ذكرت وسائل إعلامية تركية مساء الأحد 26 أغسطس الجاري أن 5 جنرالات أتراك قدموا طلبات للإحالة إلى التقاعد بينهم مسوؤلون عن نقاط المراقبة شمال سوريا وقيل أن قرار الجنرالات جاء احتجاجاً على قرارات صدرت عن مجلس الشورى العسكري شملت ترقيات وتعيينات لم تعجب هؤلاء الجنرالات، وقد ذكرت مصادر إعلامية أخرى أن الاستقالة أو طلب التقاعد جاء بسبب اختلاف على الموقف الأخير الذي تعرضت له نقطة مراقبة تركية بالحصار في إدلب.
يقودنا هذا الحدث إلى نظرة أعمق إلى العلاقة بين العسكر والمدنيين في تركيا التي شهدت حقبة مهمة منذ 2002م إلى يومنا هذا في العلاقة بين العسكر والمدنيين حيث استطاع حزب العدالة والتنمية القيام بإصلاحات دستورية قام من خلالها بإعادة الجيش إلى الثكنات، وحد من تدخله في الحياة السياسية بشكل كبير مقارنة بالمراحل التي سبقت حزب العدالة والتنمية والتي شهدت عدة انقلابات وتحكم من الجيش في الحياة السياسية بحجة الدفاع عن الكمالية.
وقد استفاد حزب العدالة والتنمية من عملية مباحثات الانضمام للاتحاد الأوروبي وتطبيق شروط الاتحاد الأوروبي في ابعاد الجيش عن الحياة المدنية، وقد سهلت عملية التقارب من الغرب قبول الجيش لهذه الشروط بالإضافة إلى بعض الحوادث مثل حادثة ارغنكون وباليوز التي تم من خلالها احباط بعض المحاولات التي كانت تهدف للانقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية التي كانت تكسب الشعبية عاماً بعد عام من 2002 حتى 2013م، كما استطاع حزب العدالة تغيير هيكلية مجلس الأمن القومي ليكون رئيسه مدنياً وليكون نصف أعضائه من المدنيين حيث تأسس المجلس بعد انقلاب 1961م وكان يتدخل بالحياة السياسية بشكل فج ويمارس الوصاية على كافة مؤسسات الدولة.
كان الانقلاب الفاشل في 2016م ضربة للجيش حيث تم تطهير الجيش من تنظيم غولن وأدت عملية التطهير إلى فرض رقابة مشددة على الجيش وإلى وجود حاجة لإعادة هيكلته مما سمح وفق بعض الآراء لبروز ضباط موالين للحكومة حيث أن نسبة كبيرة من جنرالات الجيش تم إحالتها للتقاعد أو للتحقيق بسبب العلاقة مع تنظيم غولن الذي وقف خلف الانقلاب.
بعد عام 2016م حضر الجيش ولكن ضمن سياقه الطبيعي في الدفاع عن حدود البلد حيث خاض عملية درع الفرات ضد تنظيم داعش الذي كان يشكل تهديداً شمال سوريا ثم في بداية 2018م عملية غصن الزيتون في عفرين ضد حزب العمال الكردستاني وفي عمليات أخرى في 2019م مثل عملية المخلب شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني أيضاً. وأرسل سفناً عسكرية لشرق البحر المتوسط وقوات عسكرية للصومال وسوريا والعراق وقطر وقبرص.
نشطت تركيا أيضاً في مجال التصنيع العسكري وانتجت طائرات بدون طيار ودبابات ومدرعات ومروحيات وتعتزم تصنيع طائرة نفاثة ومشاريع أخرى متعددة، وكانت تلك إشارة على وجود انسجام بين المدنيين والعسكريين تمثل في تعيين رئيس الأركان السابق خلوصي أكار والذي رفض المشاركة في الانقلاب وزيراً للدفاع في الحكومة الرئاسية التي يقودها الرئيس أردوغان.
لطالما وقف الجيش تاريخياً ضد حكومات أربكان ذي الخلفية الإسلامية وحاول التشويش على حزب العدالة في 2007م وقامت جماعة من الجيش بمحاولة انقلاب 2016م، ولكن بعد تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية بعد 2018م واحتمالات وجود خلافات حول السياسات الخارجية للحكومة يمكن أن يكون هناك انزعاج واعتراض من عدد من الجنرالات من داخل الجيش على سياسة الحكومة ولكن تبقى احتمالات وقوع انقلاب ضعيفة بسبب الرقابة على الجيش وحاجته لاعادة الهيكلة وبسبب رفض جنرالات كثر للانقلاب، والأكثر أهمية هو رفض الشعب التركي لأي انقلاب واستعداده للوقوف ضده.