بالرغم من مرور 102 عام على “وعد بلفور” الذي صدر بتاريخ 2/ 11/ 1917 من وزير خارجية المملكة البريطانية وقتها آرثر بلفور، يمنح فيها اليهود وطناً قومياً على حساب أرض فلسطين، فإنه ما زالت مدينة قلقيلية التي كانت وقتها قرية صغيرة عدد سكانها لا يتجاوز الألف مواطن، عند تحولها لمدينة يقطنها 55 ألف مواطن، ما زالت تعيش آثار ذلك الوعد المشؤوم، فهي المدينة المسجونة والوحيدة في العالم المحاطة بالجدار من جميع الجهات والطرق الالتفافية والمستوطنات وكل أشكال العزل والحصار.
قلقيلية والسجن
يتحدث رئيس بلدية قلقيلية د. هاشم المصري عن “وعد بلفور” قائلاً: فلسطين دفعت ثمناً باهظاً جراء هذا الوعد، واليوم كوني رئيس بلدية لمدينة محاصرة أقول: “وعد بلفور” المشؤوم جعل من قلقيلية التي كانت أراضيها تمتد إلى البحر الأبيض المتوسط إلى كانتون معزول وسجن كبير، فبعد أكثر من مائة عام على صدور الوعد ما زلنا كفلسطينيين نتكبد عذابات هذا الوعد، فقلقيلية على سبيل المثال كانت أراضيها تبلغ 50 ألف دونم، أما اليوم فهي 4 آلاف دونم يسمح فيها البناء، و8 آلاف دون خارج الجدار.
ويضيف: فأهالي قلقيلية تحولوا إلى رهائن لهذا الوعد المشؤوم، فلم يعد هناك مستقبل لهم ولا سكن، والأموات فيها يدفنون فوق بعضهم بعضاً لقلة الأراضي الموجودة التي تسمح بفتح مقبرة جديدة، فالاحتلال صادر الأرض في قلقيلية على مدار مائة عام وأكثر.
مستوطنات خنقتها
ويقول المختص بالشأن الاستيطاني محمد أبو الشيخ: الناظر لواقع قلقيلية والخسائر الناجمة عن “وعد بلفور”، يرى مدة كارثية الحال التي وصل إليها الإنسان الفلسطيني، فـ”وعد بلفور” يلاحق الفلسطينيين في كل وقت وزمان والأجيال المتعاقبة، فمن كان عاش في وقت صدور بلفور لم يعد حياً، ومن تبعه من أجيال إما شردت خارج فلسطين أو داخلها.
ويضيف: قلقيلية تعيش في بحر من الاستيطان، وقراها وبلداتها محاصرة، فهناك مزارعون فقدوا أرضهم بالكامل، وآخرون عزلوا عن أرضهم ولا يستطيعون الوصول إليها، وآخرون يذهبون إلى أرضهم عبر تصاريح وبوابات عنصرية أمنية، فهذا الواقع مؤلم وكارثي.
ويتابع قائلاً: أكثر من 27 مستوطنة أقيمت حول قلقيلية وأراضي المحافظة، إضافة إلى عزل أكثر من 20 ألف دونم، تجمعات معزولة مثل عرب الرماضين الجنوبي وعرب أبو فردة، وأسوجة أمنية للمستوطنات تمنع اقتراب المزارعين من أرضهم.
كانتون مؤلم
يقول مختار عرب الرماضين الشمالي شرق قلقيلية قدر جبر جخادمة عن معاناة التجمع في ذكرى “وعد بلفور” المشؤوم: في عرب الرماضين الشمالي شرق قلقيلية يوجد 35 عائلة بدوية، وتعدادها قرابة 200 شخص، نسكن في بيوت من الزينكو، وفوقنا مستوطنة تسوفيم تحاصرنا من عدة جهات، ونحن نُمنع من بناء بيت واحد، فنحن والمواشي في ذات السكن والمصير!
ويضيف: لا توجد عندنا مدرسة، ويضطر 15 طالباً من أبنائنا الذهاب إلى مدرسة النبي إلياس التي تبعد أكثر من كيلومتر عن مكان سكننا، ويحملون حقائبهم باتجاه المدرسة، في رحلة عذاب يومية، وخصوصاً عندما يحل الشتاء، فالسير يكون في ظل الأجواء العاصفة.
وعن تفاصيل المعاناة اليومية يقول المختار جخادمة: بعد الخروج من البوابة تأتي مرحلة السير على الطريق الالتفافي المؤدي إلى منطقة الارتباط العسكري شرق قلقيلية، والوقوف بالقرب من مدخل الارتباط، في انتظار المركبات المارة.
ويضيف: مركبات المستوطنين المسرعة تكون هاجس لطلاب وهاجس الآباء والأمهات، فلا أمان عليهم من عربدات المستوطنين، فالطلاب يسيرون في مربع أمني خطير، يبدأ ببوابة وبمنطقة الارتباط العسكري وبمفترق خطير وبشارع يصل النبي إلياس تمر منه صباحاً آلاف المركبات التابعة للمستوطنين ويسيرون بسرعة جنونية، ودهس العديد من المواطنين في هذا المقطع الخطير.
مسن و”وعد بلفور”
وفي حي النقار غربي قلقيلية، يسكن المسن عبدالرحيم صوي (75 عاماً) الذي تسبب الاحتلال باعتقال أبنائه واستشهاد اثنين منهم وهدم منزله، يقول: أنا أعيش في حي النقار المتاخم للخط الأخضر الذي كان يطلق عليه خط الهدنة، و”وعد بلفور” تسبب في نكبتي شخصياً ولشعبي بشكل عام، فالاحتلال هدم منزلي عام 1994، واستشهد ابني الطفل حسين في الانتفاضة الأولى عام 1988، واستشهد ابني البكر صالح في عملية “ديزنجوف”، واعتقل جميع أبنائي، وما زال يقبع في الأسر ابني موسى وأحفاد لي، وهذا الإرهاب الذي وقع عليّ بفعل “وعد بلفور” الذي كان سبباً في قيام دولة الاحتلال.