تواصل الإدارة المدنية لدولة الاحتلال ملاحقة الفلسطينيين في أرضهم، واستهداف الوجود الفلسطيني، بعدة أشكال.
فالخِرَب التاريخية التي هي أكبر من عمر الاحتلال، والتي يقطنها فلسطينيون ولدوا وكبروا فيها، وتدافعت الأجيال على ترابها.. تترصد بها قرارات الاحتلال وجرافاته والدوريات البيضاء التي يقودها ضباط من جيش الاحتلال يستخدمون كل الوسائل في محاربة الوجود في تلك المناطق.
يعد وادي قانا المحمية الطبيعية الأكبر في الأراضي الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، وتبلغ مساحته قرابة العشرة آلاف دونم، ويوجد فيه خرب تاريخية وبعض الكهوف القديمة.
سعيد زيدان رئيس بلدية دير أستيا التي تشرف على الوادي الذي تعود ملكية الأراضي فيه إلى أهالي بلدة دير أستيا يقول: “الاحتلال يخشى من كل شيء تاريخي يشير إلى طبيعة الأرض وملكيتها؛ فهناك بعض الخرب التي تم تأهيلها لتكون صالحة للسكن، إلا أن ما يسمى بسلطة الطبيعة والإدارة المدنية قاموا بهدم كل إضافة في المكان ومنها مصاطب أمام هذه الخرب من الباطون، بعد تصليحها؛ فهم لا يرغبون بوجود أي فلسطيني في المكان مع أن العدد لا يزيد عن مائة مواطن، يعيشون حياة بدائية تعود إلى العصور الأولى من حياة الإنسان، ولو كان هناك جمعيات حقوقية عاملة، توثق هذه الانتهاكات لأدى ذلك إلى اعتبار ما يجري على الأرض جريمة حرب؛ فحرمان أشخاص من حياة طبيعية في أرضهم هو بمثابة إعدام بطيء”.
حكاية صمود
وفي خربة طانا في بلدة بيت فوريك قضاء نابلس ترتسم هناك حكاية صمود؛ حيث تم هدم الخربة لأكثر من 30 مرة، وهي منشآت بدائية من بركسات وخزانات مياه، وبعض الخيام.
الناشط الستيني ابن خربة طانا نايف أبو السعود يقول عن الحرب اليومية التي يعيشها أهالي طانا: “الاحتلال لا يريد أي وجود فلسطيني في خربة طانا الأثرية وذات الثروات الغذائية، التي تعتبر سلة غذاء لأهالي المنطقة وشمال الضفة الغربية، وحتى الكهوف في المنطقة التي يقطنها أهالي طانا تحارَب من قبل الاحتلال، وما يسمى بسلطة الطبيعة الإسرائيلية؛ فمداخل المغر والكهوف إذا كان فيها أي آثار من الإسمنت يتم هدمها؛ فهم ينقبون عن أي إصلاحات كمن ينقب عن ذهب لهدمه على الفور وتغريم أصحابه”.
وأضاف: “أنا عمري 67 عاما، ونحن هنا قبل الاحتلال، ومع ذلك يستخدمون حتى الطائرات في مصادرة الأغنام وتغريم أصحابها آلاف الشواكل؛ فالحرب من كل الجوانب، إلا أن الصمود والثبات أكبر من كل قراراتهم وملاحقتهم؛ فمنطقة خربة طانا معدومة من الخدمات الأساسية للحياة؛ ففي الصيف حارة كونها ضمن منطقة الأغوار، وفي الشتاء بردها قارس، والسيول تأخذ الأغنام والبشر، وتغزو الكهوف التي يقطنها بشر، ونحن في القرن الحادي والعشرين، ولكن على أرض طانا ما يستحق المعاناة، ومن هالمراح ما في رواح”.
ذات أهمية كبيرة
المختص بالشأن التاريخي فايق مزيد يقول للمجتمع: “الخرب الأثرية المنتشرة في الأراضي الفلسطينية لها أهمية كبيرة من حيث إنها موجودة في مناطق “ج” التي يحاول الاحتلال طرد الفلسطيني فيها، وحصره في تجمعات فلسطينية بدون أرض تذكر؛ لذا فالوجود الفلسطيني يعطل هذا المخطط، ولهؤلاء الذين يقطنون الكهوف والخيام في مواجهة المستوطنين دور كبير في تعطيل مخططات دولة الاحتلال، والأسلوب الدارج في هذه الفترة مواجهة المستوطن للفلسطيني بذات الأداة؛ فهناك خيام للمستوطنين ومراع وأغنام وبركسات شبيهة بحياة الفلسطيني حتى يختلط المشهد، ولا يعرف من هو صاحب الأرض من الدخيل عليها؛ فالاحتلال والمستوطنون يصنعون حياة تحاكي حياة الفلسطيني في المشهد، ولكن في حقيقة الأمر المستوطن لديه إمكانيات تفوق إمكانيات الفلسطيني بعشرات المرات”.
ويقول موثق الانتهاكات “الإسرائيلية” في الأغوار عارف دراغمة: “الخرب التاريخية في الأغوار من ضمن بنك أهداف الاحتلال والمستوطنين، وسلطة الطبيعة التي تلاحق الفلسطيني تصمت وتغض الطرف عن المستوطن؛ فالمراقبة والملاحقة مستمران لأهالي هذه الخرب؛ فلو أزيح أي حجر من مكانه، تقوم الدنيا ولا تقعد، بينما المستوطن يقوم بتغيير المعالم دون حسيب أو رقيب وكأنه صاحب الأرض، وأصبحت قرارات تحويل المناطق إلى مناطق عسكرية أسلوبا خطيرا جدا؛ حيث يمنع أهالي المنطقة من دخول أي منطقة تصنف على أنها منطقة عسكرية، وتشل الحياة فيها بشكل كامل، وقبل أيام تم تحويل 35 ألف دونم زراعية إلى مناطق عسكرية، ومنعت الجرارات الزراعية والمزارعون من مواصلة عملهم بعد حرث 300 دونم منها، ورش البذار استعدادا لموسم الشتاء”.