في الرابع عشر من أكتوبر عام 1990م، كان العالم على موعد مع ملحمة شعبية كويتية، عبرت عن رد قوي على عدة أمور، منها طرْح الرئيس الفرنسي السابق «فرانسوا ميتران» مبادرة بإجراء انتخابات بين الكويتيين لاختيار نظام الحكم في الكويت، وكذلك كانت رداً صاعقاً على النظام العراقي السابق بأن الكويتيين متمسكون بنظام حكمهم وبأسرة آل الصباح أسرة حكم، بعد ادعائه بأن ما أقدم عليه من غزو وحشي لدولة الكويت ما هو إلا تلبية لثورة شعبية في الكويت.
قام مجموعة من رجالات الكويت بعقد المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة بالمملكة العربية السعودية بعيد الغزو العراقي الغاشم عام 1990م، وإعلان البيعة لأسرة آل الصباح، والتأكيد على أن ما قاله رئيس النظام العراقي هو كذب وافتراء، وأن الشعب الكويتي ملتف حول قيادته السياسية.
كان الهدف من عقد مؤتمر تحضره القيادة السياسية الكويتية، وأبرز الرموز السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دحض إشاعات الرئيس العراقي بأن الكويت فيها خلاف كبير مع القيادة السياسية، خاصة أن البرلمان حينها كان معطلاً، والدستور معلقاً، فأصبح من الضروري أن يكون المشهد الإعلامي والسياسي التوافق بين أسرة الحكم (آل الصباح)، والنخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جميع أطياف المجتمع الكويتي، وصدور بيان للعالم أجمع بأن الشعب الكويتي متوافق مع قيادته الشرعية.
ومر المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة بعدة محطات كادت أن تعصف به؛ بسبب الاختلاف حول من يرأس المؤتمر، ومن يلقي الكلمات، ومحتوى البيان الشعبي، ولله الحمد غلبت الحكمة، حيث كان هناك دور عظيم لعدد من رجالات الكويت في إنقاذ المؤتمر، أبرزهم العم عبدالله العلي المطوع يرحمه الله، الذي نجح في التوفيق بين الطرفين قبل ساعتين فقط من انعقاد المؤتمر.
كلمة الأمل والعهد
وترأس المؤتمر العم عبدالعزيز حمد الصقر يرحمه الله، وشارك في إلقاء الكلمات عدة شخصيات ورموز سياسية؛ حيث عقد تحت رعاية صاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله، الذي قال في كلمة وصفت بـ«كلمة الأمل والعهد»: «لقد عاش الكويتيون منذ القدم في أجواء الحرية، والتزموا الشورى، ومارسوا الديمقراطية في إطار دستورنا الذي ارتضيناه، وإذا ما اختلفت اجتهاداتهم بشأن أمر من الأمور المتعلقة بترتيب البيت الكويتي، فإنهم يكونون أشد تلاحماً وإصراراً وتآزراً في مواجهة الأخطار التي تهددهم».
وقال سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح يرحمه الله، في كلمته: «إذا كانت حرية التعبير عن الرأي حقاً تعارف عليه مجتمعنا منذ نشأته، وأكده دستورنا الذي نتمسك به ونحرص عليه، فإنه ليس من الوطنية ولا من حرية الرأي، وخاصة في ظل احتلال العدو لأراضينا ووطننا، أن يسيء أحد إلى وحدتنا الوطنية، أو العمل على تشويه صورة كفاح شعبنا».
وقال عبدالعزيز الصقر يرحمه الله، في كلمة المشاركين: «نحن قادرون بإذن الله وبعزيمتنا أن نعيد للكويت الحرة مجدها وبهاءها»، وأضاف: «إن الاستجابة ليس الهدف أبداً مبايعة آل الصباح؛ ذلك أن الآن مبايعة الكويتيين لهم لم تكن يوماً موضع جدل لتؤكَّد، ولا مجال نقض لتجدَّد، ولا ارتبطت بموعد لتمدَّد، بل هي بدأت محبة واتساقاً، واستمرت تعاوناً واتفاقاً، ثم تكرست دستوراً وميثاقاً».
وصدر عن المؤتمر بيان ختامي تضمن عدة محاور، هي:
1 – الإعلان للعالم أجمع زيف وبطلان كافة الادعاءات والمزاعم التي ساقها النظام العراقي تبريراً لجريمة احتلاله دولة الكويت المستقلة، التي تخالف الحقيقة والواقع، ويكذبها التاريخ.
2 – التزام الحكومة الكويتية في الطائف بعودة الحياة النيابية وفق دستور 1962م.
3 – تمسك الشعب الكويتي بنظام حكم «آل الصباح» الذي اختاره منذ نشأته، وارتضته أجياله المتعاقبة، واعتبارها «بيعة» ثانية لأسرة آل الصباح، وتمسك الشعب الكويتي بالشرعية الكويتية ممثلة بسمو أمير البلاد، وسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، والحكومة الكويتية.
4 – التأكيد على التمسك بحل القضية الفلسطينية، وعدم الخلط ما بين الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال الصهيوني، وموقف منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات بالوقوف إلى جانب النظام المعتدي في بغداد، ولن يؤثر ذلك على تضامننا الثابت مع الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل من أجل تحرير وطنه واسترجاع حقوقه المغتصبة.
ومن الجدير بالذكر، أنه تم تلاوة عدة رسائل موجهة للمؤتمر، كان أولها رسالة أ.مصطفى مشهور يرحمه الله، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك، التي أعلن فيها دعمه للحكومة الشرعية في الكويت، وإدانته للغزو العراقي الغاشم، وكذلك رسالة المرابطين التي نقلها د.إسماعيل الشطي بصفته قادماً من الكويت، وكلمة أطفال الكويت.
دروس وعبر
لقد كان للمؤتمر الشعبي الكويتي في جدة أهمية كبرى في التاريخ السياسي الكويتي، ويجب أن يكون محفوراً في مخيلة أبناء وبنات الجيل الجديد، لما فيه من قيم، وهذه دعوة لوزارة التربية بأن يكون أحد دروسها في مادة الاجتماعيات للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وكذلك لمواد التاريخ في المرحلة الثانوية بعنوان «المؤتمر الشعبي الكويتي».
لقد كان للمؤتمر الشعبي الكويتي الكثير من الدروس والعبر، منها:
1 – مهما حدث من خلاف بين الكويتيين، فإنه ينتهي عندما يصل إلى وجود خطر على الكويت أو أي تهديد للبلاد.
2 – التأكيد على أن الديمقراطية الكويتية متجذرة في الشعب والقيادة باختلاف مواقعها وطرقها؛ فالديمقراطية لا تنحصر فقط في مجلس الأمة، وإن كان دستورياً وجوب وجود المجلس؛ فالديوانية والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي نوع من الديمقراطية التي يجب أن تكون مسؤولة، وتحتاج إلى قانون يكون فيه المزيد من الحريات المنضبطة وقفاً للقانون.
3 – التأكيد على العمق الإسلامي والعربي للكويت حكومة وشعباً، والوقوف مع كل من ظُلم خاصة الإخوة في فلسطين، وأخذ نظرية «لا تزر وازرة وزر أخرى» في التعامل مع القضايا العربية والإسلامية.
4 – يجب استثمار الخبرات الكويتية والحكماء لحل القضايا العالقة بين الكويتيين؛ فشعبنا يقدر كبار السن والحكماء، وهم الأقدر على حل الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية.
5 – الوحدة الوطنية أهم سلاح للدفاع عن الكويت، ويجب استثمار هذه الوحدة في بناء الوطن.