ها هي أيام رمضان الجميلة شارفت على الرحيل، اليوم 26 رمضان، والليلة ليلة 27 رمضان، التي اعتاد المسلمون الاهتمام بها، والتركيز عليها، للاجتهاد في العبادة والطاعة، ما لم يجتهدوا في أي ليلة سواها من العام، كيف لا وهم يحتسبونها «ليلة القدر» التي هي خير من ألف شهر، فلا غرابة أن نرى الدواوين أغلقت، والستائر أسدلت، واتجه الناس مبكرين لقيام هذه الليلة المباركة.
قد يقول قائل: لقد قصرت في هذا الشهر، انشغالاً أو تكاسلاً أو غير ذلك، فما تفيدني ليلة أو ليلتين؟! والرد ببساطة.. ما دام في العمر بقية، فليبذل كل منا ما استطاع إلى الله سبيلاً، ففي هذه الأيام الباقية يشتد العمل التعبدي ويتكثف ويزداد، خصوصاً أن الليالي الأخيرة جاءت في عطلة نهاية الأسبوع، فالأمر متاح وميسر للجميع.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “إن الخيلَ إذا شارَفَت نهايةَ المِضمار، بَذَلَت قُصارَى جُهدِها لتفوز بالسباق، فلا تَكنِ الخيلُ أفطَنَ منك، فإنما الأعمال بالخواتيم، فإنك إذا لم تُحسِن الاستقبال، لعلّك تُحسِن الوداع”.
وقال ابن تيمية رحمه الله: «العِبرةُ بِكمالِ النهاياتِ، لا بنَقصِ البدايات».
ويقول الحسن البصري رحمه الله: «أحْسِنْ فيما بَقَي، يُغْفَرُ لك ما مضى، فاغتَنِم ما بَقي، فإنك لا تدري متى تُدرِكُ رحمةَ الله”.
نعم.. لقد بقيت أيام قليلة من العشر الأواخر، التي فيها ليلة خير من ألف شهر، فلنقتصد في راحتنا، ولنقلّل من نومنا، ولنتعب في الطاعة، ولنتزوّد لآخرتنا، فرمضان «أيّاماً معدودات».
وقد اجتهد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟ فقال: «إنَّ الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها»، فلنخرج جميع ما عندنا من طاقة وطاعة وصدقة قبل بزوغ فجر شوال.
ولنحرص على موافقة «ليلة القدر» حتى لا نكون من المحرومين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرَم خيرها إلا محروم».
ونحتاج في ذلك إلى استثمار كل ساعة من النهار في قراءة القرآن، وكل ساعة من الليل في القيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سُدسه»، ونحن ننام كل النهار، ونسهر كل الليل، ونبحث عن مسجد يصلي القيام بساعة واحدة فقط! ولنحسن الدعاء بإخلاص إلى الله عز وجل، لأنفسنا ووالدينا وأهلينا وعيالنا وأرحامنا وبلدنا وحكامنا وعموم المسلمين، وتقبل الله طاعتكم.
*******
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، وله حاجة، فأبطأت عليه، فقال: يا عائشة، عليك بجُمَلِ الدعاء وجوامِعِه”.
فلما انصرفت قلت: يا رسول الله.. وما جمل الدعاء وجوامعه؟
قال قولي: “اللهم اني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك مما سألك به محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك مما تعوذ منه محمد صلى الله عليه وسلم، وما قضيتَ لي من قضاء فاجعل عاقبته رشداً”.