لا تعد استعادة ثوار ليبيا ممثلين في “قوات الوفاق الوطني” لمدينة “غريان” التي تبعد عن العاصمة طرابلس 100 كم انتصاراً عسكرياً روتينياً في الحرب المستمرة بينهم وبين قوات خليفة حفتر، فتحرير مدينة غريان يحمل أكثر من رسالة، منها:
– إعلان رسمي بفشل حملة حفتر العسكرية، حيث كانت غريان مقر قيادة حفتر وتجميع المستشارين العسكريين والعتاد العسكري لحصار طرابلس بغرض إسقاطها وإعلان انتصار الثورة المضادة.
– هزيمة واضحة وثقيلة لمعسكر الثورة المضادة خصوصاً في ليبيا.
– مؤشر على حجم المكاسب التي استفاد منها ثوار ليبيا بتوحيد قواهم ضد الخطر القادم من شرق ليبيا ليسرق ثورتهم بعدما كانوا قبل الحرب الأخيرة مختلفين نسبياً وبينهم صراعات.
– بمثابة فرز سياسي للقوى والقبائل التي وقفت مع حفتر وتلك التي دعمت الثورة الليبية ووقفت ضد العدوان الخارجي.
هزيمة غير عادية
فالهزيمة لم تكن عادية، إذ كشف المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق عقيد محمد قنونو أن قوات الجيش الليبي استولت على 70 عربة سليمة، ومدرعات تايغر، و3 طائرات مُسيَّرة، وصواريخ أمريكية الصنع بعد تحرير غريان، وأن أسرى قوات حفتر أثناء تحرير المدينة تجاوز الـ150 شخصًا.
أيضاً اعترف الصحفي الموالي لحفتر عبدالباسط بن هامل بوصول 40 قتيلاً من قوت حفتر في غريان إلى بنغازي، وأعلنت حكومة الوفاق اكتشافها 35 جثة لجنود حفتر في غريان.
وتوقع مراقبون أن تصعد طائرات عربية قصفها لقوات ثوار ليبيا بعدما بدؤوا الزحف أيضاً على مدينة ترهونة ثاني وآخر المدن التي يسيطر عليها حفتر في الشمال ويستغلها في ضرب طرابلس.
وربما يكون لهذا علاقة بإعلان ضابط في قوات حفتر أن قواته ستشن غارات عسكرية مكثفة على العاصمة طرابلس، مطالباً السكان بالابتعاد عما أسماها “معسكرات المليشيات” كمؤشر لقصف يتوقع أن تشارك فيه طائرات من دول الثورة المضادة كما سبق وفعلت للتمهيد لسيطرة حفتر على شرق ليبيا.
كما نشر هذا المحلل العسكري الموالي لسلطة مصر محمد جمال صوراً تظهر قيام دولة عربية بإعادة تأهيل وتطوير المطارات والقواعد العسكرية في شرق ليبيا لزيادة الوجود العسكري هناك لدعم قوات حفتر في عملياتها.
وقال: إن صور الأقمار الصناعية المرفقة توضح التطورات العسكرية الواسعة في مطار “المعراج” وقاعدة “لابرق” الجوية.
وزاد من هزيمة حفتر وظهوره بمظهر أكثر ضعفاً أنه اضطر عقب احتجاز مليشياته 6 مواطنين أتراك في ليبيا كرد فعل بعد تكبدها خسائر كبيرة للتراجع أمام تركيا بعدما هددته أن مليشيا حفتر ستصبح هدفاً مشروعاً لتركيا، وحدوث مزيد من الدعم لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً ضد مليشيا حفتر.
مصير معركة طرابلس
كانت خطة حفتر في المدن الليبية وداعميه تقوم على خطة هجوم مباغتة على مدن قريبة من طرابلس وانقلابات داخلية في هذه المدن، بحيث يقال: إن قواته وصلت من الشرق إلى الجنوب والغرب والشمال في ساعات وتدخل طرابلس، لهذا أعلن في بلاغاته العسكرية الأولى بغرور أنه سيدخل طرابلس في 24 ساعة.
ومع تصدي قوى ثوار ليبيا له وتكبيده خسائر كبيرة وانتقالهم من الدفاع إلى الهجوم والسيطرة على المدن التي احتلها، بدأت تتكشف حيلة حفتر وضعف قواته المشكَّلة أغلبها من مرتزقة من السودان وتشاد.
لهذا يمكن القول: إن معركة طرابلس حُسمت بعدما سيطرة قوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق على أبرز معاقل قوات حفتر في الغرب الليبي، بعد فرارها واعتقال عدد كبير منها وتدمير آلياتهم، إذ إنها ضربة موجعة لحفتر وحلفائه لأنها كانت المدينة التي يتخذ منها مقرًا لقيادة عملياته العسكرية ضد العاصمة.
وبعدما كان المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، ينفي الهزيمة ويقر بأن قوات حكومة الوفاق سيطرت على أجزاء من مدينة غريان، دون أن يقر بخسارة المدينة بأكملها أو ذكر تفاصيل، عاد ليتباكى على قتلى قواته ويزعم أنه تم تصفية الجرحى وقتلهم.
بل وبدأت تصدر من منسوبي حفتر تصريحات تشير لإجراء حوار ومصالحة وطنية، ما فسره البعض بإقرار ضمني بالخسارة.
ويرى مراقبون أنه بعد خسارة غريان يظل تمركز قوات حفتر في بعض المناطق على أطراف العاصمة التي تبعد أكثر من 100 كلم عن العاصمة، ومنها ترهونة مصدر تهديد في ظل توالي الدعم العسكري الخارجي، واستمرار قوات حفتر في بعض المناطق الإستراتيجية مثل مطار طرابلس وأغلب مناطق طوق العاصمة.
ولكن المؤكد أن تحرير غريان يعد هو الخسارة الأكبر لحفتر وللمعركة برمتها، إذ إن خسارة حفتر لمدينة غريان كانت ضربة معنوية قبل أن تكون عسكرية لقواته شبه قاضية كون المدينة كانت بمثابة غرفة العمليات الرئيسة له، وكان يقودها أحد أبناء حفتر في بداية الحرب ثم قادها عبدالسلام الحاسي وهو الرجل الثاني بعد حفتر الذي فر من غرفة عملياتهم بالمدينة.
فسقوط غرفة العمليات في أغلب الحروب تعطي مؤشراً على ضعف العدو، وكذلك قرب انتهاء المعارك وإعلان تحرير المنطقة من القوات المعتدية.
ويقول محللون ليبيون: إن غريان مدينة جبلية عالية لا يستطيع أحد دخولها إلا بجيش جرار وطيران، وهذا ما فعلته قوات الوفاق وساعدتها انتفاضة أهالي المدينة الرافضين لوجود حفتر، وكانت هذه ضربة مفاجئة لقواته التي تم أسر ما يقرب من 50 جندياً منهم.
قطع إمدادات
بعبارة أخرى، ستعد هذه السيطرة على غريان بمثابة قطع إمدادات قوات حفتر تجاه طرابلس؛ لأنها تعني قطع خط الإمداد البري بين منطقة الجفرة وطرابلس، وهذه خسارة كبيرة؛ ما يعني أن الاستمرار في هذه المعركة يعتبر انتحاراً سياسياً وعسكرياً.
لهذا يرى عسكريون ليبيون وعرب أن عملية حفتر العسكرية للسيطرة على طرابلس قد فشلت، وأنه لهذا يكثف هجماته الجوية بالتعاون مع حلفائه لكافة المدن والمطارات ويضرب بجنون أي شيء لإثبات أنه موجود ولم تتم هزيمته ويضغط على طرابلس للوصول لحل سياسي يحفظ له ماء وجهه.
فأكثر ما يحرج حفتر من سيطرة الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق على مدينة غريان، هو ظهوره بمظهر الفاشل أما داعميه وحلفائه.
وقد أكدت هذا صحيفة “إندبندنت” البريطانية، حين قالت: إن الهزيمة الجديدة التي تعرضت لها قوات حفتر في محاولاتها السيطرة على العاصمة طرابلس تحرج داعميه وحلفاءه.
وقالت: إن سيطرة ثوار ليبيا على غريان تفتح الطريق أيضاً نحو التقدم إلى حقول النفط والغاز في الجنوب التي يسيطر عليها حفتر، وهو ما يقلق داعمين مثل فرنسا التي تدعم حفتر أملاً في منافسه النفوذ الإيطالي هناك وشركات النفط الإيطالية.