عندما تمت شيطنة جماعة الإخوان المسلمين من قبل بعض الدول الخليجية وتبعها عدد من الدول العربية، أُشيع وقتها أن السبب في ذلك هو الخوف من انتقال موجات “الربيع العربي” إلى الخليج، وطبعاً تبنى هذا التبرير الخطاب الإعلامي في هذه الدول وتم توجيهه إلى عامة الناس! أما الطبقة المثقفة والعالمون ببواطن الأمور فيدركون جيداً أن هذه الجماعة والتيارات المحسوبة عليها لم يكن في أجندتها تغيير الأنظمة ولا زعزعة أمن دولها، لأنها جماعات مسالمة لم ولا تتعاطى مع العنف، وأنها تؤمن أن أي زعزعة للأمن ستبوء بالفشل، ولعلنا نذكر مسيرة كرامة وطن بالكويت التي اتهم الإخوان بتحريكها وكيف أنها مع أول إلقاء قنبلة مسيلة للدموع عليها تفرق المشاركون وأصبحوا شذر مذر! هذا أقصى ما بوسع هذه التيارات القيام به، التعبير عن رفض الفساد بالطرق السلمية، ثم تبين أن الهدف من هذه الشيطنة هو التمهيد وتهيئة الأجواء لتقبل “صفقة القرن”؛ وذلك بتقييد وتحجيم كل من هو متوقع أن يعرقل هذه الصفقة بين دولة الاحتلال الصهيوني والعرب! كما كان لتبرير مقاطعة قطر بحجة احتضانها لهذه الجماعة “المشيطنة!” مما أحرج عدداً من قياداتها الموجودة في قطر فاضطروا لمغادرتها إلى لبنان وتركيا وتونس.
اليوم وبعد أن تم تقييد حركة هذه الجماعة وقمعها في بعض الدول وزج العديد من قياداتها في السجون وضعف تأثيرها في مجتمعاتها، يأتي الدور على فصل آخر من فصول التمهيد لـ”صفقة القرن” وهو نية ترمب الإعلان أن هذه الجماعة إرهابية! هذا الإعلان سيمهد الطريق لدولة الكيان الصهيوني لضرب المناهضين لها في كل مكان بحجة مكافحة الإرهاب، وهي الحجة الرائجة اليوم وجواز سفر لكل من أراد قمع خصومه وفرض الأمر الواقع ولو خالف جميع العهود والمواثيق!
ومشكلة الرئيس الأمريكي في تبرير خطوته لم تأت من الشرق الأوسط، أو احدى الدول الإسلامية، بل جاءت من داخل المؤسسات التشريعية في واشنطن، حيث إنهم لم يقتنعوا بتبريرات رسمية قد تقال لدول وأنظمة شرق أوسطية، لكنها لا يمكن تصديقها من قبل رجال الكونجرس الأمريكي الذين يرون في هذه الجماعة نموذجاً للجماعة الإسلامية الوسطية التي تسعى لتحقيق أهدافها بالوسائل السلمية، التي لم تمارس العنف طوال مسيرتها السياسية والدعوية.
المشكلة أن التأييد جاء لترمب من بعض رموز الليبراليين في دولنا، الذين لم يخجلوا وهم يطالبون ترمب بقطع دابر هذه الجماعة، حتى اعتبر أحد “دكاترة” جامعة الكويت أن هذا القرار -قرار شيطنة الإخوان- جاء متأخراً! ويعلن في برنامج “الصندوق الأسود” تأييده لكل إجراءات القتل والتعذيب والتهجير التي تعرضت لها رموز هذه الجماعة!
وزير إعلام سابق يتباهى دائماً بتوجهه الليبرالي يعلن تأييده لترمب في قراره الذي ينوي على إصداره، وكم كنت أتمنى أن يرتقي خصومنا في خصومتهم، ويواجهوا التيار الإسلامي بالحجة والمنطق بدلاً من الاستعانة بالغرب للقيام بهذا الدور نيابة عنهم!
إن السقوط المتوالي للتيار الليبرالي الخليجي والكويتي بالذات أصبح ظاهرة في هذا الزمان، فانكشفت حقيقة توجهاتهم التي يؤمنون بها بخلاف ما كانوا يعلنونه طوال عقود من الزمان ضللوا فيها الناس عندما كانوا مسيطرين على الإعلام، فلما أصبحت الحقيقة سهلة الوصول ظهرت انتكاستهم مع أول اختبار! ولعل هذا يبرر عدم حرصهم على الاحتفاظ بمبنى مجلة “الطليعة” وترخيصها بعد أن أدركوا أن الناس كشفت حقيقة ما كان يكتب فيها والأكاذيب التي كانت تمتلئ بها صفحاتها!
نتمنى أن يتقبل الله من جميع المسلمين صيامهم وقيامهم وأن يكون شهر خير وبركة تعتز فيه الأمة وتنتصر لشعوبها وقيمها وعقيدتها، وكل عام والجميع بخير وأمن وأمان.
____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.