مايكل روبن(*)
– إيران تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة
ظلت إيران والولايات المتحدة على مقربة من النزاع المباشر منذ ثلاثة عقود، منذ عملية فرس النبي (Operation Praying Mantis) في عام 1988 التي كانت، في ذلك الوقت، أكبر عملية بحرية مشتركة سطحية منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد كتب وقيل الكثير في مناقشة المسألة، بعضها جيد وبعضها ساذج، وإليك بعض الأفكار التي عرفتها لكوني كنت محظوظًا بقضاء ما يقرب من سبعة أشهر في الدراسة بالجمهورية الإسلامية أعد للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة عن التاريخ الإيراني، ثم عملت في مكتب إيران في البنتاجون أثناء إدارة جورج دبليو بوش، وكثيراً ما زرت الخليج الفارسي، وأتابع إيران بشكل مستمر تقريبًا منذ ربع قرن.
1- الضغط على إيران يمكن أن يكون مفيداً، يجادل البعض، منذ أكثر من عقد من الزمان، بأن الضغط على إيران يأتي بنتائج عكسية، فعلى سبيل المثال؛ قامت دينا إيسفندياري، من مؤسسة سنشري، بالتغريد بأنها ليست مع زيادة الضغط علي إيران لأنه سيكون انتحارًا للحكومة.
وباستخدام أعداد من أجهزة الطرد المركزي كمقياس، زعمت ويندي شيرمان، أحد مفاوضي إدارة أوباما، مراراً وتكراراً أن التفاوض مع إيران أفضل من الإكراه، وقد كان كل من أسفندياري، وشيرمان مخطئتين، لأنها قللتا من أهمية الضغط.
وكما ذكرت بالتفصيل في كتاب “الرقص مع الشيطان”، وهو تاريخ من الدبلوماسية الأمريكية مع الأنظمة المارقة والجماعات الإرهابية، أن هناك سوابق لاستجابة الجمهورية الإسلامية للضغوط، فقد أطلق آية الله الخميني الرهائن الأمريكيين دون أن تتحقق مطالبه كاملة في عام 1981، وقد فعل ذلك ليس بسبب الدبلوماسية، بل لأن عزلة إيران أصبحت أكبر من أن تتحملها، خاصة عند أخذ الحرب الإيرانية العراقية في الاعتبار.
وقبل الخميني وقف إطلاق النار عام 1988، وترك صدام حسين في السلطة في العراق، وهو أمر أقسم في وقت سابق أنه لن يقبله أبدًا.. السبب؟ أن مواصلة الحرب الإيرانية العراقية كان قد شكل عبئاً لم يعد يحتمل بالنسبة لاقتصاد إيران، وعرض بقاء النظام الثوري الإيراني للخطر.
وخلال إدارة أوباما، أتى الرئيس حسن روحاني إلى طاولة المفاوضات بسبب الضغوط الاقتصادية، بعد أن أقر مجلس الشيوخ بالإجماع عقوبات اقتصادية أحادية الجانب، وهو إجراء عارضه البيت الأبيض في البداية، ولكنه أقره بعد ذلك.
أما بالنسبة لاستشهاد شيرمان بأرقام أجهزة الطرد المركزي، فقد أساء فهم السياق الأوسع، فبين عامي 1998 و2005، تضاعف حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران ثلاث مرات تقريبًا، وتضاعف سعر النفط خمس مرات؛ وبالتالي، فإن زيادة أعداد أجهزة الطرد المركزي في إيران كانت أقل ارتباطًا بالإكراه، ولكنها كانت نتيجة الكثير من الدبلوماسية.
ومع ذلك، فإن السلطات الإيرانية ليست بالهينة، وهي تفهم السياسة الأمريكية جيداً، وحقيقة أن إيران أصبحت لاعباً سياسياً في الكونجرس، وفي الأخبار قد تشجع إيران على العدوان، خاصة إذا استنتجت السلطات الإيرانية أنها يمكن أن تتسبب في حدوث أزمات سياسية في واشنطن أو تزيد من تفاقم أزمات موجودة بالفعل، لهذا السبب فإنه لا يوجد بديل عن الوحدة بالنسبة لأمريكا.
2- الموظفون والسياسة؛ في الجيش الأمريكي، معظم الأمريكيين والجنرالات يشغلون وظائف محددة لبضع سنوات فقط، ويبقى عدد قليل من الموظفين الكبار في مناصبهم مدة أطول من مدة منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي يقضي فترة أربع سنوات، ولكن في إيران يخدم كبار المسؤولين لمدد أطول.
فعلى سبيل المثال، خدم قائد الحرس الثوري الإسلامي محمد علي الجعفري ما يقرب من 12 عاماً قبل أن يحل محله حسين سلامي في وقت سابق من هذا العام.
وظل علي فدوي قائد الحرس الثوري الإسلامي في سلاح البحرية لمدة 8 سنوات، قبل أن يتنحى في العام الماضي لصالح علي رضا تانجسيري (وعين فدوي لاحقًا نائبا لسلامي).
وفي أواخر عام 2017، كان هناك تغيير في القيادة على رأس بحرية جمهورية إيران الإسلامية، مما أدى إلى هز هذه المنظمة بعد أكثر من عقد من الزمان.
وعندما تحدث تغييرات في القيادة، خاصة في الجمهورية الإسلامية، يتعين على الخلفاء إثبات همتهم الثورية، وربما لم تكن البحرية الأمريكية قد أحبّت فدوي عندما كان يرأس فيلق الحرس الثوري الإسلامي، لكنهم فهموه، وعلى الرغم من التشاحن الدبلوماسي بين طهران وواشنطن؛ كانت البحرية الأمريكية منذ فترة طويلة تتمتع بعلاقات ودية ومهنية مع نظرائها الإيرانيين النظاميين.
هذا هو التاريخ، ولكن القادة الإيرانيين الجدد الآن يحاولون اختبار الخطوط الحمراء طويلة الأمد.
3- سكرات الموت تسمع بوضوح في الجمهورية الإسلامية؛ الجمهورية الإسلامية تواجه عاصفة قوية، والعقوبات أضرت باقتصادها ضرراً بالغاً، وقد كانت طهران تأمل في أن تتجاهل الدول الأوروبية والآسيوية العقوبات الأمريكية، حيث يعتقد رجال الأعمال أنهم لا يستطيعون المجازفة بفرض عقوبات أمريكية بغض النظر عما ترغب حكوماتهم، فالسياسيون والدبلوماسيون يتاجرون بالكلام، ولكن رجال الأعمال والشركات مملوكة لمساهميها وخطواتها محسوبة، وهذا لا ينبغي أن يفاجأ أحد بالطبع، فقد حدثت نفس المناقشات على خلفية الأمرين التنفيذيين اللذين أصدرهما الرئيس بيل كلينتون في عامي 1994 و1995 بالموافقة في العام التالي على قانون لمعاقبة إيران وليبيا.
ولكن الفرق الوحيد بين ذلك الحين والوقت الحاضر هو أن عملة إيران في حالة تراجع كبير.
المشكلة ليست اقتصادية فقط، فالحرس القديم للجمهورية الإسلامية بلغ سن الشيخوخة، ويدرك المرشد الأعلى علي خامنئي أنه قد اقترب من النهاية (الوفاة)، وعلى عكس الحال في عام 1989 -آخر مرة مرت فيها إيران بمرحلة انتقالية في القيادة– لا يوجد خليفة معروف لرأس النظام، ولا توجد ثقة داخل النظام بأن الانتقال سيكون سلسًا.
والأرجح أن يصلوا لطريق مسدود أو حتى انقلاب عسكري يخضع فيه رجال الدين للجنرالات، هل ستستمر الجمهورية الإسلامية أم لا، كان ذلك هو السؤال المتكرر في معظم فترات التاريخ الإيراني الحديث.
يعرف كل من خامنئي والحرس الثوري أنهم لا يتمتعون بشعبية كبيرة داخل إيران، ولكن مع استياء الإيرانيين من الخراب الذي جلبته إلى بلادهم أربعين سنة من الحكم الديني، فإنهم يظلون قوميين متشددين؛ وبالتالي، قد يحاول خامنئي والحرس الثوري الإيراني إثارة أزمة تمكنهم من حشد الإيرانيين حولهم.
هذه هي الآلية التي يجب أن تنتبه لها إدارة ترمب جيداً الآن؛ لأنه من الضروري الحفاظ على الضغط على إيران دون اللجوء إلى تصعيد أكثر للصراع، دعونا نأمل أن يكون الرئيس دونالد ترمب حكيماً بما يكفي للسماح بـ”أقصى قدر من الضغط”، وبالعمل دون إعطاء السلطات في طهران أي فرص دبلوماسية، وبدون اللجوء إلى القوة العسكرية التي من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل.
____________________
المصدر: National Interest.
(*) مايكل روبن: باحث مقيم في معهد أمريكان إنتربرايز.