تبدو رياح السياسة في تونس شديدة التقلب هذه الأيام كفصل الشتاء، فبعد الرفض المطلق فالنسبي فالسكوت، أعربت الأحزاب المحسوبة على الثورة، وهي حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وائتلاف الكرامة صراحة وضمنياً وسكوتاً عن قبولها بحزب “قلب تونس” أو حزب “المقرونة” كما تسميه (وزّع المقرونة قبل وأثناء الحملة الانتخابية) شريكاً في الحكم، وهو الحزب المتهم مؤسسه بتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وذلك كما يبدو لتحاشي أي تأثيرات جانبية في مسار الانتقال الديمقراطي الذي لم يمضِ عليه عقد من الزمن.
وقال رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ: إنه سيعمل على تشكيل حكومة سياسية مصغرة ومنسجمة تجمع الأحزاب التي تفاعلت ودعمت مبادئ الرئيس قيس سعيد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية.
واعتبر الفخفاخ خلال ندوة صحفية عقدت، يوم أمس الجمعة، بدار الضيافة بقرطاج، أن الإقصاء هو ما حصل قبل الثورة، مشدّداً على أن الديمقراطية تكون بها أحزاب معارضة، وأضاف: “اخترت قاعدة الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية”.
لا إقصاء إلا لمن أقصى نفسه
وأكد زعيم أكبر حزب في تونس، رئيس حركة النهضة، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، يوم الخميس الماضي، وعلى إثر لقائه برئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، أن الأهداف الرئيسة للحكومة القادمة هي تحسين ظروف عيش المواطن التونسي من خلال تخفيض الأسعار والقضاء على التهريب واستكمال المؤسسات الدستورية.
وشدد الغنوشي على أن الحكومة القادمة يجب أن تكون حكومة سياسية، حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحداً إلا من أقصى نفسه (في إشارة إلى حزب قلب تونس، وبقية الأحزاب الأخرى).
وبين الغنوشي حرص حركة النهضة على أن يكون حزب “قلب تونس” ضمن الحكومة القادمة لأن تونس تعيش ديمقراطية ناشئة تحتاج إلى تعبئة كل قوى الشعب من أجل القيام بإصلاحات ولا مجال الإرجاء، موضحاً أن هذه المسألة لم يحسم أمرها بعد.
نعم لـ”قلب تونس”
من جهته، أكد الأمين العام لحركة “تحيا تونس” (حزب رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد) سليم العزابي إثر لقائه رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، أن “تحيا تونس” ترفض إقصاء حزب “قلب تونس” من المشاورات وتدفع نحو تشكيل حكومة متكونة من أوسع حزام سياسي ممكن.
وشدد العزابي على ضرورة التسريع في تشكيل الحكومة لكن دون تسرع، مبيناً أنه اطلع على رؤية الفخفاخ ومنهجه وهيكلة الحكومة المقبلة، ووصف اللقاء بين حركة “تحيا تونس” ورئيس الحكومة المكلف بالإيجابي.
من التصريح إلى التلميح
وإن كان الغنوشي قد صرّح بقبول حزب قلب تونس، بكل وضوح وكذلك فعل حزب تحيا تونس، فإن الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو قد اكتفى بالتلميح، بعد لقائه برئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ يوم الخميس.
وقال: إنّ التيار ملتزم بإنجاح الحكومة القادمة ولن يدخر جهده في سبيل ذلك.
وأشار إلى أن الوقت قد حان للحكم بطريقة أخرى، وأنه تلقى معلومات تفيد بأنّ الفخفاخ سيحكم بطريقة مختلفة.
وأشار عبو إلى أنّ هذا التمشي يبدأ بالبرامج وينتهي بمسائل أخرى أكثر تفصيلاً، وأن التيار الديمقراطي راض عن توجهات الفخفاخ بخصوص الحزام السياسي للحكومة القادمة والمتمثل في عودة الأطراف الأربعة التي شاركت في مفاوضات 21 ديسمبر 2019م، وهي: حركة النهضة (54 نائباً)، التيار الديمقراطي (22 نائباً)، وحركة الشعب (16 نائباً)، وتحيا تونس (14 نائباً) إلى المفاوضات كمنطلق أولي، مشيراً إلى إمكانية التحاق أطراف أخرى مثل ائتلاف الكرامة (19 نائباً) وقلب تونس (38 نائباً).
وبيّن أن التيار متحل بالمرونة، وأعلم إلياس الفخفاخ بأنه لا يضغط بخصوص تحديده للأطراف المشكلة الحكومة القادمة، وأنه أعلم رئيس الحكومة المكلف بأن التيار يرغب في أن يكون تمثيله في الحكومة القادمة في موضع يسمح له بتطبيق القوانين ومكافحة الفساد دون الدخول في تفاصيل أخرى؛ (ويعني مطالبه القديمة وهي وزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري)، لكن يبدو أنه لن يحصل عليها جميعاً، وقد تسند له وزارة العدل أو الإصلاح الإداري.
لا مشكلة مع “قلب تونس”
وكشف أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي إثر لقائه رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ أن مسار تشكيل الحكومة سيشمل 3 مراحل، وسيخصص الأسبوع الأول لتحديد الحزام السياسي، والأسبوع الثاني للبرنامج، في حين سيخصص الأسبوع الثالث وهي المرحلة الأخيرة من مراحل تشكيل الحكومة للهيكلة والتركيبة.
وأوضح المغزاوي أن ملامح الحزام السياسي للحكومة سيبدأ بالأحزاب الأربعة التي التقت الرئيس قيس سعيد، وهي حركة النهضة، وحركة الشعب، والتيار الديمقراطي، وتحيا تونس، ومن ثمة قد يتوسع وينفتح على أحزاب أخرى وهو ما تدفع له حركة الشعب، حسب تعبيره.
وكان المغزاوي قد أكد في اليوم نفسه أن حزبه ليس لديه أي تحفظات أو فيتو على حزب قلب تونس، فهو حزب منتخب.
مخاوف الاختيار ومآلاته
حتى أكثر الأطراف رفضاً لحزب قلب تونس وهو “ائتلاف الكرامة” (من شباب الثورة) لم يتحدث بتلك الحدة التي عرفت عنه حيال “قلب تونس”، بل لم يذكره سيف الدين مخلوف بعد لقاء الفخفاخ الخميس، واكتفى بالحديث عن مخاوف الاختيار (اختيار الفخفاخ)، وهو ما صارح به رئيس الحكومة المكلف حيث عبّر له عن تخوفاته من “الاختيار ومآله”، وكذلك تخوفه من أن تكون حكومته امتداداً لحكومة الشاهد التي وظفت وسائل الدولة لضرب خصومها والانتصار لحزب ومرشح معين، على حد قول مخلوف.
وشدد مخلوف على أن ائتلاف الكرامة يرى أن أفضل منظومة للحكم تتكون من الأحزاب المنسوبة للثورة والمتمثلة في النهضة وائتلاف الكرامة، وحركة الشعب، والتيار الديمقراطي، إلا أنهم خرجوا بانطباع سيئ جداً من مشاورات الحكومة السابقة بعد أن هاجمتهم الأحزاب التي دافعوا عنها (لم يذكرها) وقال: إن رهانهم حول هذه الأحزاب قد يتغير مستقبلاً، ولم يجدّد رفضه كما عهد عنه وعن قيادات ائتلاف الكرامة التأكيد عليه في كل مناسبة.