يصوم المصريون شهر رمضان الفضيل هذا العام بدون مشاهدة عادل إمام، لأول مرة منذ سبع سنوات متصلة.
واستأنف عادل إمام الخميس الماضي تصوير أحداث مسلسله الأحدث “فالنتينو” الذي يقوم ببطولته إمام وكان مقرراً عرضه خلال شهر رمضان الحالي، إلا أن المسلسل لم يوضع على خريطة القنوات بالشهر الفضيل، لسبب غامض.
وبدا أن “عوالم خفية” -وهو اسم آخر مسلسل لإمام العام الماضي- أدت دوراً في إبعاده، بعد طول خدمة في تلك العوالم.
وأرجع متابعون للشأن الفني قرار عدم عرضه على شاشات فضائيات تسيطر علي معظمها الأذرع الإعلامية للنظام الحاكم الفني لعدم تحقيق مسلسل العام الماضي نجاحاً كبيراً، ما اعتبر مؤشراً على أن عادل إمام افتقد الجاذبية الجماهيرية، في ظل تكاليف ضخمة لأعماله متضمنة أجره، لا يحصل عليها المنتجون مقابلاً لها.
وواظب الممثل المعروف على الظهور في المسلسلات الرمضانية في السنوات السبع الأخيرة، وهي على التوالي: فرقة ناجي عطا الله والعراف وصاحب السعادة وأستاذ ورئيس قسم ومأمون وشركاه وعفاريت عدلي علام وعوالم خفية.
تخفيضات الأجور التي هبطت بأسعار كل النجوم الفلكية لأقل من النصف، دعت العديد من الفنانين للتعبير عن سخطهم، ورغم ذلك شهد مسلسله عقبات لمنع وضعه على خريطة رمضان، دعت عادل إمام للتعبير عن احتجاجه “صحياً” برأي متابعين، أو ادعاء جهات ما أن وضعه الصحي لا يسمح له باستكمال مسلسله برأي آخرين.
وانتشرت في الوسط الفني شائعة تدهور صحة عادل إمام بل ووفاته، فخرج ابنه ومخرج مسلسله الأخير ـ والعديد من أعماله الفنية مؤخراً ـ رامي إمام ليعلن أن أباه بخير وأن ما جرى هو مجرد فحوصات طبية اعتيادية.
احتجاج صحي
وبدا لبعض المعنيين بالشأن الفني أن شائعة مرض الفنان هي “رسالة احتجاج” على تجاهل مسلسله في رمضان رغم طول ما قدمه من أعمال صب كثير منها في خدمة النظام الحالي ونظام مبارك.
وفي تصريحات لمؤلف المسلسل، أيمن بهجت قمر أواخر مارس الماضي قال: “إن تصوير المسلسل توقف منذ 10 أيام، ولا نعلم السبب”.
وكشف قمر ـ وهو أيضاً مؤلف عدد من الأغاني الحماسية الممجدة للسلطة الحالية ـ عن تعرضه لـ”ضغوط خلال هذه الفترة”.
وكتب منشوراً على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أنه “يعاني كثيرا” في هذه الفترة، بعد توقف الفيلم الذي يقوم بكتابته وكذلك تأجيل المسلسل.
وظل عادل إمام لفترة طويلة يقدم أعمالاً جسدت صورة سلبية للمتدين، بداية من اعتباره “إرهابياً محتملاً” وانتهاء باعتباره “انتهازياً مؤكداً”.
ووضعت هذه الأعمال عادلاً “إماماً” للفنانين مسبوقاً بلقب “الزعيم”، نسبة لمسرحيته الشهيرة التي حققت عوائد ضخمة، كما وضعت وزارة الداخلية حراسة عليه خوفاً من تعرضه للهجوم، إذ دأب شيوخ على الهجوم عليه بسبب ما اعتبروه “إساءة إلى صورة المتدينين”، رغم أن ابنته الوحيدة متزوجة من ابن قيادي بجماعة الإخوان المسلمون.
ودفع وضع عادل إمام اثنين من الكتاب المعروفين للحديث عن “وضعه الإنساني” والمطالبة بمعاملة “أفضل” له بتكريمه لا بـ”إهماله”.
وقال الكاتب سليمان جودة في مقال له بصحيفة المصري اليوم القاهرية تحت عنوان “عقاب عادل إمام”: إن “ما يزعج الفنان الكبير حقاً هو هذه الطريقة التي جرى التعامل بها معه مؤخراً.. فهي طريقة أدت إلى توقف تصوير أجزاء من المسلسل الذى كان يستعد به لدخول سباق دراما رمضان، وخروجه بالتالي من السباق، بعد أن ظل لسنوات مضت رقم واحد بلا منافس في هذه الدراما كلها!”.
واستدرك جودة بالقول :”لا ألوم أحداً على وجه التحديد، لأنى لا أعرف مَنْ بالضبط المسؤول عما جرى، لكن ما أعرفه أن عادل إمام وجد نفسه أمام طريقة من المعاملة لا تُريحه ولا تليق به، ولا بتاريخه، ولا بمسيرته العريضة، ولا حتى بالفن المصري ومكانته لدى المشاهد المصري، ثم المشاهد العربي على امتداد الوطن العربي وعواصمه!”.
وألمح الكاتب بطرف خفي لمن يقفون وراء هذه المعاملة بالقول: “هل نقول إنه يتأمل الآن تفاصيل ما جرى منذ بدأ تصوير المسلسل إلى أن توقف، ولسان حاله يقول: لا كرامة لنبي في وطنه!.. هل نقول إنه حاول التواصل مع الذين تمنى أن يجد عندهم حلا في الدولة فلم يجد باباً يطرقه؟!”.
ومن المعروف أن شركة إعلام المصريين المملوكة لأجهزة أمنية باتت هي المسيطر الأول على إنتاج الأعمال الدرامية، عقب استحواذها على مجال الإنتاج الدرامي في مصر، وامتلاكها لمعظم الفضائيات المصرية.
ووصف جودة “الذين كان في يدهم أن يفتحوا الطريق أمام المسلسل ليكتمل تصويره، ويدخل السباق، ثم لم يفعلوا وتخاذلوا”، أنهم “قد أخطأوا التقدير تماماً…وحرموا الفن المصري.. وهذا هو الأهم.. من فرصة لا تُعوض للتواجد الجاد على كل مائدة رمضانية عربية، بكل ما لهذا التواجد من جانب فنان في حجم عادل إمام من تأثير، ومن وصول، ومن نفوذ في الوجدان العربي، وفى العقل من بعد الوجدان، وبكل ما لذلك من استدراك واجب لتراجع ثقافي واضح لنا على الساحة العربية بامتدادها!”.
وتدور أحداث مسلسل فالنتينو حول “نور عبدالمجيد” الشهير بفالنتينو والذي يملك وزوجته مدارس دولية؛ ولكن تدور بينهما بعض الخلافات طوال أحداث المسلسل ومن هنا تبدأ المغامرة والمفاجآت.
مسلسل “فالنتينو” من تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج رامي إمام، بطولة عادل إمام، دلال عبد العزيز، رانيا محمود ياسين، بدرية طلبة، هدى المفتي، وسليمان عيد، وحمدي الميرغني.
والمسلسل الذي أحاطت به الشكوك منذ الأيام الأولى لبدء تصويره، ظل صناعه يؤكدون على لحاقه بالعرض في شهر رمضان المقبل، ونفى كافة الأقاويل التي ذكرت بشأنه.
ويتم الممثل المعروف في السابع عشر الأسبوع المقبل عامه الثمانين، ما دعا الناقد الفني المعروف طارق الشناوي للمطالبة بتكريمه بـ”احتفالية كبرى مصرية وعربية”، فهو برأيه “حالة كونية وليس فقط عربية، لم يستطع نجم في العالم كله أن يعتلى القمة بالأرقام على مدى 40 عاما”.
وتابع الشناوي في مقال له بصحيفة المصري اليوم “لأول مرة بعد 7 سنوات يغيب عادل إمام عن لقاء الجمهور في رمضان، إلا أنه حاضر دائما”.
وبغياب عادل إمام عن الشاشة في رمضان الحالي، يلحق بآخرين من المغضوب عليهم من الفنانين المحالين للاستبعاد بسبب احتجاجهم على تخفيض أجورهم.
وخلال الشهور الماضية اندلعت استغاثات فنانين ومخرجين بالجماهير لإنقاذهم من البطالة، في أعقاب قرار شركات الإنتاج والفضائيات المملوكة لأجهزة أمنية تخفيض الأجور المليونية للفنانين، وتقليص ميزانيات الإنتاج.
وبلغ الأمر حد الشكوى العلنية على قارعة مواقع التواصل، فالممثلة المعروفة بأدوارها الجريئة والمثيرة، غادة عبدالرازق، استغاثت بجمهورها قائلة: يا جمهور، أنا أحارب من قبل مجموعة اسمها إعلام المصريين، لا يريدونني أن أعمل في الدراما، لا أنا ولا ممثلين آخرين مثلي، ويتحدثون باسم الجيش أو المخابرات”.
وكان من الغريب ألا توجه الممثلة استغاثتها لـ”راعي الفنون والآداب والبيئة”، عبدالفتاح السيسي رأس النظام المصري، الذي جمع الفنانين ذات يوم في مسرح الجلاء، وقال لهم وهو لايزال وزيرا للدفاع: إحنا نموت الأول قبل ما حد يمس المصريين.
ربما كان من الأولى أن يقول السيسي وقتها إنه لن يترك أحداً يمس شركة إعلام المصريين المنتجة للدراما والأفلام والمالكة لفضائيات، وليس المصريين أنفسهم، إذ شهد العام الحالي تسريح مذيعين طالما مجدوا النظام المصري، وامتدحوا سياساته الطاحنة للمصريين، وها هو الآن يحيل للتقاعد فنانيه الذين استغاثوا به من “فاشية حكم الإسلاميين المقيدة للفن”، رغم طمأنة الرئيس محمد مرسي للفنانين في اجتماعه بهم بالقصر الجمهوري عام 2012م.
ونشرت المخرجة كاملة أبوذكري تدوينة على صفحتها منذ فترة، حذرت مما يتم تحضيره للفنانين وصناعة الفن عموماً، “التي يعيش عليها أكثر من مليوني شخص”.
وقالت أبوذكرى “هذا العام، كل هؤلاء سيجلسون في منازلهم بلا عمل، حيث تم إيقاف أغلب المسلسلات”.
وعلق الصحفي والناقد الفني مصطفى عمار على موقف غادة عبدالرازق بالقول إن كلامها سيتسبب في حدوث تغير كبير بالخريطة الإعلامية، لأن كل نجم تم استبعاد مسلسله لو كتب كلاماً مشابها لها، ستكون شركة إعلام المصريين في أزمة حقيقية وخطيرة.
وأشار عمار إلى أن الوقت الذي شهد استبعاد أسماء نجوم كبار من العمل في دراما رمضان تم الإعلان عن التعاقد مع الممثلة مي عزالدين لبطولة مسلسل “البرنسيسة بيسة”.
وأكد عمار أن كلام غادة بداية حملة كبيرة ستكشف أسراراً كثيرة.
واعترف عمار بعجزه عن تحديد من يجب حسابه، هل يجب حساب من يستخدم اسم هذه المؤسسات في إدارة منظومة إعلامية أم الفنانين الذين لا يقتنعون بتخفيض أجورهم ليقدموا مسلسلاتهم، مؤكدا “نحن في وضع سيّء للغاية”.
بداية الشراكة
في منتصف عام 2016، أُعلنت شراكة بين شركة بلاك اند هوايت التي يديرها ضابط مخابرات سابق، وبين شركة سينرجي لصاحبها تامر مرسي.
وأنتجت الشركتان أعمالًا عدة منها «الطبال، أزمة نسب، و7 أرواح، بلبل وحرمه، إعصار سونالي»، كما أنتجت «مأمون وشركاه، وأبو البنات، والقيصر، وشهادة ميلاد، وكفر دلهاب، وعفاريت عدلي علام».
ورغم معظم سطحية الأعمال المذكورة، بل واستهدافها بالتدمير ثوابت المجتمع وقيمه الإسلامية، إلا أن ياسر سليم المدير التنفيذي للشركة المنتجة “إعلام المصريين” كتب على صفحته الشخصية قائلا: “من حقنا أن يدخل بيوتنا إعلام نظيف، ينتقد بموضوعية ويوضح الإنجازات، من حقنا ما ألا نرى كذباً ولا تحريضاً ولا إسفافاً”.
ولا يخفي سليم عداوته لثورة يناير، ويعلن دومًا رفضه للربيع العربي، ويجده محاولة لإسقاط الدول العربية.
ويرى سليم في الدراما المصرية أنها بمثابة القوى الناعمة لمصر والتي أهملت خلال الفترة الأخيرة، داعيا الجميع للتعاون معه لإنقاذها لأن بنهضتها ننهض ثقافيًا وفنيًا واقتصاديًا أيضًا.
وفي تصريحات سابقة انتقد أجور كبار النجوم والإعلاميين، ودعا إلى مقارنتها بما يقدمونه للناس، مؤكداً أن الأجور العالية بلا خدمة حقيقية تؤثر في نفوس الناس، وعلى العكس تزيد من سخطهم.
فشل
ويقول هشام قاسم مدير عام مؤسسة المصري اليوم السابق أن خطة الاستيلاء على الإعلام فشلت فشلاً ذريعاً، فجرى تسريح المذيعين، تماماً كما فشلت خطة إغراق السوق ببرامج ومسلسلات بملايين الجنيهات بعض أصحابها اغتنوا والبعض الآخر خسروا أموالهم.
وتقرر الآن تقليل المصاريف، لتدخل شريحة جديدة من المضارين في أكل عيشهم كما جرى للعاملين في برامج الحوار السياسية والإخبارية.
ويتوقع قاسم ألا يجد المصريون ما يشاهدونه عقب الإفطار في رمضان المقبل كما اعتادوا كل عام، وهو ما يشكل خطورة على النظام الذي اعتاد إلهاء المصريين عن أزماتهم المعيشية بالأعمال الدرامية المغرقة في التفاهة.
ويرى المحلل السياسي أحمد فريد مولانا فيما نشرته الممثلة غادة عبدالرازق دلالة مهمة، فمجموعة إعلام المصريين التي تشرف عليها كمندوبة لجهات سيادية الوزيرة السابقة داليا خورشيد زوجة طارق عامر رئيس البنك المركزي، تعمل على فرض هيمنة كاملة على ملف الإعلام والفن، فيما يبدو لتوحيد الإشراف المركزي ومنع تشتت الجهود، وتضارب الولاءات لهذا الجهاز أو ذاك، وترشيد النفقات.
واشترت المجموعة سابقاً اليوم السابع، وصوت الأمة، ومجموعة قنوات أون تي في، وحصة كبيرة في مجموعة قنوات السي بي سي، وغيرها من القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية.