بدا لازماً أن حزب العدالة والتنمية كان بحاجة للقاء تقييمي سريع وشامل في ظل التطورات التي ترافقت مع نتائج الانتخابات البلدية بتركيا في 31 مارس 2019م، التي خسر الحزب فيها بلديات أنقرة وإسطنبول وأنطاليا، ولم يستطع الفوز مجدداً على حزب الشعب الجمهوري في مدينة إزمير، وهذه المدن تشكل أكثر من ثلث سكان تركيا وما يقرب من نصف اقتصادها.
كان ضرورياً الوقوف عند الأسباب الرئيسة التي تتعلق بمشكلات داخل الحزب ومرشحيه، والأخرى التي تتعلق بالتحالف مع حزب الحركة القومية، والأسباب المتعلقة بالحملة والخطاب والتعامل مع تكتيكات المعارضة وتحالفاتها، هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بوضع البلاد الاقتصادي والسياسي الذي يديره حزب العدالة والتنمية.
ولهذا عقد حزب العدالة والتنمية مخيماً مغلقاً لقادته ومرشحيه هو المخيم التقييمي رقم (28)، وقد استمر 3 أيام في الفترة من 26 إلى 28 أبريل الماضي، أطلق عليه اسم “المخيم التشاوري التقييمي 28″، بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، وعدد من الوزراء.
لقد كانت إحدى أهم رسائل المؤتمر للشعب التركي أن حزب العدالة والتنمية يحترم رأي الشعب، وقد فهم رسالته، وها هو يحاول الوقوف على النقاط التي أخطأ فيها ويسعى لعلاجها بالسبل المناسبة.
تناول المؤتمر كافة السلبيات التي تمت مواجهتها خلال فترة الانتخابات من قبل المرشحين ومسؤولي الحزب في المدن.
وقد قال بعضهم: إن النتيجة كانت واضحة من قبل التوجه لصناديق الاقتراع، وأرجع البعض ذلك لعدم تحمل المسؤولية بشكل كافٍ من قبل بعض الكوادر، وقد تحدث أردوغان خلال كلمته في المخيم أنه يتابع عمل تشكيلات الحزب في كل المدن بالتفصيل، وأنه سيتم محاسبة المقصرين، وأرجع البعض ذلك للسياسات التي أفقدت الحزب أصوات مؤيديه، وقد تم النقاش في جو هادئ بالرغم من الانتقادات الداخلية والآراء المختلفة.
وألقى بعض المتحدثين كلمات هدّأت من حدة الانتقادات الموجهة لرؤساء الحزب في أنقرة وإسطنبول، حيث قال أحد المتحدثين لرئيس الحزب في أنقرة: أهنئك بالفوز بـ22 منطقة من أصل 25 في أنقرة، وقد قمت بدورك بما يتوجب عليك.
مع أن المزاج العام بعد انتهاء المؤتمر في أوساط حزب العدالة والتنمية كان يتجه لإعادة الانتخابات، ومع إصرار الحزب على مواصلة حقه القانوني بمتابعة الاعتراضات الاستثنائية التي قدمها بسبب وجود عدد كبير من المعاقين ذهنياً الذين شاركوا في الانتخابات بالرغم من أنه لا يحق لهم ذلك، وكذلك قول الرئيس أردوغان في المخيم المغلق: إن لجنة الانتخابات لم تقل قرارها بعد، وإننا نقبل بهذا القرار أياً كان، ولكن أقول لكم: أن تواصلوا عملكم كأن الانتخابات ستعاد في أي لحظة، إلا أن المسار الذي يسير فيه حزب العدالة والتنمية الآن الذي عبر عنه الرئيس أردوغان بمصطلح تحالف تركيا الذي يهدف لجمع أكبر قدر من الأحزاب والتأييد في تحالف واحد لترتيب استقرار وتطور البلد يجعل التفكير المنطقي لحزب العدالة والتنمية هو القبول بنتائج الانتخابات، بالرغم مما لذلك من سلبيات خاصة خسارته لبلدية إسطنبول.
كما أنه يوجد انقسام حالياً داخل الحزب بخصوص الموقف من إعادة الانتخابات في إسطنبول، حيث يرى البعض ضرورة النضال بكل قوة لإعادة الانتخابات بشكل قانوني، فيما يرى آخرون عدم صحة ذلك والتسليم بالنتيجة الحالية والعمل على العودة بقوة من خلال ترتيبات وتكتيكات سياسية جديدة.
أما الأمر الآخر فهو الحراكات التي بدأت لتشكيل أحزاب جديدة من شخصيات كانت مؤثرة سابقاً في حزب العدالة والتنمية مثل الرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وهي تحركات منفصلة عن بعضها، وقد انزعج الحزب من هذه التطورات، لكنه يرى أنها ليست تحركات مؤثرة، ويرى أن اهتمامه لا بد أن ينصبّ على توسيع التحالف الحالي مع الحركة القومية والقيام بتغيير إيجابي داخل الحزب وفي العلاقة مع المواطن.
سيعقد حزب العدالة والتنمية المزيد من اللقاءات التقييمية الداخلية لقسم الشباب وقسم النساء فيه بعد شهر رمضان، وسوف تستمر قيادة الحزب في التواصل مع أطراف سياسية ليبرالية وقومية لتوسيع التحالف الحالي، وقد ذكرت العديد من المصادر الصحفية التركية أن بعض الشخصيات المهمة من الحزب الجيد وأعضاء سابقين من حزب الشعب الجمهوري وكذلك حزب الوطن قد رحبوا بتصريح الرئيس أردوغان لتكوين تحالف تركيا، وهذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.
وحتى نكون دقيقين، فإن القرار النهائي حول اعتراضات حزب العدالة والتنمية على انتخابات بلدية إسطنبول لم يصدر بعد، وستحدده اللجنة العليا للانتخابات، وسيكون عاملاً مؤثراً في كل المسار المذكور.
وعلى كل الأحوال، فإن ملف الاقتصاد التركي والعلاقات مع القوى الكبرى وهي ملفات متشابكة ستبقى في قلب التحدي، وبالطبع سيكون التعامل معها أسهل في حال ترتيب الجبهة الداخلية التركية وتخفيف حدة استقطابها، والعكس صحيح.
______________________
(*) باحث مختص بالشأن التركي.