«الربيع بن سليمان بن عبدالجبار بن كامل المُراديّ مولاهم، الشيخ أبو محمد المؤذن، صاحب الشافعي، وراوية كتبه، والثقة الثَّبْت فيما يرويه.
ولد الربيع سنة أربع وسبعين ومائة، واتصل بخدمة الشافعي وحمل عنه الكثير، وحدث عنه به.
روى عنه أبوداود، والنَّسائيّ، وابن ماجة، وأبو زُرْعة الرَّازي، وأبو حاتم..
وكان مؤذناً بالمسجد الجامع بفُسطاط مصر، المعروف اليوم بجامع عمرو بن العاص.
وكان يقرأ بالألحان، وكان الشافعيّ يحبه، وقال له يوماً: ما أحبَّكَ إليَّ!
وقال: ما خدمني أحد قطُّ ما خدمني الربيع بن سليمان.
وقال له يوماً: يا ربيع، لو أمكنني أن أطعمك العلم لأطعمتك.
وقال القفّال في «فتاويه»: كان الربيع بطيء الفهم، فكرر الشافعيّ عليه مسألة واحدة أربعين مرة فلم يفهم، وقام من المجلس حياءً، فدعاه الشافعي في خلوة، وكرر عليه حتى فهم.
وكانت الرحلة في كتب الشافعي إليه من الآفاق نحو مائتي رجل، وقد كاشفه الشافعي بذلك، حيث يقول له فيما روى عنه: أنت راوية كتبي.
ومن شعر الربيع:
صبراً جميلاً ما أسرع الفَرجا
من صدَّق اللهَ في الأمور نجا
مَن خشِي اللهَ لم ينلْه أذَى
ومن رجا اللهَ كان حيث رجا
وقيل: كانت فيه سلامة صدر، وغَفْلة.
قلتُ: إلا أنها باتفاقهم لم تنته به إلى التوقُّف في قبول روايته بل هو ثقة، ثبت، خرَّج إمام الأئمة ابن خُزيمة حديثَه في صحيحه، وكذلك ابن حِبَّان، والحاكم.
وقال ابن أبي حاتم: سمعنا منه، وهو صدوق، وسئل أبي عنه، فقال: صدوق. انتهى.
وقال الخليل في «الإرشاد»: ثقة متَّفق عليه.
قال أبوعاصم: روى الربيع عن الشافعيّ أنه قال: في الأكل أربعة أشياء فرض، وأربعة أشياء سُنة، وأربعة أدب، أما الفرض: فغسل اليدين، والقصعة، والسكين، والمِغْرفة، والسُّنة: الجلوس على الرِّجل اليسرى، وتصغير اللُّقَم، والمضغ الشديد، ولعق الأصابع، والأدب: ألا تمد يدك حتى يمد مَن هو أكبر منك، وتأكل مما يليك، وقلة النظر في وجوه الناس، وقلة الكلام.
قال الربيع: دخلت على الشافعيّ، وهو مريض، فقلت: قوَّى الله ضعفَك، فقال: لو قوَّى ضعفي قتلني، قلتُ: والله ما أردت إلا الخير، قال: أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.
قال الربيع: سمعت الشافعيّ يقول: أنفع الذخائر التقوى، وأضرّها العدوان.
قال: وسمعتُه يقول: لا خير لك في صحبة مَن تحتاج إلى مُداراته.
قال: وسمعته يقول: من صَدق في أُخوة أخيه قَبِل عِلَله، وسدَّ خَلَله، وعفا عن زَلَله.
قال: وسمعتُه يقول: الكيِّس العاقل هو الفطن المتغافل.
قال الربيع: قلتُ للشافعيّ: من أقدر الناس على المناظرة؟ فقال: مَن عوَّد لسانه الركْض في ميدان الألفاظ، ولم يتلعثم إذا رمقتْه العيون بالألحاظ.
قال الطحاويّ: مات الربيع بن سليمان، مؤذن جامع الفسطاط، يوم الإثنين، ودفن يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليلة خلت من شوال، سنة سبعين ومائتين، وصلى عليه الأمير خُمارَوَيْه أحمد بن طولون»(1).
العبر والفوائد التربوية:
– رحم الله الإمام الربيع، رفع الأذان فرفع الله ذكره في العالمين، والجزاء من جنس العمل.
– رضي الله تعالى عن الإمام الشافعي؛ إذ كان يتعامل مع الربيع راوية كتبه بكل أدب جم وحسن ظن.
– صبر الشيخ على قلة فهم تلميذه، وإعادة مسائل العلم عليه؛ خلة رائعة من خلال البر والكرم.
– ما كان من الربيع من غفلة لم تدع علماءنا الأجلاء لتركه ما دام ثقة ثبتاً صدوقاً فاتفقوا عليه؛ فالمسلم الفطن الأريب لا يحتقر أحداً من خلق الله تعالى.
– إن الدعاة المربين يجب أن يفيدوا من التراث الإسلامي الهائل الذي يحوي الآداب والقيم والتوجيه والإرشاد والتزكية.
والحمد لله رب العالمين.
_______________
الهامش
(1) ابن السبكي- طبقات الشافعية الكبرى ج2، تحقيق: عبدالفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي.