مثّلت الأزمة الجديدة التي يعيشها حزب “نداء تونس”، أثناء وأعقاب انعقاد مؤتمره الأول الأسبوع الماضي، بعد 7 سنوات من تأسيسه، منعرجاً جديداً في تاريخ الحزب الذي لم تهدأ عواصف الخلافات داخله منذ تأسيسه، واستمرت بعد فوزه في الانتخابات عام 2014، ثم تراجع عدد مقاعدة من 86 مقعداً عام 2014 إلى أقل من 40 مقعداً حالياً.
فقد تحوّلت الأزمات من حوادث الشجار، ثم مغادرة المنافسين لنجل الرئيس التونسي الحالي الباجي قايد السبسي، حافظ قايد السبسي، على قيادة الحزب وتكوينهم أحزاباً أخرى، إلى حسم منجز فيه، والدعوة إلى إبعاده بتعبير رئيس كتلة نداء تونس في مجلس نواب الشعب، سفيان طوبال، من الصفوف الأمامية للحزب.
نتائج غير محسومة
انطلق المؤتمر الانتخابي للنّداء يوم 6 أبريل، تحت رقابة الإعلام وعدول التنفيذ والمهتمين بالشأن العام، وقد أسفر المؤتمر عن لجنة مركزية منتخبة بطريقة ديمقراطية، وتم فتح باب الترشحات للمكتب السياسي ليتمّ انتخاب وتزكية لجنة توافقية من 32 عضواً، وبعد انتخاب المكتب السياسي وتزكيته تم انتخاب سفيان طوبال رئيساً للجنة المركزية من قبل اللجنة.
وأعلنت رئيسة المؤتمر أن الانتخابات صحيحة ورفضت الطعون المقدمة، معتبرة ذلك هنّات لا تؤثر على شرعية الانتخابات ونزاهتها، وهنا دب الخلاف بين مجموعة حافظ قايد السبسي، وأغلبية المؤتمرين الذين انحازوا كما يبدو من الأرقام لسفيان طوبال، فتوجه السبسي الابن إلى المنستير، الساحلية، وطوبال ومن معه إلى الحمامات (السواحل الشرقية).
حيث سجل أكثر من 118 عضواً من اللجنة المركزية حضورهم في مؤتمر الحمامات، يوم السبت الماضي، تحت رقابة عدول تنفيذ، كما تم التصويت ببطاقات الهوية، وقال القيادي عبدالعزيز القطي: إن 118 عضواً صوّتوا منهم 115 لصالح سفيان طوبال.
في حين أنّ اجتماع حافظ قايد السبسي حضره على أقصى تقدير 88 عضواً؛ وبالتالي طوبال هو الذي تحصل على أغلبية الأصوات، حسب القطي، مضيفاً: ما قام به حافظ انقلاب فلكلوري لن يمكنه من الوصول إلى أي نتيجة، حسب تعبيره.
وقال أنصار حافظ: إن اجتماع المنستير رغم ما حصل فيه باطل، وما بني على باطل فهو باطل.
فهل سيكون الخارج من حزب نداء تونس هو ابن المؤسس كما يصفونه، حافظ قايد السبسي، إذا لم يقبل بالنتائج التي أعلنها المجتمعون في الحمامات، ولم يقبل برئاسة جماعية لحزب النداء، إذا قبل بذلك الطرف الآخر، لا سيما وأن الانقسام لم يقف عند شخصي الممثل القانوني قبل المؤتمر، حافظ قايد السبسي، ورئيس الكتلة سفيان طوبال الذي أضاف لقاء الحمامات له صفة أخرى هي رئاسة اللجنة المركزية للحزب، ورئاسة المكتب السياسي، بل قسمّت اللجنة المركزية ذاتها التي تضم 217 عضواً، حيث عقد السبسي الابن جلسته المؤتمرية في المنستير، بأقل من 100 عضو، وعقد أنصار طوبال جلسته الموازية في الحمامات بأكثر من 115 عضواً، واعتبر كل طرف أنه الجهة التي تمثل القانون الأساسي للحزب، والجهة الرسمية التي خولها المؤتمر لقيادة حزب نداء تونس في المرحلة القادمة، إلى حين عقد الحزب مؤتمره الثاني.
من هو الشرعي؟
وقد تبادل الطرفان الاتهامات، فقد ذكر رئيس الهيئة التأسيسية لحزب نداء تونس، حافظ قايد السبسي، أن هناك مجموعة من الندائيين لم يستجيبوا لدعوة الحزب لحضور بقية أشغال المؤتمر في مدينة المنستير، السبت الماضي، واختاروا، على حد قوله، اجتماعاً موازياً في الحمامات، واعتبر السبسي الابن أن النداء المجتمع في المنستير هو الشرعي وهو الذي يتمتع بالصلاحيات القانونية.
بينما أكد سفيان طوبال أن حفاظ قايد السبسي يجب ألا يكون في الصفوف الأمامية للحزب، خاصة وأنه يأتي بدعوة من رئيسة المؤتمر لعقد اجتماع اللجنة المركزية التي لم يتم الطعن فيها، على حد قوله.
وأكد طوبال بأن حافظ قائد السبسي يجب ألا يكون في الصفوف الأمامية للحزب، كما اعتبر طوبال أن اجتماع الحمامات “قانوني”، خاصة وأنه يأتي بدعوة من رئيسة المؤتمر لعقد اجتماع اللجنة المركزية التي لم يتم الطعن فيها، ملاحظاً أن رئاسة المؤتمر اتخذت كل الإجراءات القانونية اللازمة لتدور عملية الانتخاب في كنف احترام القانون وخاصة بحضور العدول المنفذين ورئيس اللجنة القانونية للحزب ورئيسة المؤتمر.
ملفان لنتائج مؤتمر واحد
ساهم المؤتمر الانتخابي لحركة نداء تونس في مزيد تعميق أزمة الحزب المزمنة التي لازمته منذ تأسيسه ولا سيما بعد انتخابات عام 2014م، وقد انجر عن الخلاف الحاصل حول نتائج المؤتمر تشتّت أعضاء اللجنة المركزية بعد أن اصطف البعض منهم خلف سفيان طوبال والبعض الآخر خلف حافظ قايد السبسي.
وقد أكد رئيس كتلة نداء تونس بالبرلمان سفيان طوبال أنه قام يوم الإثنين 15 أبريل بإيداع الملف القانوني للمؤتمر برئاسة الحكومة والوزارة المكلفة بالعلاقة مع المجتمع المدني إثر التغيير الذي شهدته قيادة الحزب، كما أعلن طوبال أنه تم غلق الملف قانونياً بعد عملية الإيداع، وهو ما أكده الموالون لحافظ قايد السبسي حيث قاموا بدورهم إيداع الملف القانوني للمؤتمر إلى رئاسة الحكومة والوزارة المكلفة بالعلاقة مع المجتمع المدني في نفس اليوم الذي أودعت فيه اللجنة المركزية بالحمامات.
القضاء هو الفيصل
وكان المؤتمر العام لنداء تونس قد قرر، الخميس الماضي، إلغاء نتائج انتخابات المكتب السياسي، وإسقاط القائمة التي تم التصويت عليها من اللجنة المركزية للحزب لوجود ما قال: إنه إخلال إجرائي، وهو ما نفته رئيسة المؤتمر التي اعتبرت الطعون لاغية قانونياً ولا ترقى لدرجة إلغاء نتائج التصويت، وهي نقطة الخلاف بين الطرفين المتنازعين داخل النداء، طرف يصر على التمسك بالمكتب السياسي الذي تم انتخابه في الحمامات، وطرف أعلن تأجيله للانتخابات إلى ما بعد 25 أبريل الجاري.
هذه الخلافات إن لم تحل بالتوافق بين الفريقين، وهو ما تسعى إليه بعض القيادات من الشقين، فإن القضية ستكبر وستتحول إلى القضاء للبت فيها، وهذا ينقل ملف حزب نداء تونس من الخلاف إلى الانشقاق، فمغادرة خصوم حافظ قايد السبسي للحزب إلى الاتجاه المعاكس حيث يسعى كل من الفريقين هذه المرة للقيادة وتخيير الطرف الآخر بين المغادرة أو التخلي عن الصفوف الأمامية.