تعتبر صناعة الفخار واحدة من الحرف التقليدية الأكثر انتشاراً في العالم، ومن أقدم الصناعات التي ارتبطت بوجود الإنسان التي ما زالت تصارع من أجل الاستمرار والبقاء رغم من المراحل الصعبة التي مرت بها عبر الزمن.
وفي فلسطين تعد صناعته من أقدم الحرف المشهورة حيث يعبر عن التراث القومي الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، مهنة قام بها الأجداد ومن ثم حمل هذه الراية الأبناء الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة حتى هذه اللحظة، لا سيما أنها تعتبر من المهن المنقرضة التي يعتقد الناس أنها لا فائدة منها لا سيما بعد ظهور الصناعات البلاستيكية.
لكن مهنة الفخار بدأت تتلاشى وتنقرض في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع تصدير الفخار خارج القطاع، إضافة إلى ظهور الصناعات البلاستيكية والمعدنية التي أدت إلى عزوف الفلسطينيين عن شرائها، لكن مصنع عطا الله في منطقة حي الدرج شرق مدينة غزة ما زال يعمل ومتمسكاً بهذه المهنة القديمة التي يعتبرها كل حياته ولا يجد نفسه إلا فيها رغم ما تتعرض له المهنة.
ويقول صبري عطالله، في تصريح لـ”المجتمع”، وهو صاحب أقدم مصنع للفخار ويعد تأسسيه إلى عام 1960: إنه ما زال يتمسك بالمهنة لأنها تراث وتاريخ للشعب الفلسطيني، مضيفاً أنه مارس هذه المهنة منذ أن كان طفلاً صغيراً مع الده حيث بدأت الصناعة الأولى لهم من مدينة عكا المحتلة.
وتابع: منذ طفولتي أحب هذه المهنة، عملت أنا وأبي بها في كل أرجاء فلسطين من الشمال إلى الجنوب، كنت في السابعة من عمري، تعلقت بهذا العمل ولا أريد تركه حتى لو توصلنا إلى القمر.
وأضاف: عائلتي تعمل في هذه المهنة منذ مئات السنوات، وقد اشتهرت بها، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع ساهمت في تراجعها، منوهاً إلى أنه لم يتبق لديه سوى أبنائه ليعملوا معه في هذا المهنة، بعد أن كان لديه أكثر من 20 عاملاً قبل ما يزيد على 6 سنوات.
وأوضح عطالله أن صناعة الفخار شبه انقرضت في القطاع؛ بسبب إغلاق المعابر وعدم توافر الدعم اللازم لها من جهات عدة، وناشد الحكومة الفلسطينية دعم هذه الصناعة وعدم التخلي عن جزء مهم من التراث الفلسطيني الذي يعكس الحياة في القطاع.
مراحل صناعة الفخار
يقول عطالله: تدخل صناعة الفخار في عدة مراحل؛ أولها جمع الطين المتواجد بكثرة في المنطقة الشرقية لشمال القطاع، ومن ثم تنشيفه ليوضع في بركة كبيرة من المياه ليتم تذويبه وتنقيته من الشوائب حتى يصبح مادة لزجة، ثم يوضع في مكان يدعي “المصول” ليترسب بدون مياه، ويترك هناك ما يقارب الثمانية أشهر، بعد ذلك يوضع الطين في العجانة ليخلط، ويخرج على شكل قوالب جاهزة للتشكيل على آلة “الدولاب” الذي يدور مع عقارب الساعة، وتشكل على هذا الدولاب الدوار الأشكال الفخارية المطلوبة في السوق كالقدر والحصالات وأباريق المياه والمزهريات والزبادي، وبعد مرحلة التشكيل توضع الأشكال في مكان لتنشيف وتجهز لمرحلة الفرن الناري الذي تبدأ درجة حرارته من درجة حرارة الجو حتى 800 درجة مئوية.
بدوره، قال سمير عطالله، البالغ من العمر 43 عاماً، في تصريح مماثل: إنه بدأ العمل في صناعة الفخار وهو بعمر 8 سنوات؛ لأنه ورث هذه المهنة عن أجداده وآبائه وزرعوا حبها بداخله، معتبراً أنها تمثل تراث وتاريخ الشعب الفلسطيني.
وأضاف: رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والأوضاع السياسية التي تمر على الفلسطينيين بقطاع غزة، خاصة فرض الحصار الإسرائيلي فإن عائلته متمسكة بهذه المهنة مهنة الآباء والأجداد.
وأشار إلى أن السوق المحلية ضعيفة في التسويق، وهناك ضعف في تسويق المنتج رغم انخفاض سعره، لكن الإقبال ضعيف خاصة بعد انتشار الصناعات البلاستيكية والمعدنية والإقبال الشديد عليها من قبل المواطنين.
وأشار إلى أن منع الاحتلال من تصدير منتجات الفخار أثر عليهم بشكل كبير، وكبدهم خسائر مالية باهظة؛ لأن الفخار الفلسطيني عليه طلب وإقبال كبير خارج القطاع.
ولفت إلى أنهم ما زالوا يستخدمون الطرق البدائية في الصناعة عبر ماكينة العاجنة التي تعجن من خلالها الطين إضافة إلى الدولاب الذي يستخدم في تشكيل الأواني الفخارية.
وقال: أبرز المنتوجات التي يتم صناعتها هي: الإبريق، الزبدية، قدرة الرز، إضافة إلى فناجين قهوة وغيرها من الأصناف التي يطلبها الزبون وتحتاجها السوق.
وناشد المجتمع الدولي بضرورة الضغط على “إسرائيل” لرفع الحصار عن وغزة والسماح لهم بتصدير الفخار خارج القطاع، وكما طالب المؤسسات المحلية والحكومية بدعم مهنة وصناعة الفخار حتى لا تنقرض لأنها تمثل تاريخ وتراث الشعب الفلسطيني.