من المنتظر أن يعقد مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان)، اليوم الثلاثاء، جلسة للنظر في عقد جلسة عامة لانتخاب المحكمة الدستورية، التي أكدت الأحداث الأخيرة لا سيما في ظل الأزمة الصحية الحادة التي مر بها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي.
وقد أكد المكلف بالإعلام في مجلس نواب الشعب حسان الفطحلي أن رئيس المجلس محمد الناصر وجه دعوة لرؤساء الكتل النيابية للاجتماع، صباح اليوم الثلاثاء، للنظر في مواصلة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وللإعداد للجلسة العامة المخصصة لانتخاب أعضاء هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
وكان مجلس نواب الشعب التونسي قد انتخب القاضية روضة الورسغيني عضواً في المحكمة الدستورية، في انتظار استكمال انتخاب 3 أعضاء من قبل البرلمان، و4 أعضاء من قبل المجلس الأعلى للقضاء، و4 أعضاء يعينهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.
جدل حول المحكمة
تزايد الجدل أخيراً حول غياب المحكمة الدستورية خصوصاً بعد تعكر الحالة الصحية للرئيس التونسي، وحول الجهة المخول لها دستورياً معاينة الشغور الوقتي أو الدائم في منصب رئيس الدولة.
وقد طرح غياب مؤسسة المحكمة الدستورية في ظل “الوعكة الصحية الحادة” (حسب وصف الرئاسة التونسية)، التي ألمت بالباجي قايد السبسي أخيراً جدلاً كبيراً في الوسط السياسي بخصوص الصلاحيات الممنوحة لهذه المحكمة في معاينة الشغور الوقتي أو النهائي في منصب رئاسة الجمهورية، والمأزق القانوني الذي طرحه عدم تركيز هذه المحكمة بعد خمس سنوات من عمل أول برلمان بعد دستور 27 يناير 2014م.
وقد تباينت آراء النواب بمجلس نواب الشعب حول هذا الموضوع، تحت قبة البرلمان، بين من رأى أن هذه الأزمة الأخيرة يمكن أن تكون حافزاً للبرلمان لاستكمال انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين (ينتخب البرلمان 4 أعضاء للمحكمة الدستورية، انتخب منهم عضو واحد فقط)، ومن رأى أن الشهر المتبقي في عمل المجلس، قبل العطلة البرلمانية، غير كاف لإرساء هذه المحكمة.
قضية مستعجلة
إلى ذلك، دعا النائب ياسين العياري (مستقل) إلى عقد جلسة مفتوحة لمجلس نواب الشعب، لا ترفع إلا بعد انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وإلى أن يسارع الرئيس التونسي، إن سمحت صحته، بتعيين الأربعة أعضاء الذين يتعين عليه تعيينهم.
وذكر بأن حالة الطوارئ تنتهي يوم 4 يوليو الحالي وهي صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية، باعتباره الوحيد الذي يخول له القانون الإمضاء على التمديد في حالة الطوارئ، فضلاً عن ضرورة أن يقوم يوم 6 يوليو بدعوة الناخبين إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية وهي كذلك صلاحية حصرية له، مؤكداً في الوقت ذاته أن الشرط الوحيد للقطع مع حالة الضبابية، هو عودة رئيس الجمهورية إلى سالف نشاطه لتجنب مآزق دستورية وقانونية كثيرة.
توقيت غير كاف
وفي الاتجاه المعاكس، يرى النائب غازي الشواشي من الكتلة الديمقراطية (معارضة) أن الوقت غير كاف؛ “يبدو أن الوقت المتبقي في عمل البرلمان غير كاف لإرساء هذه المحكمة”، وأنه “يجب أن تسبق الانتخابات جلسة توافقات بين الكتل، نظراً إلى أن الأغلبية المعززة (145 نائباً) لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية تتطلب أكبر قدر ممكن من التوافق على الأسماء المقترحة”.
وبين أنه من الممكن لمجلس نواب الشعب أن يقوم مقام المحكمة الدستورية، ويعاين الشغور الوقتي أو النهائي ويعين الشخصية المطلوبة حسب الدستور، مشيراً إلى أن الكتلة الديمقراطية كانت قد نبهت إلى هذا الأمر مراراً وتكراراً حتى قبل الوعكة الصحية للرئيس التونسي.
إشكالية النصاب
أما النائب كريم الهلالي من كتلة الائتلاف الوطني (حكومة)، فقد لاحظ أنه من الممكن التوافق بين النواب، وانتخاب الثلاثة أعضاء المتبقين للمحكمة الدستورية، غير أن الإشكال يتجاوز البرلمان، حسب رأيه، حيث يجب أن يدعو المجلس الأعلى للقضاء إلى الانتخابات لانتخاب الأربعة أعضاء الذين ينتخبهم القضاة لعضوية هذه المحكمة، وهو أمر غير متوافر في الوقت الحالي ويتطلب وقتاً طويلاً نسبياً.
واعتبر أن مقترح إحالة مهام المحكمة الدستورية إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (مقترح تقدمت به حركة النهضة)، يعد مقترحاً غير عملي حالياً، نظراً إلى أن تغيير صلاحيات الهيئة الوقتية يتطلب تدخلاً تشريعياً عن طريق سن نص قانوني يمنحها صلاحيات جديدة.
في نفس السياق، أكد النائب حسونة الناصفي (رئيس كتلة الحرة لحركة مشروع تونس)، أنه من غير الممكن استكمال إرساء المحكمة الدستورية في هذا الوقت بالذات، نظراً إلى أن أسباب التعطيل لم تنتف، حيث ما زالت كل الكتل متمسكة بمرشحيها لهذه الهيئة، وبالتالي فإن التوافق يبدو بعيد المنال في هذه الفترة، وأشار إلى إمكانية أن يكمن الحل لدى مجلس نواب الشعب ليتحمل المسؤولية في معاينة الشغور الوقتي أو النهائي وإيجاد الحل الدستوري لذلك.
تعديل القانون
حركة النهضة، من جهتها دعت في بيان يوم الإثنين الماضي، إلى الإسراع بتركيز المحكمة الدستورية، أو”تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لتتولى اختصاص المحكمة الدستورية في هذا المجال”.
وقد نص الدستور على ضرورة أن “يتم في أجل أقصاه سنة من انتخاب المجلس الأعلى للقضاء، إرساء المحكمة الدستورية”، وقد عرف الفصل (118) من الدستور التونسي المحكمة الدستورية بأنها “هيئة قضائية مستقلة”، تتركب من 12 عضواً يكون 9 أعضاء منها وجوباً من المختصين في القانون الذين يتمتعون بخبرة تزيد على 20 سنة.
ويتم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية من قبل رئيس الجمهورية (يعين 4 أعضاء) ومجلس نواب الشعب (ينتخب 4 أعضاء) والمجلس الأعلى للقضاء (ينتخب 4 أعضاء).
وتعمل المحكمة الدستورية بالخصوص على مراقبة دستورية مشاريع القوانين والمعاهدات التي يعرضها عليها رئيس الجمهورية، كما تقر الشغور الوقتي أو النهائي في منصب رئيس الجمهورية حسب الفصل (84) من الدستور، وتبت في النزاعات المتعلقة بالاختصاص التي يمكن أن تحدث بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وفي صورة حدوث شغور وقتي في منصب رئيس الجمهورية، فإن المحكمة الدستورية تجتمع لإقرار حصول هذا الشغور، وعندما يقرر رئيس الجمهورية الاستقالة من منصبه يتولى تقديم استقالة كتابية إلى رئيس المحكمة الدستورية.
أما في صورة حصول الوفاة أو العجز الدائم أو حدوث أي سبب من أسباب الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية، فإن المحكمة الدستورية تقوم بإقرار هذا الشغور، ثم تعلم به رئيس مجلس نواب الشعب، وعلى من سيتولى القيام بمهام رئاسة الجمهورية تأدية اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية في صورة حل مجلس نواب الشعب (البرلمان).