توجه زعيم حزب حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي يوم الثلاثاء 14 مايو إلى باريس بدعوة رسمية من السلطات الفرنسية تستغرق أسبوعا كاملا، يلتقي فيها كبار المسؤولين الفرنسيين، ويلقي محاضرات في مراكز بحوث ودراسات فرنسية.
ويبدو أن العلاقات بين تونس وفرنسا، إلى جانب الوضع في ليبيا والوضع الإقليمي عموماً، سيكون من أبرز النقاط التي سيتناولها الغنوشي والوفد المرافق له، في باريس.
وزن “النهضة”
وتأتي الدعوة في أعقاب تصريحات للرئيس الفرنسي، ذكر فيها بأن “مشكلة فرنسا مع ما وصفه بـ”الإسلام السياسي”، وتبدو الدعوة تكفيراً عن تلك التصريحات، وتصحيحاً لها بكون ما يصفه بالإسلام السياسي جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكل.
وقالت القيادية في حزب حركة النهضة محرزية العبيدي، عضو مجلس الشعب، ممثلة عن الجالية التونسية بفرنسا، لـ”المجتمع”: الزيارة فيها جانب رسمي، وجانب أكاديمي، وجانب شعبي، حيث سيلتقي الشيخ راشد الغنوشي، مع المركزية الخارجية الفرنسية، والحكومة الفرنسية، ومراكز دراسات وبحوث أكاديمية، إلى جانب لقاءات مع الجالية التونسية في كل من باريس ومرسيليا وترتيب لقاءات مع كبار المسؤولين فيها، وأكدت أن علاقة تونس بفرنسا تاريخية، والتصريحات لا تفهم من ظاهرها، بل من دوافعها، وفرنسا تدرك من خلال مواكبتها للوضع السياسي في تونس أهمية حزب حركة النهضة، كحزب مسلم ديمقراطي، كما يقدم نفسه، وله قراءته للإسلام وقيمه، ودوره في الحضارة الإنسانية، كما أن حزب حركة النهضة حزب ديمقراطي، بل من الضامنين الأوائل للمسار الديمقراطي في تونس، وغرس الديمقراطية في هذه التربة، وتلك كانت رؤيته قبل الثورة وبعدها ولديه إصرار على إنجاح المسار الديمقراطي، وبناء العلاقات الدولية بروح السلام وعلى أساس تبادل المنافع ودرء كل ما يفسد ذلك من أقوال أو أفعال، وهذا لا يخفى على بلد مثل فرنسا.
عودة “بن علي”
جاءت الزيارة تزامناً مع حديث في تونس حول عودة بن علي وأخبار متضاربة عن وضعه الصحي، بين سياسيين يطمعون في أصوات التجمعيين، وآخرين يزعمون الحديث باسم المخلوع، وقد نشر أحد المحامين الذي يزعم أنه يمثّل بن علي رسالة زعم فيها أنها لبن علي يدعو فيها بعض السياسيين إلى عدم إقحامه في الدعاية السياسية والاستثمار السياسي لوضعه.
واستبعدت العبيدي إمكانية أن يكون موضوع عودة بن علي على قائمة المحاور التي سيتناولها الغنوشي مع السلطات الفرنسية، وقالت: أستبعد ذلك، لأننا نعيش في بلد فيه دستور وقانون، والقضاء قال كلمته في القضية، وبالتالي نترك للقضاء يقول كلمته في المخلوع وفي غيره، وواصلت: هناك ذاكرة شعبية قوية، ووثائق وشهادات وأحكام قضائية وهو مطلوب للقضاء وعليه الامتثال لذلك.
وبخصوص إمكانية إصدار عفو خاص عن بن علي أجابت: عند حصول هذه الأشياء وهي مستبعدة جداً، ستكون للشعب كلمته، فالأموال المنهوبة لم تعد، ودماء الضحايا لم تجف، وجراح الضحايا لم تندمل، ومسار العدالة الانتقالية لم يكتمل بعد، والشعب لديه إحساسه بالكرامة وبالظلم وبالعدل.
وأكدت أن الشعب التونسي لا يريد عدالة انتقامية، ولكن عدالة عادلة فيها الاعتراف والاعتذار وجبر ضرر الضحايا وبعد ذلك يأتي العفو الإنساني.
الملف الليبي
وحول التطورات الحاصلة في ليبيا منذ الهجوم المسلح للضابط المتقاعد من الجيش الليبي خليفة حفتر في بداية شهر أبريل الماضي، الذي فشل في تحقيق أهدافه حتى الآن، وخلف مئات القتلى وآلاف الجرحى وخسائر بالمليارات في جانب المقدرات الاقتصادية والتنموية في ليبيا، علّقت محرزية العبيدي عن ذلك بالقول: حركة النهضة تتبنى الموقف الرسمي للدولة التونسية، وهي على نفس المسافة من كل الفرقاء الليبيين، وهدفها أن يسكت صوت المدافع ليسمع صوت الإنسان، وأن يسكت خطاب الفتنة، ويسمع صوت الحكمة، وأن يستبدل التخريب بالبناء، والحرب بالسلم، وإهدار المال العام بالتنمية والرخاء، وأردفت: نحن ندعو كل الأشقاء في ليبيا إلى التصالح من أجل بلدهم وشعبهم.
كما يأتي في ظل الحراك الشعبي في الجزائر والسودان، والمستجدات في الخليج بعد الحشد العسكري الأمريكي الإيراني وحوادث استهداف المنشآت النفطية في كل من الإمارات والسعودية.
تزامن الزيارة مع وجود حفتر
تزامنت زيارة رئيس حركة النهضة إلى باريس مع زيارة يؤديها خليفة حفتر، إلى باريس وفق ما ذكره تلفزيون “218” الليبي القريب من برلمان طبرق، الذي ذكر بأن حفتر موجود في باريس منذ 15 مايو؛ أي بعد يوم واحد على تاريخ حلول الغنوشي ضيفاً رسمياً عليها، وهو ما أكدته الرئاسة الفرنسية في بيان لها يوم الأحد الماضي.
كما تأتي زيارة كل من الغنوشي، وحفتر، إلى باريس بعد الزيارة المهمة التي قام بها رئيس الحكومة الليبية المعترف بها دولياً فائز السراج إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، ويبدو أنه رفض الجلوس مجدداً مع حفتر، بناء على قرار حكومته بعد شنه للحرب قبل أقل من أسبوعين من بدء مؤتمر للمصالحة في ليبيا.
ونفت القيادية في حزب حركة النهضة علمها بزيارة حفتر إلى باريس تزامناً مع زيارة الغنوشي، وإمكانية الطلب من حزب حركة النهضة أداء دور الوساطة في القضية الليبية.
وكان كثيرون قد استبعدوا أن تكون زيارة كل من الغنوشي، وحفتر إلى باريس في وقت واحد محض مصادفة، ورجحوا أن تكون زيارة الغنوشي لتفعيل دوره ودور حركته في الملف الليبي للوساطة بين الطرفين، ولكن بنظرة فرنسية مختلفة عن الماضي، حيث راهنت باريس على حفتر ودعمته إلى جانب دول عربية في المنطقة ولكنه فشل في الحسم السريع لمعركة طرابلس، وهو ما مثّل نقطة تحوّل في الموقف الفرنسي وفق مراقبين، حتى لا تفقد فرنسا موقعها ومصالحها في ليبيا وسط منافسة أمريكية وإيطالية وبريطانية.
العلاقات التونسية الفرنسية
أشارت القيادية في حزب حركة النهضة إلى أهمية الزيارة في تدعيم العلاقات التونسية الفرنسية، واستجلاء الكثير من المواقف، وتصحيح كثير من الأفكار المسبقة، وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات مبنية على الاستماع من الطرف المباشر، كما تكمن أهميتها، وفق العبيدي، في كونها تأتي على أبواب انتخابات برلمانية ورئاسية مهمة جداً في تونس، وما يريده حزب حركة النهضة ويعمل له، هو بناء دولة ديمقراطية متينة واقتصاد قوي وأجواء اجتماعية متوافقة وقابلة للعيش المشترك رغم الاختلاف.
وأردفت: نحن نعيش في منطقة حساسة جداً، والقضايا فيها تؤخذ بحساسيات كثيرة، والديمقراطية والاستماع إلى الآخر والقبول به والتعايش معه والتعاون هو هدفنا.