بعد سقوط الخلافة العثمانية في مطلع القرن العشرين، أيقن الغرب الذي استعمر الدول العربية بعد حكم العثمانيين أن هذا الدين (الإسلام) خطر على وجودهم ومصالحهم إن وجد من يفهمه الفهم الصحيح ويسعى إلى تطبيقه التطبيق السليم! لذلك قرروا منذ ذلك الوقت السعي إلى تشويه هذا الدين، وأنه لم يعد صالحاً للحياة المدنية الحديثة، ونجحوا مؤقتاً، وتمكنوا من نشر الرذيلة في بلاد المسلمين، بعد أن حولوها إلى بلاد فقيرة ومتخلفة وجاهلة، وعندما تحركت الشعوب العربية للثورة على الحكم القسري للإنجليز والفرنسيين والطليان، سارعوا في خمسينيات القرن الماضي إلى جلب أنظمة حكم معلبة وفقاً لشروطهم ومتطلباتهم! وأوعزوا إليهم بضرورة محاربة الوعي الإسلامي والنزعة الدينية، وفعلاً شاهدنا تحرير كثير من الدول العربية من الاستعمار العسكري الغربي، لكن هذا الاستعمار لم يخرج إلا بعد أن ضمن أنه خلّف استعماراً من أهل الدار كما يقولون، يحل محله ويحقق أهدافه التي عجز هو عن تحقيقها، فجاء بأنظمة علمانية لا ترى للدين دوراً في الحياة العامة، وتحكم الشعوب بالقمع وتمنع حرية الرأي والكلمة، وانتشر الفساد المالي والإداري والأخلاقي في جميع مناحي الحياة، بل إن بعض هذه الأنظمة حافظ على هيئته العسكرية، ولكن الله غالب على أمره، فهبت رياح الصحوة الإسلامية التي أعادت الناس إلى دينها وربها، وامتلأت المساجد بالشباب، بعد أن كانت الصلاة بالمسجد جريمة لغير كبار السن! وانتشر الوعي والفهم الصحيح لمقاصد الدين، وعاد الكتاب الإسلامي للمكتبة، بعد أن كان توزيعه أيضاً جريمة يعاقب عليها القانون! وانتشر الشريط الإسلامي في كل بيت، وبرزت أسماء جديدة من المفكرين والدعاة على الساحة العربية، ورجعت ظاهرة انتشار الحجاب الإسلامي بعد أن كادت أن تختفي، واستمرت الحال على هذا المنوال في ظل هذه الأنظمة الجائرة، إلى أن وصلت الشعوب إلى درجة الغليان، فثارت ضد القمع وطلباً للحرية والعيش الكريم، وتمكنت من إسقاط هذه الأنظمة، وبدأت الشعوب ترتب أمورها بعد أن تنفست الحرية، ولوحظ نجاح التيار الإسلامي الوسطي في معظم الاستحقاقات الانتخابية، ولكن وخوفاً من عودة المارد الإسلامي من جديد تحركت خلايا إبليس المتواجدة في الشرق والغرب لإفشال فرحة الشعوب العربية المتعطشة للأمن والاستقرار والعيش الكريم، وجرى الترتيب مع الكيان الصهيوني فجاؤوا بالثورة المضادة، وتمكنوا من إعادة جزء من الأنظمة القمعية، وليس أمامهم إلا هدف واحد فقط، وهو القضاء على التنظيمات الإسلامية المعتدلة، التي ممكن أن تعيد للساحة الفهم الصحيح للإسلام، وأنه منهج حياة! لذلك قرروا شيطنة الدعاة والمصلحين المعتدلين، وإلغاء مفهوم الجهاد من المناهج تمهيداً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأصبح الإنسان يحاكم بتهمة فكره وقناعاته، وامتلأت السجون بالأحرار والشرفاء، ورجعت ظاهرة الرويبضة في الساحة الإعلامية، وجرى تبني الفكر الصوفي كبديل للمنهج الإسلامي المبني على الكتاب والسُّنة، وجاؤوا بـ«داعش» لتشويه هذا المنهج السليم، واستخدموا ورقة الطائفية لإثارة الفتن والدماء بين المسلمين، فدعموا إيران في احتلال العراق، وثبتوا حكم الأسد ليستمر في تصفية الوجود السُّني، وما هذه الثرثرة في الخليج بين أمريكا وإيران إلا لذر الرماد في العيون عما يجري التخطيط له اليوم!
اليوم إذا جرت محاكمة ملحد تعرض للذات الإلهية ثارت ثائرة الغرب، بينما عندهم تجري محاكمة وسجن أي إنسان يرفض التصديق بحدث تاريخي، مثل الهولوكوست، أو محرقة اليهود! بالأمس جرى صدور حكم دولي على البشير لقتاله للانفصاليين في دارفور، بينما حكومتا بورما والهند تقتلان آلاف المسلمين في بلادهما وتشردانهم من دون أن تشاهد تحركاً دولياً جاداً لإنقاذهم! الحقيقة التي يغفل عنها كثير من الناس أن الغرب ووكلاءه في الشرق لا يريدون أن تصحوا هذه الأمة من غيبوبتها! وإن حدث وصحت فعلى فهم الغرب للإسلام، وليس الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.