قررت الحكومة الباكستانية مؤخراً إجراء إصلاحات كبرى في المناهج الدراسية لأكثر من 30 ألف مدرسة إسلامية في مختلف أنحاء البلاد.
جاء ذلك بدافع القلق طويل الأمد من أن هذه المدارس التي يجري تمويلها من قبل القطاع الخاص، خارج نطاق الإشراف الحكومي، يمكن أن تُفرز خريجين غير ماهرين، ينغمسون في تفسيرات متعصبة لنصوص الإسلام.
وتشمل الإصلاحات، حذف فصول من الكتب الدراسية التي تغذي الكراهية، وإدخال مواد حديثة مثل العلوم والمهارات وتدريس اللغة الإنجليزية في المناهج.
وقال مسؤول بارز بوزارة التعليم في إسلام آباد، لـ”الأناضول”، طالباً عدم الكشف عن هويته: ستتحمل الحكومة العبء المالي لإدخال هذه الإصلاحات الرئيسة في المدارس، التي تعد مصدراً رئيساً للتعليم للأطفال الفقراء.
وأضاف أنه “سيتم دمج القيادات الدينية ورعاة هذه المؤسسات في عملية مراجعة المناهج”.
وشدد المسؤول على أن “هذه الإصلاحات ستساعد الطلاب على التخرج بالمهارات الحديثة”.
واعتبر أن هذه الخطوة “ستكشف عن أعداد كبيرة من الفرص الوظيفية، التي تتناسب وقدرات الخريجين من الكليات والجامعات وبمختلف المجالات”.
ووفقًا للخطة، التي لا تزال قيد المراحل التجهيزية، تستعد الحكومة لتأهيل المعلمين المختصين بتدريس اللغة الإنجليزية والمواد العلمية والمهارات في المدارس الإسلامية، علاوة على ذلك، سيتم تجهيز المدارس بمختبرات للعلوم.
وفي حين أن المدارس في باكستان غالباً ما تكون مسؤولة عن اصطباغ الطلاب بالتطرف، فإنها لا تزال تشكل المنافذ الوحيدة التي توفر التعليم الديني المجاني للأطفال الفقراء.
كما أنها توفر الطعام والإقامة المجانية على غرار نمط المدارس الداخلية.
تاريخ المدارس الإسلامية
تشير الأرقام الرسمية إلى أنه كان هناك 247 مدرسة إسلامية في باكستان عام 1947، في وقت تأسيس البلاد، ومنذ ذلك الحين تضاعفت الأعداد بشكل كبير.
وحتى قبل الحرب السوفيتية – الأفغانية التي بدأت عام 1979، واستمرت أكثر من تسع سنوات، ارتفع عدد المدارس الإسلامية إلى 2831 مدرسة في الثمانينيات، خلال فترة الحاكم العسكري للجنرال محمد ضياء الحق.
وأدى ضياء الحق دوراً رئيساً في الحرب الأفغانية، حيث أعلن أنها حرب جهادية ونظم مجاهدين أفغان لمحاربة القوة العالمية آنذاك.
إضافة إلى ذلك، شجع ضياء الحق الأحزاب الدينية على التدخل ونشر كوادرها في الحرب ضد السوفييت.
وقال مكمل شاه، أحد سكان دير، وهي بلدة في “خيبر باختونخوا”، لـ”الأناضول”: “بناءً على طلب من الأحزاب الدينية، شارك طلاب المدارس في الحرب الأفغانية، حيث تم إعلان الجهاد”.
وشارك شاه نفسه في الحرب عام 1985.
وزاد عدد المدارس الدينية منذ ذلك الحين حيث أنشأت معظم الأحزاب الدينية مدارسها الخاصة بالكامل تحت رعاية وتشجيع الغرب، لتوفير التعليم لملايين الأطفال اللاجئين الأفغان.
التعليم في المدارس الإسلامية
يتم تدريس مناهج المدارس الإسلامية حاليا في حلقات دراسية يطلق عليها اسم “الدرس النظامي”، وهو مصطلح صاغه الملا نظام الدين سيهالوي، وهو باحث يعود للقرن الثامن عشر، من مدرسة “فارانجي ماهال” في مدينة “لوكنو” الهندية.
وقال الباحث مفتي منيب الرحمن، وهو باحث في المدرسة العثمانية في مدينة “ناوشيرا” شمال غربي “خيبر باختونخوا”: “ندرس التفسير والحديث النبوي والشريعة الإسلامية وقواعد اللغة العربية واللغة الأردية وتحفيظ القرآن الكريم والرياضيات”.
وأضاف أن “المدارس الدينية نفسها أحدثت عدة تغييرات في النظام، وأوضح أن مدرسته الآن تدرس اللغة الإنجليزية والعلوم وغيرها من المواد الاجتماعية”.
وغالبًا ما يلقي منتقدو نظام التعليم بالمدارس الإسلامية اللوم عليها في أن الأطفال الذين يتخرجون من هذه المؤسسات يكونون غير مهيئين لمواجهة العالم الحديث، وبالتالي يقعون بسهولة فريسة للتطرف.
وقال عبد الرحمن: “إنها مزاعم لا أساس لها من الصحة”.
وردا على سؤال يتعلق بتمويل هذه المدارس لتغطية نفقاتها اليومية، قال إنه “يعتمد على التبرعات، وعدد من المهن، مثل الطب والهندسة والأعمال، وحتى المسؤولين الحكوميين يقدمون الزكاة لهذه المؤسسات”.
خطة الإصلاحات الحكومية
تواجه باكستان ضغوطا كبيرة من الدول الغربية لتنظيم المدارس الدينية، حيث اتُهم العديد من خريجيها بالتصرف بناء على طلب من المنظمات المتطرفة، والتي تلقى عليها اللائمة في مهاجمة القوات الأمريكية في أفغانستان وأيضًا قتال القوات الهندية في كشمير.
وحظرت حكومة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان العديد من الجماعات الدينية، وأعلنت عن إدخال إصلاحات في المدارس الدينية من أجل إخضاعها لسيطرة الحكومة.
ومع ذلك، تواجه الحكومة مقاومة شديدة من الأحزاب الدينية القوية.
وقال اللواء آصف غفور، المتحدث باسم الجيش الباكستاني، للصحفيين الشهر الماضي، “يوجد حاليًا أكثر من 30 ألف مدرسة دينية حيث يدرس أكثر من 2.5 مليون طفل، وقررت الحكومة إدخالهم في التيار الرئيسي”.
وأضاف أنه “تبين أن هناك 100 مدرسة فقط متورطة في أنشطة عنيفة، في حين أن الباقي مصدر جيد وفعال للتعليم للأطفال”.
ونوّه غفور: “نريد إنهاء التطرف العنيف في البلاد، وسيكون ذلك ممكنًا عندما يحصل أطفالنا على التعليم والفرص بآن واحد”.
وفي فبراير الماضي، جمدت باكستان أصول عشرات المدارس الدينية والمساجد والمؤسسات الأخرى وفرضت سيطرتها عليها، بدافع الاعتقاد أنها تنتمي إلى جماعة “جيش محمد” و”جماعة الدعوة”.
واتهمت الهند جماعة “جيش محمد” بتورطها في هجوم على قافلة أمنية تابعة لها في منطقة “بولواما” الخاضعة لإدارتها من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان في فبراير، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 40 فرد أمن.
كما تُتهم “جماعة الدعوة” بالتورط في هجوم “بومباي” الإرهابي لعام 2008 الذي أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصاً.