أثارت الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، عبر انقلاب عسكري، العديد من الأسئلة والمخاوف بدولة جنوب السودان، خاصة وأنه كان يمثل الضامن الرئيس لاتفاق السلام، بين حكومة جوبا والمعارضة.
ففي 5 سبتمبر 2018، جرى التوقيع على اتفاقية السلام بين فرقاء جنوب السودان، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد مباحثات شاقة استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم.
ومنح الاتفاق البشير حق الإشراف على تدريب الجيش الموحد في جنوب السودان، وتأمين حقول النفط، علاوة على كونه المضيف الرئيس لزعيم المعارضة المسلحة ريك مشار، الذي لا يزال مقيماً بالعاصمة السودانية الخرطوم، إلى جانب عدد من قادة الفصائل المسلحة الموقعة على الاتفاق.
والخميس الماضي، أطاح انقلاب عسكري بالرئيس عمر البشير (1989-2019)، نفذه وزير الدفاع عوض بن عوف، الخميس الماضي، الذي تنازل في اليوم التالي عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى قيادة البلاد، للفريق عبدالفتاح البرهان.
وتمت الإطاحة بالبشير، بينما كان يتهيأ لزيارة جنوب السودان، الأسبوع القادم، للقاء الرئيس سلفاكير ميارديت، لبحث كيفية تجاوز العقبات التي تعترض تنفيذ اتفاق السلام، مع اقتراب نهاية الفترة ما قبل الانتقالية، وتكوين الحكومة الانتقالية الجديدة، مايو المقبل.
وفي هذا السياق، قال رزق دومنيك، المدير التنفيذي المكلف لدى مكتب رئيس جنوب السودان، الأحد، في تصريحات للصحفيين بجوبا: “لا مخاوف (على اتفاق السلام في بلاده) حول ما يحدث في السودان من احتجاجات شعبية، وعزل البشير”.
وشدد دومنيك على أن “سلام جنوب السودان سيدوم، لأنه ملك للشعب، ولن يتأثر بالتحولات الجارية في السودان”.
وأضاف أن “سلفاكير مهتم بما يجري في السودان، ويتابع عن كثب تلك الأحداث”، دون مزيد من التفاصيل.
وأكد دومنيك مضي الحكومة قُدما في تطبيق اتفاقية السلام، بحسب الخارطة المتفق عليها من قبل الأطراف.
وتابع أن الحكومة الانتقالية ستشكل في مواعيدها، في مايو المقبل.
وبالنسبة لماوين ماكول، المتحدث باسم الخارجية، فإن الحكومة لا تزال متفائلة في أن يواصل رئيس المجلس العسكري السوداني عبدالفتاح البرهان ما بدأه البشير، عبر دعم تنفيذ اتفاقية السلام، سيما وأن ملف الترتيبات الأمنية أشرفت عليه القيادة العامة للجيش السوداني خلال مباحثات السلام بين فرقاء جنوب السودان.
ونص الاتفاق على أن يقوم الجيشان السوداني والأوغندي بالإشراف على عملية تدريب وتوحيد قوات الجماعات المتحاربة في جنوب السودان، لتأسيس جيش قومي (وطني) جديد، قبل بداية الفترة الانتقالية، وتكوين الحكومة الجديدة.
وقال ماكول لـ”الأناضول”: “نحن نتابع الأوضاع الجارية في السودان عن كثب، ونطالب الحكومة الجديدة بالاستمرار في دعم تنفيذ اتفاقية السلام، والمواصلة في ذات الدور الذي بدأه البشير، بصفته الضامن الرئيسي للاتفاقية، خاصة وأن الجيش السوداني كان المسؤول عن ملف الترتيبات الأمنية الذي وقعت عليه الحكومة والمعارضة”.
يشار إلى أن البشير نجح في الضغط على الحكومة والمعارضة المسلحة، للتوقيع على اتفاقية السلام؛ بعد أن فشلت وساطة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيجاد) في ذلك، لأنه كان يملك ببساطة العديد من أوراق الضغط على حكومة سلفاكير.
وترغب حكومة جوبا في إعادة ضخ النفط، في أنابيب تمر على الأراضي السودانية إلى الأسواق العالمية عبر ميناء بورتسودان (شرق)، خاصة بعد أن انخفضت نسبة الإنتاج بسبب الحرب (منذ عام 2013)، وهذا لم يكن ليتم إلا بموافقة البشير.
وقام البشير بتوظيف هذه الورقة للضغط على سلفاكير، للموافقة على الجلوس مع غريمه التقليدي مشار، المقيم في الخرطوم، ومعه جميع الفصائل والجماعات المسلحة التي تحارب حكومة جوبا.
من جهته، قال أقوك ماكور، عضو المكتب السياسي للمعارضة المسلحة الموالية لمشار: إن ما حدث في السودان من انقلاب على البشير لن يؤثر علي سير تنفيذ الاتفاقية التي دخلت مرحلة متقدمة من التنفيذ.
وأشار ماكور، لوكالة “الأناضول”، إلى أن “بيان الانقلاب العسكري الذي تلاه عوض بن عوف، تحدث عن التزامهم بجميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية والمحلية، ومن ضمنها بكل تأكيد اتفاق سلام جنوب السودان”.
أما جيمس أوكوك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا، فيرى أن التغيير الذي وقع في السودان جرى على مستوى الأفراد وليس المؤسسات، ولم يؤد إلى تغيير جذري يخيف الناس، ولن يكون له تأثير كبير على عملية السلام في جنوب السودان، التي تمت برعاية البشير.
وقال أوكوك: ذهاب البشير لن تكون له تأثيرات على اتفاق السلام في جنوب السودان، فالمجلس العسكري الجديد سيتمسك بعلاقاته مع جوبا، للتأكيد على أنه يحظى بتأييد من دول الجوار.
وتوقع استمرار نفس الدور السوداني في مجالات النفط والدبلوماسية، وقد يقوم المجلس العسكري، أيضاً بفتح الحدود بين البلدين أمام حركة التجارة، وسيحرك العلاقات بطريقة أسرع من الأول.
جدير بالذكر أن نجاح البشير في دفع أطرف العملية السلمية بجنوب السودان للتوقيع على اتفاق السلام، يعود لمعرفته اللصيقة بجنوب السودان، منذ عقود طويلة، حيث قاد فرقة للجيش السوداني ببلدة “ميوم”، الواقعة بولاية الوحدة، شمالي جنوب السودان، في ثمانينيات القرن الماضي أثناء فترة الحرب الأهلية (1955- 2005).
وبعد تولي البلاد حكم السودان، عبر انقلاب عسكري في عام 1989، قاد مبادرات سلام عديدة مع “الحركة الشعبية” المتمردة على حكومته آنذاك بجنوب السودان، حيث تمكن من التوصل معها لاتفاق سلام في يناير 2005، أصبح بموجبه سلفاكير نائباً له لفترة ست أعوام، انتهت بانفصال جنوب السودان عبر استفتاء في عام 2011، كان البشير أول المعترفين بنتائجه.