بعد محاولات سابقة، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، على قانون “قيصر لحماية المدنيين السوريين” والذي ينص على فرض عقوبات على النظام السوري، وكل من يدعم النظام السوري ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا، وقد صوت لصالح مشروع القانون 86 مقابل رفض 8 في المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، كما أن الرئيس دونالد ترمب وقع على القانون، أي أنه دخل حيز التطبيق والتنفيذ.
وتأتي تسمية التشريع الأمريكي “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” من اسم المصور العسكري السوري السابق الملقب بقيصر، الذي انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب، واستخدام هذا الاسم ليخفي هويته الحقيقية، وأثارت صوره التي أظهرت جثثًا لأشخاص ملقين على الأرض ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد، ردود فعل غاضبة في أوروبا وأمريكا، حيث تم عرضها في مبنى الاتحاد الأوربي في بروكسل، وفي مجلس النواب الأمريكي، كما حضر قيصر شخصيًا إلى مجلس النواب الأمريكي أكثر من مرة، وتحدث هناك عن معاناة السجناء في سجون نظام الأسد، وأوضاع السوريين عموما.
الجهات المشمولة بقانون قيصر
يفرض قانون قيصر عقوبات اقتصادية، على أركان نظام بشار الأسد، وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر، التي يمكن ان يتعرض لها نظام الأسد.
صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجها لوجه أمام العقوبات الأمريكية، خصوصا وأنه يصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران.
أما التغيير الحقيقي في الموقف الأمريكي، فسيكون على صعيد العلاقة مع روسيا، التي تحاشت الادارة الأمريكية معاقبتها حتى الآن على جرائمها في سورية. حيث ستكون جل المؤسسات الروسية عرضة للعقوبات، ابتداء من الجيش الروسي وقيادته وصولاً إلى منتجي الأسلحة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريين الخاصين وصناعة الطاقة، جميعهم قد يقعون فريسة للعقوبات الأمريكية عندما يجري تفعيل قانون قيصر.
لذلك يبدو أن هذا التشريع الجديد مهيأ للتسبب في المزيد من الاختناق للنظام السوري وعزله عن النظام العالمي وتوسيع قدرة أميركا بشكل كبير على معاقبة الفاعلين الذين يشاركون في ارتكاب جرائم نظام الأسد أو في تقديم نوع من الدعم الذي يسمح له بمواصلة جرائمه. علاوة على ذلك، فإن قانون قيصر سيوفر أيضاً لإدارة ترمب الصلاحيات لمعاقبة الحلفاء أو الكيانات الأميركية الموجودة داخل الدول المتحالفة والذين مضوا قدماً في التعامل والانخراط مع نظام الأسد أو الاقتصاد السوري.
انعكاسات قانون قيصر على نظام الأسد
لا شك أن تأثير قانون قيصر على نظام الأسد، مرتبط بشكل مباشر بالظروف المصاحبة لتطبيقه. لكن ثمة عوامل أساسية تشير إلى جدية بل مصيرية أثر القانون على النظام. نذكر منها..
أولا، حصول القانون على تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يعطي انطباعاً بدعم المشرعين الأمريكيين للخطوات المرتقبة من قبل الإدارة فيما يتعلق بالوضع في سورية، ويفرض دوراً أمريكياً مؤثراً في مسار العملية السياسية من ناحية الضغط على روسيا وحلفائها، وأيضاً الضغط على حلفاء الولايات المتحدة لمنعهم من ممارسة أي سياسة تعارض سياسات واشنطن.
ثانيا، تهدف الادارة الأمريكية من خلال قانون قيصر إلى جر نظام الأسد للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية. وفي هذا السياق فإن القانون يقتصر على التهديدات فحسب، بل ألقت أمام نظام الأسد بجزرة “مُقيدة” تشمل تعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية، وساعد على إيجاد بيئة مناسبة لانطلاق العملية السياسية بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف استهداف المدنيين، وايقاف قصف المرافق الحيوية، المساجد والمشافي والمدارس، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب، ووقف استخدام السلاح الكيماوي والإفصاح عن مخزوناته، والسماح بعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين والمهجرين قسريا.
ثالثا، ينسجم القانون إلى حد كبير مع قراري مجلس الأمن 2118 و 2254 ، ويُلقي بمسؤولية التنفيذ والالتزام على النظام وكل من روسيا وإيران، وبالتالي فهو يجعل من الروس “شركاء تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة”، كما يُعزز من مدى العقوبات المفروضة على إيران لتشمل المؤسسات والهيئات ذات الصلة “غير المعلنة” بها، وتتحرك عبر يافطات مختلفة في لبنان وقبرص ودول أخرى.
رابعا، تبدو الظروف الدولية الحالية مواتية لتطبيق القانون، كونه ينسجم مع سياسة الضغط القصوى على إيران وتحجيم أذرعها في العراق ولبنان، كما أن يرغم حكومة بوتين على ممارسة ضغط ملموس على النظام، الذي يبدي تمنعاً أكبر للدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، التي يعني إخفاقها ضربة لجهود الأمم المتحدة في ظل بدائلها المحدودة.
خامسا، تساعد الأزمة الاقتصادية القصوى التي يعاني منها النظام، وانهيار الليرة السورية أمام الدولار، في تقليص خياراته في مواجهة أي عقوبات أمريكية جديدة عليه، والتي يتوقع أن تشمل ركائزه العسكرية والاقتصادية والسياسية، مما يعني أن أركان النظام ستكون لهم حساباتهم الخاصة بعد إدراكهم لمحدودية قدراته في التصدي للعقوبات والعزلة المفروضة عليه، إضافة لعدم قدرة إيران وروسيا على مساعدته نظراً لأزماتهما الداخلية.
سادسا، في حال أصرَّ النظام على اتباع سياسة العنف العسكري والتشدد السياسي، فإن القانون بما يحتويه من عقوبات شاملة، قد يشكل بوابة لتفكيك النظام، عبر دفع الخاضعين له والواقعين تحت تأثيره للتمرد على سلطاته، مع تزايد أزماته المعيشية وعجزه عن تقديم حلول واقعية وملموسة، وتعوِّل الإدارة الأمريكية على أن تؤدي إجراءاتها لإضعاف قدرة النظام على السيطرة الداخلية لدفع قطاعات من مؤيديه لرفع صوتهم والمطالبة بوضع حد للأزمة عبر المفاوضات والحلِّ السياسي.
انعكاسات القانون على المعارضة السورية
لا شك أن قانون سيزر قد شكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة السورية، لجهة صد اندفاعات بعض الدول والأطراف نحو بناء علاقات مع النظام، كما أنَّه عزز من الضغوط المفروضة على النظام.
ومن شأنه أيضا، أن يحبط محاولات روسيا لإعادة الإعمار أو عودة اللاجئين دون حل سياسي مستدام. لكن تأثير قانون سيزر الأكبر، سيكون في عودة الدور الأمريكي إلى موقع المبادرة والتأثير، بعد فترة من الغياب وعدم الوضوح في ظل الحديث عن انسحاب عسكري أمريكي شبه كامل من سورية.
لذلك يتعين على المعارضة السورية وحلفائها والدول الداعمة لها، الإسراع في اتخاذ سلسلة من الخطوات والاجراءات خلال الفترة المقبلة، من أجل الاستفادة القصوى من الظروف التي أتاحها قانون سيزر.
أول تلك الخطوات يجب أن تركز على إعطاء أولوية فرض عقوبات اقتصادية صارمة على مؤسسات النظام وشخصياته، وتعميق أزمته الداخلية، نظراً لانعكاسها على باقي المجالات، ثم الدفع باتجاه فرض عقوبات على جميع الأطراف والهيئات والشخصيات التي تقوم بتأسيس علاقات تجارية أو مالية مع النظام، من أجل أن توفر له إمكانية التحايل والالتفاف على العقوبات.
ويجب على المعارضة السورية، إطلاق حملات إعلامية في الولايات المتحدة، والدول الأوروبية لشرح جرائم النظام بحق السوريين، وتعزيز دعم الرأي العام في تلك الدول لأي خطوات تتخذ لمعاقبة النظام، والتنبيه على كارثية المواقف أو التصريحات التي تحاول الدفاع عنه بزعم أن العقوبات تؤثر على السوريين وليس النظام ومسؤوليه.
كما يجب تكرار تلك الحملات الاعلامية وباللغات العالمية المختلفة، بأسلوب يتناول تأثير العقوبات على النظام ومدى تراجع قدرته على بسط نفوذه في المناطق الخاضعة لسيطرته، من أجل تعزيز أهمية حصار النظام في كافة المجالات.
ويتحتم على المعارضة السورية، دعوة الدول الأوروبية والحليفة، لدعم العقوبات الأمريكية ضد نظام الأسد وداعميه، وسنِّ تشريعات مشابهة لقانون قيصر، خصوصا وأن الشاهد قيصر، قد عرض في ردهات المجلس الأوربي في بروكسل، جميع ما وثقه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، التي مارسها نظام الأسد في سجونه.
ثمة عوامل أخرى تصب في صالح المعارضة السورية، إن أحسنت توظيفها والاستفادة منها، على رأسها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد، والضربات التي يتلقاها المشروع الايراني في المنطقة، من خلال الثورات والانتفاضات ضده، في كل من العراق ولبنان واليمن، بالإضافة للحصار الأمريكي المشدد على طهران وموسكو.
مجمل هذه العوامل وغيرها، سوف يسهل على المعارضة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع النظام من الإفادة من المناطق المحررة لجهة توفير السيولة من العملة الصعبة، أو تحصيل المشتقات النفطية والمواد الغذائية، والعمل على إحكام الطوق عليه، وصولاً إلى إضعافه وتفتيته.
بهذه الطريقة يؤتي قانون قيصر ثماره، وسيكون أول مسمار يدق في تابوت نظام الأسد، وبداية النهاية لنظام أوقد نار الحرب ليس في سورية وحدها، بل في عموم المنطقة. لنظام جعل أكثر من نصف الشعب السوري نازحا لاجئا طريدا، ضحية أكبر كارثة انسانية في العصر الحاضر، وحول سورية ذاك البلد الجميل إلى ساحة دمار، وكومة من الحطام والركام، ناهيك عن أكثر من مليون شهيد.
وإذا كان من كلمة أخيرة، فهي لتقديم الشكر الجزيل والعرفان، لذلك البطل المغوار والجندي المجهول، الذي أيقظ الضمائر وحرك العواطف تجاه المأساة الانسانية السورية.. شكرا قيصر ..
المصدر: “الأناضول”