جاء استشهاد الرئيس المصري محمد مرسي، وخروج الشعب الأردني بقيادة جماعة الإخوان المسلمين والقوى السياسية المعارضة للهتاف والتنديد بظروف وفاته، في سياق تظاهرهم أيضاً ضد “صفقة القرن” ومؤتمر البحرين، ليزيد من استعادة الإخوان لصدارة الأحداث في البلاد بعد محاولات حصار الحركة منذ الثورات المضادة.
وعزز الحكم الذي أصدرته محكمة التمييز الأردنية، أعلى هيئة قضائية في البلاد، ويقضي بأن “جمعية جماعة الإخوان المسلمين” ليست خلفًا قانونياً لجماعة الإخوان المسلمين؛ ما يعني اعتراف الدولة بالجماعة التاريخية للإخوان، ومن قبل ذلك لقاء الملك عبدالله ملك الأردن لممثلي حزب الإخوان في البرلمان الأردني، ليزيد من استعادة الجماعة لقوتها السياسية على الساحة الأردنية.
وبالرغم من موافقة ملك الأردن على حضور قمة البحرين التي تمهد لـ”صفقة القرن”، بعدما هاجمها بشدة واصطفت معه جماعة الإخوان وكافة القوى السياسية لأن الصفقة تنتزع أراضي أردنية لصالح دولة الاحتلال، فإن هذه الموافقة على الحضور لا تعني عودة الخلافات بين الإخوان في الأردن والملك.
فالجميع يدرك أن هناك ضغوطاً مكثفة من أمريكا علي الدولة الأردنية ومحاولات لإغرائها بالمال للقبول بالحضور وبالصفقة، خصوصاً في ظل الأزمة المالية التي تعانيها المملكة.
فوفق الشق الاقتصادي للصفقة التي أعلنها رسمياً البيت الأبيض تم تخصيص 7.4 مليار دولار من قيمة الصفقة الـ50 مليار دولار للأردن، وهو مبلغ كبير مقارنة بدولة بحجم مصر مثلاً (9 مليارات) وحتى الضفة الغربية وغزة مجتمعين (6 مليارات دولار).
ترسيخ أقدام الإخوان
جاء اللقاء الأخير بين الملك ونواب الإخوان يوم 16 أبريل 2019م (الأول من نوعه بعد حصار للحركة ومحاولة تفتيتها عبر دعم مجموعة منشقة سمحت لها السلطة بتأسيس “جمعية الإخوان المسلمين”)، على خلفية مواجهة تحديات تمس وحدة الأردن ثم إصدار محكمة التمييز قرارها الصادر 29 من مايو الماضي، باعتبار جمعية الإخوان المرخصة عام 2015م ليست خلفاً قانونياً لجمعية الإخوان المسلمين، ليعيد الجماعة مرة أخرى إلى الواجهة خاصة بعدما حشدت الشارع لدعم الملك ضد “صفقة القرن” باعتبار الأمر من ثوابت الجماعة.
وبرغم أن الحكم القضائي وصف –على غرار ما كان يجري في مصر قبل انقلاب 2013- جماعة الإخوان المسلمين المرخصة عام 1946م بأنها منحلة قانوناً منذ عام 1953م لعدم قيامها بتوفيق أوضاعها وفقاً لأحكام قانون الجمعيات الخيرية الذي صدر في نفس العام، فإن هذا لم يؤثر على نشاط الجماعة التي اعترفت بها السلطة ضمناً وتعاونت معها.
ولكن أهمية قرار المحكمة الذي جاء بعد الطعن الذي تقدم به د. همام سعيد، وزكي بني أرشيد، وسعود أبو محفوظ، وآخرون بشأن الدعوى التي رفعتها جمعية جماعة الإخوان المسلمين القانونية، متضمنة المطالبة بالأموال المنقولة التي كانت تسيطر عليها الجماعة الأصلية، أنه اعترف رسمي بالجماعة الأصلية.
وقد اعتبرت قيادة جماعة الإخوان المسلمين الأردنية في عدة بيانات لها، قرار ترخيص الجمعية السابقة، انقلاباً على شرعية الجماعة، وانتقدت السعي لمحاربة الجماعة بتشجيع جمعيات تحمل نفس الاسم ولا تعبر عن الجماعة الأصلية.
وسبق هذه الخطوات رفض حكومة الأردن طلب الجامعة العربية حظر “الإخوان” و”حماس” مارس 2019م، بعدما أثيرت أنباء عن توجيه الأمانة العامة لجامعة الدول العربية رسالة سرية، إلى وزارة الداخلية الأردنية، تضمّنت طلباً بإعلان الأردن حظر جماعة الإخوان وحركة “حماس”، واعتبارهما حركتين إرهابيتين.
حيث قالت المصادر لوكالة “شهاب” الفلسطينية للأنباء حينئذ: إن “الطلب السري جاء بتحريض من دولتين خليجيتين، قبيل انعقاد مؤتمر وزارة الداخلية العرب الذي عقد في تونس في 3 – 4 مارس 2019م”، وإن دائرة المخابرات العامة الأردنية، ردت بأنه “لا مصلحة للأردن في هذا الإجراء”.
الإخوان يقودون الحراك الشعبي
وبالتزامن مع عودة الاعتراف شبه الرسمي بها والتعاون معه ولقاء الملك مع نوابها، وعودة الحركة لقيادة الحراك الشعبي المناوئ للمخطط الأمريكية والصهيونية ممثله في “صفقة القرن”، أظهرت الحركة الإسلامية الأردنية مجدداً قدراتها على تنظيم مسيرات وفعاليات شعبية في الوقت الذي غابت فيه القوي السياسية الأخرى.
فبرغم تنفيذ تيارات يسارية وقومية مسيرة بمشاركة المئات قرب السفارة الإسرائيلية وموقع السفارة الأمريكية في عمَّان للتنديد بـ”صفقة القرن” ومؤتمر البحرين، لم يظهر زخم للحراك الشعبي على منطقة الدوار الرابع في عمَّان العاصمة أو في المحافظات والأطراف بالرغم من حرارة الملفات المطروحة.
ورغم دعوات التظاهر لهذه التيارات على وسائط التواصل لكن مستوى الاستجابة كان ضعيفاً.
بالمقابل، وتحت لافتة سياسية تماماً تصدر الإخوان المسلمون الأجواء مجدداً وبدون تنظيم فعاليات على أسس معيشية أو خدماتية أو لها علاقة بالفساد، وكانت العودة للشارع ضمن فعاليات سلمية وتعبيرية منضبطة جداً ولا تطرح خطاباً متوتراً أو تأزيمياً ودون شعارات أو هتافات ضد النظام.
وتصدر حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان) تماماً الحراك في الشارع سواء المتعلق بمناهضة “صفقة القرن” أو المتعلق بالتعاطف مع وفاة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي حيث أقيم عزاء وصلوات الغائب بخلاف الاحتجاج أمام السفارة المصرية.
ودعم موقفه نعي الملكة نور، زوجة الملك الراحل عبدالله، د. محمد مرسي، وكان لافتاً قولها: إنه “الرئيس الأول والوحيد المنتخب ديمقراطياً”.
RIP first and only democratically elected President of #Egypt #Morsi https://t.co/Gv7XNcyHy7
— Noor Al Hussein (@QueenNoor) June 17, 2019
كما تمكن الحزب من تنظيم أكبر مسيرة بزخم شعبي حتى الآن الجمعة الماضية بحضور نحو 4 آلاف مشارك من أمام المسجد الحسيني في وسط العاصمة إلى ساحة النخيل وبوجود قوات الأمن ودون أي احتكاك، وهو ما لم يحدث منذ أكثر من عامين.
وقبل هذه العودة القوية للإخوان للشارع للتظاهر ضد “صفقة القرن” بالتوافق مع الموقف الحكومي، توقع مراقبون أن يحدث تعاون وتوافق وهدوء بين الجماعة والحكومة مقابل عودة مقرات الإسلاميين التي سلبت منهم بقرارات لصالح جمعية منشقة دعمتها السلطة، واستعادة المركز الإسلامي الخيري الاجتماعي، وهو يعتبر الجمعية الأم التي تدير النشاط الخيري للإخوان المسلمين، وسيطرت عليها لجنة حكومية منذ سنوات، وهو ما بدأ بقرار المحكمة الاعتراف بالجماعة الأصلية كممثل للإخوان.
وسبق أن ألمح القيادي البارز في الإخوان المسلمين الشيخ جميل أبو بكر إلى أن الحركة الإسلامية لا مبرر لاستهدافها، وأنها تنتظر موقف السلطة من ثلاث مسائل، هي الجمعية، والمقرات، والإصلاح السياسي، وهو ما بدا أن السلطة تستجيب له تدريجياً في ظل توافق بين الطرفين على الوقوف ضد “صفقة القرن”.
ويبقي السؤال: ماذا لو تطور الموقف الأردني الرسمي وقبل بصفقة ومحاولات للالتفاف على تسليم الصفقة منطقتي “الباقورة” و”الغمر” لدولة الاحتلال في صفقة تأجير جديدة مدتها 25 سنة بعد انتهاء الإيجار الأول ومطالبة الأردن باستعادتهما وترتيب “صفقة القرن” تبادل أراضي بين السعودية والأردن، وذلك من أجل تمكين الدولة الصهيونية من الاحتفاظ بمناطق واسعة في الضفة الغربية؟!
هل سيعود الصدام بين السلطة والإسلاميين مرة أخرى؟ أم سيكون هناك ترتيبات أخرى؟
واقع الأمر أن عودة الزخم للحركة الإسلامية بعد حصارها هي وباقي الحركات الإسلامية في الدول العربية منذ سقوط “البيع العربي” وانتصار الثورات المضادة، هو مكسب في حد ذاته واستعادة لقوة الحركة في الشارع، وهو أمر تدركه السلطة وسيكون له اهتمام بخططها المستقبلية.
ويدعم هذه العودة القوية للحركة الإسلامية في الأردن حالة الانتعاش التي تعيشها الموجة الثانية من الربيع العربي في السودان والجزائر حتى الآن وبوادر انتقالها لدول عربية أخرى.