لم تتوقف خسائر خليفة حفتر في الآونة الأخيرة على الصعيد العسكري بفقدانه مدينة غريان، المدخل الجنوبي لطرابلس العاصمة، التي سيطرت عليها الأربعاء بالكامل قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، بل امتدت إلى المسار السياسي أيضاً.
فها هو يوشك على أن يفقد آخر ما تبقى له من شرعية منحها له مجلس النواب في طبرق (شرق)، بعدما عينه قائداً أعلى للجيش في عام 2015، قبل أن يقوم مجلس النواب الموازي في طرابلس (غرب)، بإلغاء هذا المنصب بالإجماع في 17 يونيو الجاري.
فحفتر الذي حظي بعد إطلاقه عملية “الكرامة” في عام 2014، بدعم غالبية أعضاء مجلس النواب، المقدر عددهم بـ188 نائباً، رغم مقاطعة نحو 25 منهم لاجتماعاته في طبرق، خسر دعم معظمهم، بعد أن وقّع 100 نائب في 11 أبريل الماضي، على بيان مشترك أعلنوا فيه استنكارهم لهجوم حفتر في الرابع من نفس الشهر، على طرابلس.
وجاء بيان الـ100 نائب للتبرؤ من إعلان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، باسم البرلمان، دعمه لهجوم حفتر على طرابلس.
ورغم أن جناح عقيلة صالح، لم يعلن عدد النواب الذين أيدوا هجوم حفتر على طرابلس خلال اجتماعهم بطبرق، فإن وسائل إعلام محلية تتحدث عن نحو 30 نائباً فقط، مما يعني أن حفتر فقدَ تأييد نحو 130 نائباً.
وتجلى ذلك في البيان المشترك لـ100 نائب، ثم تلاه اجتماع 53 نائباً في طرابلس (47 بحسب وسائل إعلام مقربة من حفتر)، أعلنوا رفضهم لهجوم حفتر.
لكن الخطوة الأكثر أهمية، محاولة الإطاحة بعقيلة صالح، من رئاسة البرلمان، حيث انتخب النواب المجتمعون في طرابلس، في 5 مايو الماضي، الصادق الكحيلي، رئيساً جديداً لمجلس النواب، لمدة 45 يوما، نظراً لاتهام الأول بأن مواقفه لا تعكس موقف غالبية النواب.
مجلس النواب الجديد في طرابلس، لم يكتف بإدانة هجوم حفتر، والإطاحة بصالح، بل صعّد أكثر عندما صوّت بالإجماع على إلغاء منصب القائد الأعلى للجيش، الذي يتولاه حفتر منذ أربع سنوات، مما ينزع منه أي صفة شرعية، ويجعل منه ضابطاً “متمرداً”.
ورغم أن قرار مجلس النواب في طرابلس، ضد حفتر “رمزي”، على أساس أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، لا يعتبر حفتر قائداً أعلى للجيش، وهي الصفة التي يتولاها حالياً فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، كما أن جناح صالح في طبرق، على ضعفه، ما زال يعترف بحفتر قائداً أعلى للجيش.
غير أن هذا القرار استفز قوات حفتر مما دفعها لقصف مقر اجتماع برلمان طرابلس، في 24 مايو الماضي، كما أعلن برلمان طبرق سعيه لفصل النواب المجتمعين في طرابلس، رغم أنهم يمثلون نحو ربع النواب، الذين قاطع معظمهم اجتماعات المجلس منذ فترة.
وإذا نجح مجلس النواب في طرابلس، من سحب البساط من تحت أرجل عقيلة صالح وجماعته، فإن حفتر سيكون تماماً خارج الشرعية، وسيصنف كانقلابي وخارج عن القانون، ومن الممكن أن تفرض عليه عقوبات دولية.
ويبدو أن الصادق الكحيلي، رئيس مجلس النواب الجديد، وزملاؤه، مصرّون هذه المرة على استعادة مصداقية مجلس النواب وعدم جعله رهينة لجماعة “عقيلة”.
لكن أكبر عقبة أمام مجلس النواب في طرابلس، تتمثل في أن غالبية أعضائه من المنطقة الغربية، التي لها أكبر حصة من النواب (نحو 80 نائباً) نظراً لأن نحو نصف سكان ليبيا يقطنون بها، بينما مجلس النواب في طبرق فمعظم أعضائه من المنطقة الشرقية (خسرت 12 نائباً بسبب عدم إجراء الانتخابات في مدينة درنة لأسباب أمنية)، فيما يتوزع نواب المنطقة الجنوبية بين المجلسين.
لذلك فإنه من الصعب أن يلغي نواب برلمان طرابلس نظراءهم في طبرق، والعكس صحيح، لأن ذلك لن يؤدي إلى إحداث شرخ في مجلس النواب فقط، بل سيكرس الانقسام بين الشرق والغرب داخل البلاد.
أغلبية النواب ينفضّون من حول حفتر
والسؤال الأكثر إلحاحاً: ما سبب تخلي معظم النواب عن دعم حفتر؟ الأكيد أن ذلك مرتبط بالاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه في “الصخيرات” بين وفد من مجلس النواب وآخر من المؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي) في 17 ديسمبر 2015، وتم فيه اختيار أحد نواب طبرق (فائز السراج) رئيساً للمجلس الرئاسي.
واستطاع السراج استقطاب جناح من النواب لدعم حكومة الوفاق، خاصة من المنطقة الغربية، وبالأخص من طرابلس، التي تضم أكبر عدد من النواب.
ناهيك أن أكثر من 100 نائب كانوا مؤيدين لاتفاق الصخيرات، ولكن مجموعة صغيرة من النواب الموالين لحفتر أفسدوا محاولات المجلس المصادقة على اتفاق الصخيرات، من خلال البلطجة وافتعال الفوضى داخل المجلس، مما عرقل اعتماد حكومة الوفاق، رغم أن تمديد عهدة مجلس النواب، التي انتهت رسمياً في عام 2015، جاء تحت شرعية اتفاق الصخيرات.
كتلة مهمة كان لها خلاف حساس مع حفتر، رغم استمرار تأييدها له، ويتعلق الأمر بالنواب الفدراليين، الذين يطالبون بحكم فيدرالي في إقليم برقة (شرق)، وهو ما يرفضه حفتر الذي يؤمن بالحكم المركزي، مما دفع نواب “برقة” إلى مقاطعة اجتماعات المجلس.
كما أن خلافات حفتر مع بعض القبائل المؤيدة له مثل التبو وجناح من الزنتان والمغاربة، وقبائل من الشرق انشق قادتها عن قوات حفتر، على غرار محمد الحجازي من قبيلة الحاسة، ومهدي البرغثي من البراغثة، وفرج البرعصي من قبيلة البراعصة، كان له تأثير في مواقف نوابها إما من خلال المقاطعة أو الانحياز لمجلس النواب في طرابلس.
قطاع آخر من النواب قاطعوا الاجتماعات في طبرق لغياب الأمن، حيث تعرض بعضهم للضرب أو الاختطاف بسبب مواقفهم أو لأسباب شخصية، فضلاً عن آخرين توفوا.
ولكن يبقى الموقف الدولي مُهما بشأن الاعتراف بمجلس النواب في طرابلس، ورئيسه الجديد الصادق الكحيلي، الذي حظي باستقبال رئيس المجلس الرئاسي، مما يعني اعترافاً من أحد أطراف الصراع.
كما استقبل خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، الكحيلي، بمكتبه في طرابلس، وتم بحث سبل التكامل بين المجلسين “لاستكمال الاستحقاقات الدستورية”، في إشارة إلى الاستفتاء على الدستور وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.
ويبدو أن عقيلة صالح ما زال يحظى بجزء من الاعتراف الدولي بالنظر إلى لقاء المبعوث الأممي غسان سلامة له لكن في مقر إقامته بمدينة القبة (شرق)، وليس في طبرق، خاصة وأن صالح يُعتبر من أعيان قبيلة العبيدات، كبرى قبائل الشرق، لكن انحياز أغلبية النواب لمجلس النواب في طرابلس، يُفقده الكثير من المصداقية.