تعرض الطالب عبدالله بن صالح لحادث مروري في بريطانيا، ونقلته الإسعاف إلى مستشفى «سان آرثر» في برايتون للعلاج، وانتهى به المآل في غرفة عمومية فيها مريضان بريطانيان؛ ديفيد، وإلن، وبقي في المستشفى سبعة عشر يوماً، لم تنقطع خلالها الاتصالات الهاتفية والزيارات بشكل يومي وعلى مدار الساعة، للاطمئنان على صحته، إضافة إلى باقات الورد وبطاقات التهنئة بالسلامة التي تملأ الغرفة، فضلاً عن الأكلات المتنوعة، في حين أن ديفيد، وإلن لم يسأل عنهما أحد، وكانت علامات التعجب تملأ وجهيهما!
وزاره أحد أقاربه ممن جاء للسياحة حين علم بما حدث له، وطلب من إدارة المستشفى أن يتكفل بتكلفة علاجه دون أن يعلم.
وكثيراً ما كان يضع له أصدقاؤه مالاً في يده أو تحت وسادته رغم عدم حاجته.
ووسط الانبهار الشديد، قال له ديفيد: يبدو أنك شخص مهم.
فأجابه عبدالله: لا.. لست مسؤولاً كبيراً ولا ثرياً من الأثرياء حتى أكون مهماً، فما أنا سوى طالب صغير في دراسة جامعية لا أكثر، وستجد ذلك التعامل لدى الفقراء والأغنياء، لأن الهدف من تلك الزيارات هو التواصل الاجتماعي وعيادة المريض التي فيها أجر كبير من الله عز وجل، فهذا جزء من عقيدتنا، واختلط هذا المبدأ بدمنا وعظمنا ولحمنا، وما تراه دليل على ما أقول.
قال ديفيد: لقد حضر إليك أصدقاء بعضهم ليسوا عرباً مثلك.
فرد عليه: إن المسلمين إخوة مهما كانت جنسياتهم وبلادهم وألوانهم.
خرج ديفيد وأخذ عنوان عبدالله، ثم خرج بعده بخمسة أيام حينما شفي من الإصابة.
وبعد فترة من الزمن فوجئ عبدالله برسالة من ديفيد في صندوقه البريدي، قال فيها: إنني مدين لتلك الأيام التي قضيتها معك في المستشفى، كنت بالقياس إليك كأنني منبوذ.. لا أحد يحبني، ولا أحد يزورني، ولا أحد يسأل عني، بالرغم من أن أقاربي في نفس المدينة، أما أنت فعالم آخر يبدو لي غير معقول أبداً.. باقات من الورد والزهور بألوان مختلفة، ورسائل تحية، ومكالمات كثيرة، وزوار لك من داخل المدينة ومن خارجها.
كنت أحسدك على ذلك، وأحسدك أكثر على الحب الذي ألحظه في علاقتهم بك، واستعداد الواحد منهم أن يقدم لك ما تريد من مساعدة، لقد قلت لي جملة واحدة: إنه الإسلام.
كان ذلك الموقف الذي رأيته يغني عن أي كلام منك لي.. كلمة واحدة بدأت بها مشوار تعرفي على هذا الدين الذي أنا في أشد الحاجة إليه، فبدأت بالقراءة عن الإسلام، وأنا الآن سعيد جداً.. لا تكاد تعرف حدود سعادتي وأنا أزف إليك خبر إسلامي. انتهت القصة.
هذه قصة حقيقية يرويها عبدالله، أسلم ديفيد دون أن يكلمه أحد عن الإسلام، ولكنه رأى سلوكاً إيجابياً وأخلاقاً حسنة، جعلته يبحث عن الحقيقة، فوجدها في الإسلام.
ولعلها فرصة لكل المسلمين في دول الغرب من المهاجرين والطلبة والموظفين والمرضى ليكونوا نموذجاً إيجابياً، لعل وعسى يدخل بسلوكهم أحد ما الإسلام، ولا أقل من تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين.
وما هذا الشهر المحرم إلا وسيلة للتعريف بهجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي ارتبط بداية العام الهجري بهجرته، وما واجهه من أجل نشر الحق والمحبة، لتجاوز من يقدم صورة سلبية عن الإسلام بقصد أو دون قصد.
____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.