لم يتفق المصريون ولا العرب ودول العالم على شيء في الآونة الأخيرة بقدر ما اتفقوا على أن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي أول رئيس منتخب في مصر قد تم قتله أو إعدامه واغتياله بالبطيء عبر الإهمال الطبي على مدار 6 سنوات قضاها في سجن انفرادي بلا زيارة سوى 3 مرات ورفض علاجه.
فقد ظهر الرئيس مرسي علناً ليقول للقاضي: إنه يتعرض للموت داخل سجنه، ويطلب لقاء محاميه وأسرته، وظهر وهو يطلب منه العلاج على نفقته لأنه مريض وحياته “في خطر”، كما قال، وأصدرت منظمات حقوقية ومحلية بيانات تحذر من قتله داخل سجنه.
وأكدت المنظمات الحقوقية المصرية والدولية وغالبية الحقوقيين المصريين والعرب والأجانب أن الرئيس محمد مرسي قُتل عمداً كما قتل 830 من المعتقلين بالإهمال الطبي، بحسب منظمات حقوقية.
ورصد الحقوقي المصري أحمد مفرح ارتفاع عدد المحتجزين الذين توفوا منذ يونيو 2013 بداخل السجون المصرية إلى 830 حالة، آخرهم 17 حالة وفاة داخل السجون المصرية بسبب الإهمال الطبي، خلال الشهور الأولى من عام 2019، بحسب مركز عدالة لحقوق الإنسان.
ورصدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن عدد المتوفين والقتلى داخل السجون المصرية نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب منذ يوليو 2013 بلغ 762 معتقلاً، بينهم 551 شخصاً توفوا نتيجة الإهمال الطبي، وأعداد القتلى داخل السجون في ازدياد مستمر.
مرسي ثامن قيادي يُقتل
واستشهد 7 قيادات إخوانية في السجون حتى الآن، أصبحوا 8 بعد قتل الرئيس محمد مرسي.
والشهداء الثمانية هم: الرئيس مرسي 17 يونيو 2019، والمرشد العام السابق للإخوان مهدي عاكف (سبتمبر 2017)، عبدالعظيم الشرقاوي (أغسطس 2017)، وقبلهم النائب فريد إسماعيل، ومحمد الفلاحجي (مايو 2015)، ود. طارق الغندور (نوفمبر 2014)، وأبو بكر القاضي (نوفمبر 2014)، وصفوت خليل (سبتمبر 2013)، وآخرهم محمد العصار (مايو 2019).
لهذا نعت جماعة الإخوان المسلمين “الرئيس الشهيد” محمد مرسي وقالت: إنه ارتقى دفاعًا عن حق الشعب في الحرية والسيادة والحياة الكريمة.
وحمَّلت الجماعة، في بيان، الإثنين 17 يونيو 2019، السلطات المصرية كامل المسؤولية عن اغتياله عمدًا، إثر وضعه في زنزانة انفرادية في ظروف بالغة القسوة، وحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج والدواء والعرض على الأطباء، وحرمانه من رؤية أسرته أو الالتقاء بمحاميه لفترات طويلة.
شهادات حقوقية ودولية
وأكد هذه الجرائم حقوقيون وسياسيون ونشطاء مصريون، مؤكدين أن السلطات المصرية تعمدت قتله بالبطيء بالإهمال الطبي وحرمانه من العلاج.
فقد قالت منظمة العفو الدولية: إن نبأ وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي صادم، وندعو السلطات المصرية بإجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف في ظروف وفاته وحيثيات احتجازه -بما في ذلك حبسه الانفرادي وعزلة عن العالم الخارجي- وفي الرعاية الطبية التي كان يتلقاها ومحاسبة المسؤولين عن سوء معاملته.
ودعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى فتح تحقيق في الظروف التي أدت إلى وفاة محمد مرسي، مؤكدة أن السلطات المصرية لم تستجب لأي مناشدات دولية لتقديم الرعاية الطبية اللازمة لمرسي، ونتوقع أنها لن تحقق في وفاته.
وقالت سارة ليا ويتسن، مسؤولة “هيومن رايتس”، أن ما حدث أمر فظيع ولكنه متوقع تمامًا، بسبب رفض الحكومة السماح له بالعلاج الطبي ورفض الزيارات له.
وقال الحقوقي بهي الدين حسن، رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: إن الرئيس مرسي قُتل بالبطيء على مدار 6 سنوات بسبب الإهمال الطبي، وإنه يخشى أن هناك طابوراً آخر طويلاً من السجناء وضحايا الإهمال الطبي المتعمد في غرفة انتظار الموت، وتساءل: هل آن الأوان ليقظة الضمير الإنساني في مصر والعالم؟
وحمل مركز الشهاب لحقوق الإنسان السلطات المصرية مسؤولية قتل الرئيس مرسي، وطالب بلجنة دولية للوقوف على ظروف وملابسات وفاته.
وقال د. محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية السابق: إن الوفاة المفاجئة للرئيس محمد مرسي تعني أننا أمام جريمة قتل جديدة، قتل للرئيس الوحيد الذي انتخبه الشعب المصري عبر تاريخه، وقتل لكل صوت حر انتخبه أو حتى انتخب منافسيه، وقتل لحرية الاختيار والانتخاب.
وطالب المرشح الرئاسي السابق أيمن نور بتحقيق دولي في وفاة الرئيس مرسي، وكل ما تعرض له من إهمال طبي وحرمان من كافة الحقوق، قائلاً: الرئيس محمد مرسي شهيد قُتل عمداً ببطء على مدار6 سنوات، تعرض خلالها لكافة صور العسف والعنت، والسيسي ونظامه يتحمل كامل المسؤولية عن النتيجة.
مرسي: أنا في خطر!
واشتكى الرئيس محمد مرسي عدة مرات أثناء محاكمته من أنه يتعرض للقتل قائلاً: “أنا في خطر.. أنا بموت”، ومع هذا لم تستمع له المحكمة بسبب الزجاج السميك الذي يفصل بينه وبينها ومنع الصوت، وظل يعاني الإهمال الطبي ورفض المحكمة علاجه أو نقله للمستشفى.
ففي 29 نوفمبر 2017 اشتكى الرئيس مرسي للمحكمة الإهمال الطبي الذي يتعرض له في السجن، لكن دون جدوى، وقبلها تقدم بطلب للمحكمة للعلاج في 8 أغسطس 2015، ورغم تصريحات المحكمة بانتداب طبيب متخصص في مرض السكر، فإنه لم يحضر حتى وفاته.
وكانت هناك شكوك بإصابته بأمراض مزمنة بالكبد والكلى نتيجة سوء التغذية وحرمانه من دخول الطعام المناسب لظروفه الصحية ومتطلبات سنه، هذا بالإضافة إلى رفض تزويده بالملابس أو معدات النظافة الشخصية وكذا الكتب والصحف.
وفي 17 مايو 2018 أصدرت أسرة الرئيس محمد مرسي، بياناً حول طبيعة وظروف احتجازه هو ونجله أسامة.
وقال البيان: رئيس مصر الشرعي والمنتخب د. محمد مرسي خلف الجدران سيئة السمعة مع حالة من الحصار والتعتيم المتعمد عن طبيعة وظروف احتجازه ودون أن يسمح له بحقه الطبيعي في مقابلة أسرته وفريقه القانوني على مدار سنوات الاعتقال”.
وأضاف البيان: أسرة الرئيس لا تعلم شيئاً عن مكان وظروف احتجاز الرئيس، ولا طعامه وشرابه فضلاً عن حالته الصحية وخاصة بعد حديث الرئيس عن تعرض حياته للخطر والتهديد المباشر داخل مقر احتجازه في أكثر من مرة خلال جلسات المحاكمة الهزلية أبرزها كان بتاريخ 8 أغسطس 2015، و6 مايو 2017، و23 نوفمبر 2017.
أسئلة ما بعد قتل مرسي؟
تدور أسئلة ما بعد قتل مرسي حول:
مرسي قُتل بالإهمال الطبي أمام العالم كله وهو نفسه حذر من قتله في السجن وتعمد قتله، فلماذا لم تعالجه السلطات المصرية؟ هل المقصود إعدامه بالبطيء؟ ومن يحاكم القتلة الذين قتلوه؟
هل ستفتح وفاة الرئيس مرسي قتلاً بالإهمال الطبي ملف الانتهاكات في السجون وقضايا التعذيب وغيره؛ وتجري محاكمات دولية؟ أم ستمر الجريمة وتحاول السلطات التغطية عليها ببعض الإفراجات عن القيادات الموجودة في السجون وعدد من الشخصيات المعارضة؟
إذا كانت النيابة العامة شريكاً في القتل والإهمال الطبي، فهل يُعتد ببيانها حول وفاة د. محمد مرسي الذي يزعم أنه كان بصحة جيدة ووصل للمستشفى متوفياً، وهي طرف أساسي في عدم تمكينه من العلاج داخل السجن، وبالتالي ليست طرفاً محايداً فيما يتعلق بملابسات وفاته؟
لماذا نقلوه لمستشفى السجن طرة بعدما وقع أرضاً في المحكمة وليس إلى مستشفى متخصص كبير كما فعلوا مع الرئيس السابق مبارك الذين أنزلوه في جناح عسكري فاخر؟ هل الهدف الإجهاز عليه باستمرار الإهمال الطبي؟
لماذا منعوا دفنه في مسقط رأسه مع عائلته ورفضوا جنازة رسمية له وعزاء وأصروا على دفنه سراً وليلاً وبدون عزاء سوى من أقارب الدرجة الأولى وفي مقبرة بالقاهرة (مقبرة دفن المرشدين السابقين للإخوان المسلمين بمدينة نصر) وتسريع الدفن؟ هل لإنهاء الأزمة سريعاً والعودة لاحتفالات افتتاح كأس أفريقيا والتغطية على القتل؟
مرسي أدين في قضايا غير مخلة بالشرف بعكس مبارك الذي أدين في قضايا مخلة بالشرف، ومن ثم سيحرم من أي جنازة رسمية عسكرية، فلماذا الإصرار على منع أي جنازة رسمية له أو شعبية؟ هل لتوقع خروج الآلاف بها وتحولها لبوادر ثورة جديدة؟