وسط أجواء يغلب عليها عادة المنافسة والمشاحنات، سطّرت الجماهير المغربية والجزائرية ملحمة أخلاقية تفوح بالأخوة والمحبة خلال نهائيات بطولة كأس الأمم الإفريقية المقامة حالياً بمصر.
جمهور البلدين أطلق حملة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت اسم “خاوة خاوة” باللهجة المغاربية (إخوة إخوة)، وجدت طريقها نحو أرض الواقع، على الملاعب والمدن المصرية، التي تستضيف البطولة في الفترة من 21 يونيو الماضي وحتى 19 يوليو الجاري.
وتتمثل فكرة الحملة في مساندة جماهير الجزائر للمنتخب المغربي، وتواجدها في الملاعب التي تستضيف مباريات “أسود الأطلس”، والعكس أيضاً بالنسبة للجماهير المغربية، التي يتعين عليها التواجد في الملاعب التي ستستضيف مباريات “ثعالب الصحراء”.
وتصدر هاشتاج “خاوة خاوة” قائمة “الهاشتاغات” في أبرز الصفحات الرياضية بالبلدين، وانتشرت الفكرة على نطاق واسع.
كما أثارت أيضاً انتباه وسائل الإعلام في المغرب والجزائر وكافة البلدان العربية.
وان تو تري فيفا لالجيري
وفي الملاعب، لم يتأخر المشجعون المغاربة والجزائريون في التجاوب مع الحملة الافتراضية.
فالخميس الماضي، في مباراة المنتخب الجزائري، أمام نظيره السنغالي، في ثاني لقاءات المجموعة الثالثة، اختلط الجمهور الجزائري بالمغربي في المدرجات.
الجماهير المصرية، حضرت بدورها بأعداد غفيرة، لمتابعة المباراة، وثالِث الأعلام الأكثر حضوراً في مدرجات ملعب الكلية الحربية، كانت الأعلام المغربية بعد الجزائرية والمصرية.
وفي اليوم التالي، أي الجمعة، في لقاء “أسود الأطلس” أمام كوت ديفوار، بملعب “السلام” في العاصمة القاهرة أيضاً، توجهت عدسات المصورين صوب مجموعة متألفة من نحو 100 مشجع جزائري، يرتدون أقمصة خضراء جزائرية ويحملون أعلام بلادهم.
هذا الحضور المكثف للجزائريين أثلج صدور كل الحاضرين المغاربة، فاختلطت الشعارات والهتافات المساندة للمغرب، بتلك التي تمجد الجزائر.
وما هي إلا لحظات حتى أصبح الملعب بكامله يهتف بعبارة “وان تو تري فيفا لالجيري” (1،2،3.. تحيا الجزائر)، وكأن الأمر يتعلق بمباراة الجزائر وليس المغرب.
القاهرة “جمعتنا”
وعن هذه الحالة، قال مراد، وهو شاب جزائري (37 سنة)، من منطقة غرداية، لـ”الأناضول”: إنه “يتواجد في مصر، منذ أسبوع، وسيبقى في القاهرة حتى نهاية البطولة، يرافقه حميد، ابن مدينة وجدة المغربية، (شمال شرق المغرب بالقرب من الحدود الجزائرية)، ويقطن حالياً فرنسا، وقدم هو أيضاً لمصر، من أجل “الكان”.
وأضاف مراد: “تأثرت كثيراً بالحملة على “فيسبوك”، وأعجبتني الفكرة، كأس أفريقيا هي فرصة تلتقي فيها كل شعوب القارة، فما أدراك بشعبين تربط بينهما أواصر الأخوة والقرابة، هما المغرب والجزائر”.
وتابع: “حان الوقت لنقول للعالم: إننا شعب واحد وشخص واحد، مرتديا قميص رياض محرز، لاعب المنتخب الجزائري، ومانشستر سيتي الإنجليزي، ومتحدثاً بلكنة جزائرية يستطيع المغاربة أن يميزوها بسهولة، أكد لنا مراد أن “الحملة هي التي قادته لاتخاذ هذه الخطوة”.
ويضيف “سعدت جداً بالتواجد رفقة المغاربة، وأنا أشجعهم بكل قلبي، وأعتبر هذا التشجيع واجب لأننا نحمل ونبعث من خلاله الكثير من الرسائل”.
يحدثنا مراد الجزائري، وحميد المغربي يومئ برأسه، ويضع يده فوق كتف مراد، فيقول: إنه “عاشق لمنتخب الجزائر، شجعتهم في آخر مباراة بالملعب، أشعر بسعادة كبيرة وأنا أقوم بذلك، أعتقد أن رسالتنا وصلت”.
وأردف قائلاً: “إذا رغب البعض في التفريق بيننا، فإن الكرة والقاهرة جمعتنا”.
الكرة تصلح ما أفسدته السياسة
وقال خليل أبو خليل، الصحفي والناقد الرياضي المغربي: إن نجاح حملة “خاوة خاوة” رسالة غير مشفرة من الشعبين للمسؤولين مفادها بأنكم لن تستطيعوا التفريق بين شعبين يجمع بينهما أكبر بكثير مما يفرقهما.
ويضيف خليل لـ”الأناضول”: إن “الرسالة من نجاح الحملة واضحة للعيان، فالمسؤولون حساباتهم سياسية، لكن اتركوا الشعوب تتعايش فيما بينهما، في ظل الانعكاسات السلبية التي رافقت إغلاق الحدود بين البلدين، ومنع عشرات الآلاف من الأشخاص من إحياء صلة الرحم، بين أقربائها وأهليها المتواجدة خلف الحدود”.
واعتبر أن نجاح هذه الخطوة من شأنه أن يكون مثالاً ونموذجاً يحتذى به، لباقي الشعوب العربية، خاصة تلك التي تعرف بلدانها مشكلات حدودية، وحساسيات، تجعل من ملاعب الكرة ساحة للتطاحن وشحن الجماهير.
وجهة نظر خليل، يتقاسمها زميله الجزائري، عبدالناصر اللبار، الصحفي بجريدة “الراية” القطرية، والمحلل بقنوات “بي إن سبورت”، ويقول لـ”الأناضول”: إن هذه المبادرة “تنم عن رقي الشعوب المغاربية، وترفعها عن كل الصراعات السياسية، وحسابات السياسيين الضيقة”.
ويضيف: “شخصياً سعدت وأنا أتابع جماهير البلدين جنباً إلى جنب في ملعب واحد، ويشجعون منتخبًا واحدًا، الرياضة تصلح ما تفسده السياسة”.
وتابع: “أعتقد بأنه يجب أن يشاهد جميع السياسيين وكل الساعين وراء التفرقة في البلدين هذه الصورة”.
والحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994 وسط خلافات سياسية بين البلدين، أبرزها ملف إقليم الصحراء، الذي تتمسك الرباط بالسيادة عليه، بينما تدعم الجزائر “جبهة البوليساريو” المطالبة باستفتاء على الاستقلال.