أثار قانون المالية لسنة 2020م في المملكة المغربية، الذي صادق عليه البرلمان المغربي، الكثير من الجدل بسبب عدد من مواده، حاولت التوفيق بين الإكراهات الاقتصادية والمالية، وما ينتظره المواطنون من وقع على معيشتهم اليومية.
في حين رأت الأغلبية في قانون المالية وفاء من الحكومة بالالتزامات الاجتماعية الواردة في برنامجها، شددت المعارضة على أنه لا يستجيب للمطالب المتنامية لمختلف الشرائح المجتمعية، بل يعرقل الاستثمار.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي المغربي د. عبدالحفيظ اليونسي، لـ»المجتمع»: إن هذا القانون في المغرب له مميزات يتقاسمها مع تجارب عديدة؛ أولها أنه يحال إلى البرلمان كمشروع قانون، إذ إن الحكومة أو السلطة التنفيذية هي التي تعده، ويبقى دور البرلمان هو المناقشة والتعديل ثم المصادقة، وسلطة التعديل أيضاً محاصرة بنص الدستور من خلال الفصل (77).
وأكد أن الحكومة تعتمد هذا النص لتجيب عن انتظارات المواطنين، مع الأخذ بعين الاعتبار إكراهات المالية العمومية.
وأكد الأستاذ الباحث في الجامعة المغربية أن القانون بالتالي فرصة سنوية للإجابة عن هذه الثنائية، ومن ثم لا يمكن الحديث عن مستجدات بنيوية من قبيل تخفيض الضرائب، أو تضريب قطاعات تستفيد من إعفاءات مجزية وغير تنموية، أو الزيادة في الأجور؛ فهو قانون يعكس التوجه المحافظ للدولة من خلال الحفاظ على التوازنات «الماكرو اقتصادية».
بدورها، قالت النائبة البرلمانية المغربية إيمان اليعقوبي لـ»المجتمع»: إن قانون المالية لهذه السنة انخرط في نفس المسار الذي انخرطت فيه قوانين المالية السابقة، التي تجيب عن التزامات الحكومة في المجال الاجتماعي، حيث أكد مواصلة الدعم الاجتماعي ودعم الاستهلاك ومواصلة الاستجابة لمخرجات الحوار الاجتماعي.
وأضافت أن القانون أعطى الأولوية في مجال التشغيل لقطاعي التعليم والصحة، حيث تم إحداث أكثر من 16 ألف منصب مالي فقط في التعليم؛ 15 ألفاً منها لفائدة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، و4 آلاف منصب في الصحة، كما خصص موارد مهمة لتفعيل الجهوية المتقدمة بما يمكن من خدمة هدف التقليص من الفوارق المجالية، كما ينخرط قانون المالية في الأوراش الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس من خلال الخطب الملكية، التي ركزت على دعم المبادرة الشبابية في مجال التشغيل وتشجيع انخراط البنوك في المجال الاقتصادي بشكل أقوى؛ وهو ما أدى لإحداث صندوق دعم المبادرة المقاولاتية الذي سيكون رافعة لتشجيع الشباب على الاستثمار ودعمهم المادي.
ومن أبرز ما أثار الجدل في القانون هو المادة التاسعة التي لا تجبر الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية جراء إصدار أحكام قضائية ذاتها.
وفي هذا الصدد، أوضح عبدالحفيظ اليونسي أن هذه المادة التي أثارت نقاشاً قانونياً وحقوقياً مهماً في بلادنا فيه دفوعات معقولة لطرفين؛ طرف يدافع عن استمرار المرفق العام كمبدأ دستوري، وآخر يدافع عن حصانة الأحكام القضائية واستقلالية السلطة القضائية كأساس لنظام الدستوري للمملكة.
وأكد أنه الآن نحن أمام واقع هو إقرار هذه المادة، وسيتم العمل بها خصوصاً بعد نشره في «الجريدة الرسمية»، ولم يتم الطعن في دستوريته أمام المحكمة الدستورية.
وفي العلاقة بالاستثمار، أبرز د. اليونسي أن القضاء هو الضامن لحقوق المتعامل مع الدولة ومؤسساتها التي تمتلك قوة السلطة العامة والإرادة المنفردة؛ بالتالي فالقضاء يؤدي دوره المهم في ضمان حقوق من يتعامل مع الإدارة، وهناك أحكام كثيرة أبان فيها القضاء المغربي عن اجتهاد وشجاعة مقدرة في النوازل التي عرضت عليه، وأضاف أنه من المؤكد أن القانون سيكون له تأثير نسبي على الاستثمار على اعتبار أن القرار المالي ببلادنا له مسارات تتجاوز هذه المادة.
من جهتها، أبرزت إيمان اليعقوبي، في التصريح ذاته لـ»المجتمع»، أنه من المبكر الحكم على أثر تطبيق المادة (9) من قانون المالية، سواء على الاستثمار أو استمرارية عمل المؤسسات المنتخبة، لكن يمكن التأكيد على أن قانون المالية من خلال التعديلات التي قدمت في الغرفتين على المادة (9) قدم ما يكفي من الضمانات لذوي الحقوق بالتزام الإدارة التام بتطبيق الأحكام القضائية التي في صالحهم، بما لا يخل من جهة بحقوقهم، ومن جهة أخرى باستمرارية المرفق العمومي الذي تتوقف عليه مصالح وحياة المواطنين في عدد من الجماعات.
وعاد عبدالحفيظ اليونسي ليؤكد أن تأثير المادة التاسعة سيكون على المواطنين البسطاء الذين يتعرضون لاعتداءات مادية أو نزع الملكية دون سلك المساطر المعتمدة، وهو ما يتطلب الإسراع في إخراج تعديل المسطرة المدنية الذي كان تم إنجازه من طرف وزير الدولة بمعية شركاء مختلفين ومتعددين، ولكنه لم يحل إلى حدود الساعة.
وختم اليونسي بالقول: أعتقد أن على البرلمان أن يفعّل سلطاته، وأن يتقدم بمقترح بهذا الصدد لإحراج الحكومة، ما دامت لا ترغب في وضع المسودة التي أنجزت منذ ما يقارب العامين.