لا تنفك الأيام تدور وتتبادل الفصول حاملة أعمارنا ثم ماضية بها، تلك سنة الله في دهره، ولما طالت السنون وتغيرت كانت سانحة الخير وموقف التفرج من عباءة تلك الأثقال أعياد يستروح فيها الناس عناء أيامهم وعظة تذكرهم وعبادة أمروا بها بعد أداء فريضة، فلا إخال أمة تعنى بالعيد فرحه وسعته قدر ما تفعل أمة المسلمين، ذكرا وتسبيحا وتلبية وتكبيرا.
يتوارث الناس عاداتهم في العيد سنة فداء بالأضحية فتكون مظهرا ماديا لتلك الصلة يطعم الأهل ويرزق الفقير والمسكين؛ وما كانت الرحمة إلا محبة خالصة وتعاونا على الخير.
إنها أيام معدودات تتجمل فيها الدنيا وتترك أوضارها وتتناسى ضغائنها كما يأتي العطر فينثر عبقه ويعطى للإنسان معنى وجوده؛ أن يترك في الآخرين أثره وما كان ذلك إلا الحب يشتمل عليه قلبه.
ألا إن لله علامات تهدي ومنارات تعلو فتنير ظلمة الليل، وتدع القلوب طاهرة لا إحن ولا بغضاء؛ فيتزاور الأهل ويتصالح من ابتلوا بعوج وإحن شقوا بها.
يكفي أن يتراحم الأهل ويتصافى الخلان، فكانت الأضحية سنة مادية ورمزا يحمل من المعاني السامية ما يعجل بفيض الرحمة يظلل نهار العيد، لتسعد الخلائق وتنشد الخير أينما كان.
ألا يسع المصلحين غرسُ فلسفة الأعياد بين شعوبهم، وينتهي الشر إلى غير رجعة؟
كم يشقى الصغار بما تدبره نفوس الذين يتصارعون على محاقر الدنيا وهي بلا شك أهون من جناح بعوضة؟
لا تعدل فرحة الأطفال ساعة العيد بملء الأرض ذهبا، تلتمس منا أن ندع العالم نقيا من الشرور وآفات الحروب؛ فالخلق كلهم إخوة بيض وسود وعرب !
يوم العيد له جمال اللقب وإشراقة المعنى؛ فلا تجعلوا للمتنبي عليكم سبيلا بما اقترفه من إثم قوله: عيد بأية حال عدت يا عيد!
جنايته أن لم تشبع نفسه للإمارة أو تبلغ مع إمارة الشعر إمارة البشر فانقلب مزبدا أو متوجعا شاكيا.
تلك أيام وجب فيها أن يغالب المرء جراحه ويأسو آلامه ويدع ما أثقله؛ ليتزود من العيد فهو ضيف مرتحل ونسمة تنتهبها الخلائق فلا يبقى خاليا منها.
لك أيها العيد سنة التجديد ولقاء المحبين، تصفو النفوس وتغدو الحياة أنقى وأبهى، ولنا منك الوعد بأن تجمل نفوسنا وترتفع بنا إلى معنى الإنسانية.
تلك فلسفة العيد منذ سن الله للناس هديه وبما استحدثوه من مباهج يسعدون بها، فلعل نفوس ترتقي لمعناها وتذر ما ألفت من شر ، فرحمة بالثكالى واليتامى دعوا العيد يطرق أبوابهم مرة أو مرتين.