في سبتمبر 2019م فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجميع بتصريحات فهم منها وجود رغبة تركية بامتلاك قدرة نووية في ظل وجود دول أخرى تمتلك هذه القدرة مشيراً على وجه الخصوص إلى “إسرائيل” التي تمتلك قدرات نووية ولا يتم لومها أو منعها من مراكمة القدرات النووية، حيث قال: “إن بعض الدول لديها صواريخ برؤوس حربية نووية”، لكن الغرب يصر على “أننا لا نستطيع الحصول عليها” لا أستطيع أن أقبل بذلك.
إزاء هذا التصريح قلل البعض من أهمية السياق كونه جاء قبل التوجه لاجتماعات الأمم المتحدة وأن تركيا قد وقعت على اتفاقية حظر الانتشار النووي وأن سياق التصريح هو سياق انتقادي ولا يعبر عن أي رغبة لتركيا في امتلاك القدرة النووية بل لا يوجد أي دليل على محاولات تركية في هذا الخصوص فضلا عن وجود عقبات وربما عقوبات لا ترغب تركيا بها حاليا في ظل معالجتها لاقتصادها قد تقع على رأسها في حال أبدت جدية في هذا الملف.
كما أشار بعض أهل الاختصاص وتحديدا بعد وقوع عدد من الهزات الأرضية في تركيا أن التربة التركية غير صالحة لإنشاء المفاعلات النووية مستدلين بوجود تشققات في البنية التحتية للمفاعلات التي تقوم تركيا بإنشائها حالياً من أجل تغطية احتياجات الطاقة للبلاد.
مع هذا التقليل من شأن جدية تركيا في هذا الأمر وربط الأمر بعادة الرئيس التركي في نقد الظلم والتناقض الذي يمارسه المجتمع الدولي كان هناك من يتساءل حول حقيقة هذا الأمر وقد ناقشت عدة تقارير وتصريحات أمريكية و”إسرائيلية” دوافع تركيا النووية حيث قال جون ج. هامري، نائب وزير الدفاع السابق الذي يدير حاليا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن “الأتراك قالوا لسنوات إنهم سيتبعون خطى إيران”. وأضاف “لكن هذه المرة مختلفة” ومنها مقال لاميلي لانداو وشيمون شتاين لموقع ناشونال إنترست، من منطلق أن وجود تركيا كدولة نووية ليس من مصلحة “إسرائيل” مطلقاً حيث سيفتح تسلح تركيا النووي سباق التسلح في المنطقة. وربما ينهي عقودا من الردع “الإسرائيلي” في المنطقة خاصة أن دولة كمصر ستعمل على تحقيق توازن إزاء هذه التطورات إن وقعت. وقد استغرب “الإسرائيليون” من انتقادات أردوغان الآن لقدرة “إسرائيل” النووية في حين أن “إسرائيل” تمتلك هذه القدرة منذ أكثر من 50 عاماً محاولين من خلال هذا الاستغراب بحث جدية توجهات تركيا.
وهنا يجدر الإشارة أن “إسرائيل” بدأت العمل في مفاعل ديمونا عام 1958م بمساعدة فرنسية وبمساعدة دول أخرى كما استفادت “إسرائيل” من انهيار الاتحاد السوفيتي حيث قدم إليها أكثر من 40 عالم في المجال النووي ضمن أفواج اليهود الروس وقد انخرطوا في البرنامج النووي “الإسرائيلي”. وقد قدرت وكالة الاستخبارات الأميركية ترسانة “إسرائيل” النووية بأنها تتراوح بين 75 و130 رأسا نووياً وذلك في عام 1990م وبالتالي فإنها الآن أكبر من هذا الرقم بكثير. وقد أشارت بعض مراكز الأبحاث إلى امتلاك “إسرائيل” أكثر من 400 رأس نووي.
يربط “الإسرائيليون” دور تركيا للبحث عن المكانة بضرورة امتلاكها لقدرات نووية خاصة في ظل الانسحاب والتردد الذي تقوم به الإدارة الأمريكية بقيادة ترمب والتوتر الجاري مع حلفاء الناتو خاصة الذين علقوا توريد السلاح لتركيا بعد عملية نبع السلام وبالتالي لا يوجد ضمانات لدى تركيا لمنع احتمال قيام الناتو بسحب القنابل النووية الموجودة في تركيا وبالتالي تظل تركيا بدون غطاء نووي وهو الغطاء الذي اعتمدت عليه منذ دخولها في الناتو.
يرى “الإسرائيليون” أيضاً فشل إدارة ترمب في كبح جماح كوريا الشمالية وإيران واحتمال نزع الناتو لقنابله النووية من تركيا مع بقائه احتمالا غير كبير كدوافع تحث تركيا على تطوير قدراتها النووية .
لا تكتفي “إسرائيل” بالتفرج على هذا المشهد فهي تريد إجراءات لردع تركيا حتى عن مجرد التفكير وتريد من القوى الإقليمية والدولية وضع خطوط حمراء لتركيا حتى لا تقترب من العتبة النووية ولو لاحظنا أيضا فإن هذا القلق “الإسرائيلي” سابق للتصريح الذي أدلى به أردوغان في يوليو أضاءت “إسرائيل” إشارات الإنذار منذ 2016م أيضاً.