر حفتر تحذيراتهم على أنها ضوء أصفر، وليس ضوءاً أحمر، وفقًا لمجموعة الأزمات الدولية، بالنسبة إلى مؤسسة “محامون من أجل العدالة في ليبيا” (LFJL)، فإن الأزمة الحالية هي تتويج طبيعي لعدم اتساق المجتمع الدولي وفشله في تأكيد حكم القانون في ليبيا، “لقد كانت الأجندة الدولية جزرة خالصة ولم تكن عصا”، كما تقول، فما هو الحافز الآن للالتزام بالقواعد؟
كيف حال الناس في طرابلس؟
حتى قبل الهجوم، كانت طرابلس تئن تحت وطأة المهجرين داخلياً الذين فروا من القتال في أماكن أخرى من البلاد، لقد عانى سكان المدينة لسنوات طويلة من إمدادات الطاقة المتقطعة، والتضخم المرتفع، والعملة المتراجعة، وتفشي العنف بشكل متقطع، لا تزال الظروف في معسكرات احتجاز المهاجرين في المدينة -نتيجة للاتجار بالبشر الذي ازدهر وسط عدم الاستقرار- حيث تم توثيق الاكتظاظ ونقص الغذاء والتعذيب والعنف الجنسي على نطاق واسع.
لكن تقدم حفتر قد يزيد الوضع سوءًا، تقول “هيومن رايتس ووتش”: إن المقاتلين من الجيش الوطني الليبي ارتكبوا هجمات عشوائية على المدنيين، والإعدام دون محاكمة للمقاتلين الأسرى، والاحتجاز التعسفي، وحتى لو كان قادرًا على تحقيق نصر عسكري، فإن المحللين يشككون في أن حكم حفتر سيحقق الاستقرار، يقول هلترمان من مجموعة الأزمات الدولية (ICG): حفتر لا يحظى بشعبية كبيرة في العديد من الأماكن، ونظراً لحالة ليبيا المجزأة وانتشار الجماعات المسلحة، سيكون من الصعب للغاية فرض حكمه في جميع أنحاء البلاد.
_________________________
المصدر: موقع مجلة “Time” الأمريكية.