لأول مرة منذ استقلال البلاد، يراقب حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة) سباق انتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر، دون أن يحرك ساكناً، ولم يقدم أو يدعم أياً من الراغبين في الترشح حتى الآن.
وحتى استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، في 2 أبريل الماضي، تحت ضغط انتفاضة شعبية لقيت دعماً من قيادة الجيش، كان يطلق على حزب جبهة التحرير الوطني لقب “الحزب الحاكم”.
وأدخل الحزب على قانونه الأساسي في المؤتمر العاشر له في عام 2015 مادة جديدة نصت على جعل بوتفليقة “رئيساً فعلياً” له، بعدما كان رئيساً شرفياً.
وطالب المتظاهرون الجزائريون في جمعات عديدة بإحالة الحزب على متحف، باعتباره “إرثاً” وطنياً مشتركاً، حيث إن جبهة التحرير الوطني هي التي فجرت الثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي في الفاتح نوفمبر 1954.
وحمل الكثيرون من أحزاب معارضة ومراقبين الحزب مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد خلال العقود الماضية، لكونه من صانع الرؤساء وأداتهم في الحكم.
بينما يرفض قياديون في الحزب تحميله كل النكسات، ومنذ أبريل الماضي، صاروا يصرحون بأنه “أكبر ضحية للسلطة”، وأنه “كان يُسيّر بالهاتف من قبل السعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس (متواجد بالسجن العسكري).
لم يقدم مرشحاً
وعكس مساره السياسي منذ الاستقلال في عام 1962، لم يقدم الحزب أي مرشح هذه المرة، بعد أن كان التشكيلة السياسية التي أنجبت أغلب رؤساء الجزائر السابقين، أو وفرت لهم الغطاء السياسي لدخول السباق، باستثناء الرئيس اليامين زروال (1996-1999)، الذي رفض المرحوم عبدالحميد مهري، الأمين العام للحزب حينها دعم أي مرشح.
ولم يحدد الحزب بعد موقفه من الراغبين في الترشح، وما إذا كان سيدعم أحد هؤلاء للاستحقاق الرئاسي المفصلي الذي ينتظر البلاد.
وهذه المرة الأولى التي يكتفي فيها أعرق حزب في الجزائر، بمشاهدة المسار الانتخابي، بعدما كان فاعلاً أساسياً في معظم المحطات الانتخابية منذ الاستقلال.
وقال الأمين العام بالنيابة للحزب، علي صديقي، في 20 أكتوبر: إن “الحزب لن يقدم مرشحاً للرئاسيات المقبلة لأن حظوظه في الفوز بها غير متوافرة”.
وصرح لوسائل الإعلام المحلية خلال لقاء مع كوادر الحزب، أن “الظروف الحالية التي تمر بها البلاد جعلته مقتنعاً بأنه غير مؤهل للفوز بالانتخابات، لذلك لم يقدم مرشحاً”.
وكان حزب جبهة التحرير الوطني أعلن ترشح عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، في 10 فبراير الماضي، قبل أن تسقطها الانتفاضة الشعبية.
واعتبر الجزائريون العهدة الخامسة لرئيس مريض ومقعد “إمعاناً في إهانتهم”، وخرجوا في مظاهرات حاشدة لإسقاطها، سرعان ما تحولت إلى المطالبة بالرحيل الكلي للنظام.
وتبرأت المنظمة الوطنية للمجاهدين (المحاربين القدامى) من الحزب، وطالبت في أغسطس الماضي، بحله، وإحالته للمتحف؛ “لكونه يستغل رموز الأمة في العمل السياسي”.
ويدعم حزب بوتفليقة انتخابات 12 ديسمبر، وعبر عن رفضه الذهاب لمرحلة انتقالية.
خيار دعم مترشح
وأمام غياب مرشح له، يدرس الحزب خيار دعم أحد الراغبين في الترشح.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن الناطق باسم الحزب، محمد عماري، قوله: إن “الحزب سيحدد موقفه النهائي من الانتخابات المقبلة بعد إعلان القائمة النهائية الرسمية، للمترشحين”.
وسيكون على جدول أعمال اجتماع المكتب السياسي، الإثنين المقبل، مقترح دعم أحد الشخصيات المترشحة.
ومن بين المترشحين رئيس حزب طلائع الحريات ورئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، الذي كان أميناً عاماً للحزب مطلع الألفية، والمترشح الحر الوزير الأول السابق عبدالمجيد تبون، الذي يشغل عضوية اللجنة المركزية للحزب.
شغور في القيادة
وعرف الحزب في الأشهر القليلة الماضية حالة من اللااستقرار على مستوى الأمانة العامة، التي تداول عليها 3 أمناء عامين (واحد بالنيابة) منذ نوفمبر 2018.
وفي السياق، أوضح النائب عن الحزب بالبرلمان عبد الوهاب بن زعيم، عدم تقديم الحزب مرشح للرئاسيات مرده غياب الشرعية على مستوى القيادة، قائلاً: هناك شغور في منصب الأمين العام.
ويوجد الأمين العام للحزب، محمد جميعي، المنتخب من قبل اللجنة المركزية، نهاية مايو الماضي، رهن الحبس المؤقت منذ أواخر سبتمبر الماضي.
وقال بن زعيم: إن اللجنة المركزية للحزب (أكبر هيئة قيادية في الحزب) الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ موقف واضح من الرئاسيات بتقديم مرشح أو دعم مرشح أو رفض الخيارين في اجتماع رسمي لها.
وأفاد أن اللجنة المركزية، لم تجتمع حتى الآن للفصل في الموضوع، “ولا يمكن لأي هيئة أخرى داخل الحزب، أن تقرر مكانها”.
وأوضح أن الحزب ومنذ الاستقلال رشح شخصيتين فقط لقيادة البلاد، هما: أحمد بن بلة، والشاذلي بن جديد، بينما اكتفى بدعم مرشحين آخرين.
وينفي بن زعيم أن يكون الحزب وقف متفرجاً على المسار الانتخابي، “إذ وبصفتنا القوة السياسية الأولى على مستوى البرلمان، ناقشنا وصادقنا بالأغلبية الساحقة على القانونين الجديدة للانتخابات وللسلطة المستقلة للانتخابات.
في انتظار الإشارة
من جانبه، يرى المحلل السياسي عامر رخيلة أن الموقف الحالي لحزب جبهة التحرير الوطني “لم يتمخض عن حوار ومشاورات بين قياداته”.
وقال رخيلة: أعتقد أن الحزب كعادته تلقى إشارات من جهات عليا بدعم التقدم بمرشح.
وتابع: للحزب كفاءات وشخصيات ووعاء انتخابي واسع وكان بإمكانه تقديم مرشح، ولكن حالة الترابط التي تجمعه بالسلطة حالت دون ذلك.
وأفاد رخيلة: من الناحية البراجماتية، الوضع الحالي هو في صالح الحزب، إذا ما عرف كيف يستثمره بالشكل الذي يخلصه من التبعية الدائمة للسلطة التنفيذية.
وأضاف: منذ عام 1962 ومرشح حزب جبهة التحرير الوطني، أو المرشح الذي يدعمه هو الفائز في الانتخابات، باستثناء 1991 (والانتخابات المحلية في عام 1990)، عندما خسر أمام الجبهة الإسلامية للإنقاذ في التشريعيات (والمحليات) وكان سيخسر الرئاسيات لو تمت.
وتوقع المتحدث أن الحزب الذي حكم البلاد من الاستقلال سيدعم المترشح الذي “يتلقى بشأنه إشارات فوقية بأنه الأصلح للمرحلة”.
والسبت الماضي، أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات، قبول ملفات 5 مترشحين لسباق الرئاسة المقررة في 12 ديسمبر المقبل، من بين 22 شخصية أودعوا ملفاتهم لديها.
والخمسة المقبول ترشحهم هم: رئيسا الوزراء السابقان علي بن فليس (الأمين العام لحزب طلائع الحريات)، وعبدالمجيد تبون (مستقل)، وكذا عبدالعزيز بلعيد (رئيس جبهة المستقبل)، وعز الدين ميهوبي، الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي (حزب أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق المسجون في قضايا فساد) وعبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني (إسلامي).
______________
المصدر: “الأناضول”.