برز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته بالأمم المتحدة من خلال تناوله للعديد من القضايا الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، بالإضافة إلى حديثه الذي يحتوي دائماً نقداً لهيمنة مجموعة محددة من الدول على النظام الدولي، حيث يكرر دائماً مقولته الشهيرة: “العالم أكبر من خمس”، في إشارة إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
كانت القضية الفلسطينية والتطورات في كشمير حاضرتين بشكل بارز في خطاب أردوغان، حيث انتقد الأخير تعامل الأمم المتحدة لأنها لا تطبق القرارات المتعلقة بـ”إسرائيل”، وبشكل عام يتبع أردوغان تقليداً في كلماته في الأمم المتحدة؛ وهو عدم التردد في الحديث عن مشكلات العالم الإسلامي، وانتقاد غياب العدالة في النظام العالمي بكل جرأة.
وقد فتح أردوغان من جديد موضوع التمدد “الإسرائيلي” داخل الأراضي الفلسطينية، من خلال عرضه لخريطة توسع الكيان “الإسرائيلي” منذ عام 1947م، متسائلاً: أين هي حدود “إسرائيل” في ظل سعيها لاقتطاع المزيد من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغور الأردن، وبعد اعتراف ترمب بحق “إسرائيل” في هضبة الجولان، وقد لاقى خطاب أردوغان قبولاً لدى المجتمعات المسلمة بسبب تطرقه لكافة القضايا والمشكلات التي يعاني منها المسلمون.
فيما وراء الخطاب الذي ألقاه أردوغان تعول تركيا على اللقاءات الثنائية التي تعقد على هامش القمة؛ حيث إن هناك ترتيبات جرت للقاءات ثنائية مع ميركل، وماكرون، وترمب وعدد آخر من الزعماء والمسؤولين، وكما يذكر أحد المرافقين للرئيس أردوغان؛ فإن الرئيس التركي يعتبر أحد أبرز قادة الدول الذين يستغلون اجتماعات الأمم المتحدة لعقد اللقاءات الثنائية.
وكما قال أحد الباحثين الأتراك في مقال له بأن الأمم المتحدة أصبحت مؤسسة هامشية ولا تؤثر في السياسة الدولية، وتتهرب من القضايا الأساسية للحديث عن مشكلات مثل الأمن البيئي، متوقعاً أن هذا التهرب لن يستطيع أن يدوم طويلاً؛ لأن المنظمة الدولية ستصبح أكثر هامشية إذا استمرت على ذات النهج، ويرى بأن الأمم المتحدة كانت تحت سيطرة النفوذ الأمريكي لغاية عام 2003م، إلا أن واشنطن التي لم تحصل على ما تبتغيه من الأمم المتحدة فيما يخص حرب العراق، تخطّت الأمم المتحدة وشرعت في احتلال العراق، ومنذ ذلك الحين تحولت الأمم المتحدة إلى منظمة عرجاء لا تأثير لها على المستوى العالمي، ويعلل بأن سبب تلبية زعماء الدول لدعوة الحضور هو ما يوفره هامش اجتماع الدورة السنوية للأمم المتحدة للزعماء من لقاءات ثنائية مع بعضهم بعضاً.
وفي هذا السياق، فإن أردوغان يعول على اللقاء مع ميركل للحديث في القضايا الاقتصادية بين تركيا وأوروبا، وللحديث عن مسألة اللاجئين ومسألة إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول أوروبا، كذلك الحال يريد أردوغان كما هو مأمول من لقائه مع ترمب أن يصل لتوافق على حدود المنطقة الآمنة في سورية التي يريد الأتراك أن تصل إلى 20 ميلاً داخل الأراضي السورية؛ لتأمين عودة قسم كبير من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
كما يريد الأتراك تجاوز الأزمة التي أحدثها استيرادهم لمنظومة “إس 400” الروسية من خلال لقاء القمة بين أردوغان، وترمب، فضلاً عن ملفات أخرى مثل تنظيم غولن، وإعادة رئيس التنظيم المتواجد في مدينة بنسلفانيا الأمريكية.
وبرغم من أن هناك حالة من عدم اليقين بسبب الغموض حول مستقبل نجاح ترمب في الانتخابات الرئاسية القادمة بالولايات المتحدة، فإنه ما زال لدى الأتراك أمل في إمكانية إحداث إنجاز ما من خلال اللقاء بين أردوغان، وترمب، ولكن الموضوع السوري يحمل حساسيات كبيرة بسبب عمل تركيا وتنسيقها مع روسيا وإيران واعتماد واشنطن على وحدات الحماية الكردية؛ حيث إن أي خلاف سيفتح المجال لاحتمال شن تركيا لعملية عسكرية، وهو ما قد يفتح الباب أمام مشكلات أخرى.